الرئيسية » للتأمل فقط : كل حكومة جديدة إلا وأردفتها “حكومة ظل” من رموز نظامي بورقيبة وبن علي

للتأمل فقط : كل حكومة جديدة إلا وأردفتها “حكومة ظل” من رموز نظامي بورقيبة وبن علي

من قال أن نظامي بورقيبة و بن علي قد انتهيا ؟

مارس العديد ممن ركبوا سروج الحراك الشعبي الذي أطاح بالنظام السابق “طقوس الحج” إلى مكاتب وبيوت كبار مسؤولي العهدين السابقين، منذ الساعات الأولى لمغادرة الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي رحمه الله البلاد تحت ضغوطات المحيطين به، في جانفي 2011، وقد تواصل هذا الحج إلى اليوم وبشكل علني و رسمي حتى بين الأحزاب التي تدعي الثورية.

بقلم مصطفى عطية *

يمر سياسيو هذا العهد، وكلما قرروا التحرك، بمكاتب وبيوت عدد من رموز عهدي بورقيبة وبن علي، للإستشارة والإستفسار والتزود بالنصائح والنهل من تجارب ثرية ومتنوعة المصادر، حتى أصبحت الظاهرة، التي تتسع مساحتها بٱستمرار، مثار تساؤلات العديد من الملاحظين ومتابعي الشأن التونسي، بالداخل والخارج، وحتى عموم الناس.

جماعة العلن وجماعة الخفاء

مارس العديد ممن ركبوا سروج الحراك الشعبي الذي أطاح بالنظام السابق “طقوس الحج” إلى مكاتب وبيوت كبار مسؤولي العهدين السابقين، منذ الساعات الأولى لمغادرة الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي رحمه الله البلاد تحت ضغوطات المحيطين به، كما دعي آخرون إلى الإلتحاق بالقصر الرئاسي أو مقر الحكومة بالقصبة لمناقشة الأوضاع وٱقتراح الحلول العاجلة خوفا من انهيار الدولة ومؤسساتها.

كان الوزيران الأولان السابقان، الراحل الهادي البكوش وحامد القروي في طليعة الزائرين لقصري قرطاج والقصبة الذين طالما صالا في أرجائهما وجالا، وكان بيت كمال اللطيف مزارا لرؤساء وقادة عديد الأحزاب المسموح بها أو التي كانت ممنوعة، وذلك منذ السابع عشر من جانفي 2011 تاريخ أول إجتماع عقد هناك بحضور سبعة أشخاص من بينهم حمة الهمامي ونجيب الشابي والراحل شكري بلعيد.

كان الوزير الأول لدى بن علي  محمد الغنوشي قد شكل حكومته الأولى بعد سقوط النظام طبقا لٱقتراحات زائري القصرين، وبالخصوص الهادي البكوش وحامد القروي، وحتى عندما سقطت هذه الحكومة بسرعة، بقي الرجلان مصدر إستشارة الذين تتالوا على سدة الحكم، ثم إتسعت حلقة “المستشارين” لتشمل عديد الرموز الأخرى كالمرحوم مصطفى الفيلالي ومنصور معلى ومحمد الناصر، الذي عاد، إثر ذلك إلى وزارة الشؤون الإجتماعية في أول حكومة إنتقالية يشكلها الباجي قائد السبسي قبل أن يصبح رئيسا لمجلس نواب الشعب ثم قائما بمهمة رئيس الجمهورية وقتيا. كذلك الشأن بالنسبة لمصطفى كمال النابلي الذي عين، في خضم التطورات المتباينة التي شهدتها البلاد في تلك الفترة العصيبة، محافظا للبنك المركزي، ورشيد صفر الذي كثف من الظهور الإعلامي، وغيرهم.

تعددت، مع مرور الأيام وتتالي الأحداث والوقائع والمستجدات، مصادر “الإستشارة” لدى القادمين  إلى ساحة الفعل السياسي والمهرولين إلى مواقع السلطة والنفوذ، وبعثت حلقات إضافية في المكاتب المغلقة والبيوت المنزوية، وٱنضمت وجوه جديدة إلى أخرى قديمة، وبدا أغلب قادة الأحزاب التي تناسلت بشكل فوضوي، بمن فيهم زعماء حركة النهضة، مقتنعين شديد الإقتناع بأهمية الإستئناس بٱراء عدد كبير من الذين كانوا مقربين جدا من بورقيبة وبن علي وحاشيتيهما.

لعب المرحوم مصطفى الفيلالي دورا بارزا في توجيه دفة الأحداث، في تلك الفترة العصيبة، إلى حيث كان مرساها، وذلك  بحكم علاقاته الجيدة بمختلف الأطراف الفاعلة كالباجي قائد السبسي وبعض زعماء حركة النهضة وقادة الإتحاد العام التونسي للشغل والناشطين في التيارات ذات المرجعية القومية.

أما حامد القروي فقد إختار بعث حزب جديد، الحزب الدستوري الحر، للتموقع على الساحة من جديد، لكن تقديراته كانت خاطئة جملة وتفصيلا  فتخلى عن الحزب لعبير موسي، في حين واصل المرحوم الهادي البكوش تقديم نصائحه السياسية للزاحفين بقوة على الساحة وخاصة جماعة حركة النهضة الذين لم ينسوا أبدا أنه كان قد دعا بن علي إلى تمكينهم من ترخيص بعث حزب سياسي، وأبقى صلة التواصل غير المباشر معهم، بعد خروجه من قصر الحكومة بالقصبة، مما تسبب له في مشاكل مع نظام بن علي كادت تكلفه غاليا، وهو ما يفسر الحضور اللافت لزعيم حركة النهضة راشد الغنوشي في ذكرى أربعينيته التي احتضنتها منذ أيام دار الكتب الوطنية وسط جدل صاخب.

في الأثناء تراجع دور منصور معلى خاصة بعد أن تمكن من دفع إبنته إلى الواجهة وأصبحت وزيرة للتجارة في حكومة ما سمي ب:”الكفاءات” بقيادة المهدي جمعة، أما رشيد صفر، وبالرغم من محاولاته المتعددة وتكثيفه للظهور الإعلامي المبالغ فيه، فإنه لم يجد لدى المسؤولين الجدد الحظوة التي كان يحلم بها ويتمناها.

الشاهد أكثر المستقطبين لرموز النظام السابق

إختار عدد آخر من رموز العهدين السابقين فتح بيوتهم ومكاتبهم لطالبي الإستشارة من السياسيين، القادمين على مهل أو على إيقاع الهرولة، دون أن يكلفوا أنفسهم عناء الظهور في المشهد، بل رفضوا ذلك رفضا قاطعا كلما تمت دعوتهم إلى ذلك.

ومن هؤلاء نذكر بالخصوص المرحوم عزوز الأصرم، والطاهر بلخوجة، وإدريس قيقة، وخاصة عبد الرزاق الكافي، الذي  تقلد الوزارة  في عهد الزعيم بورقيبة وتحديدا وزارة الإعلام وكان مقربا جدا من الماجدة وسيلة بن عمار ثم عمل مع بن علي وزيرا للنقل والسياحة وسفيرا بالمغرب وإسبانيا في السنوات الأولى للتغيير، والتي كانت محملة بالآمال والطموحات والتطلعات، قبل مرحلة الإنحراف المتسارع.

دأب هؤلاء طيلة السنوات التي تلت الحراك الشعبي، في الرابع عشر من جانفي2011، على إستقبال كل من طلب نصيحتهم من السياسيين، في بيوتهم ومكاتبهم، رافضين التنقل إلى أي مكان آخر لأسباب مبدئية، عملا بالرأي القائل “من يبحث عن النصيحة يذهب إلى مصدرها” !!!

وقد توافد عليهم الكثير من السياسيين حديثي العهد بالمعترك أو القدامى الذين يريدون العودة إلى الساحة ببكارة سياسية جديدة  !!! وعادة ماتكون مواقفهم صادمة لضيوفهم خاصة الذين يتخيلون أن مجرد التنكر لماضيهم كفيل بتأمين عودتهم إلى الساحة.

وقد شهدت حكومة يوسف الشاهد، وخاصة في سنتها الأخيرة، دخول العديد من رموز العهد السابق ومنهم بالخصوص كمال مرجان ورضا شلغوم وهشام بن أحمد وكمال الحاج ساسي وعفيف شلبي وغيرهم، وتموقع محمد الغرياني، الأمين العام السابق للتجمع، في الصفوف الأمامية لحزب تحيا تونس بزعامة الشاهد. وتؤكد المؤشرات الأولية أن رئيس الحكومة الجديد إلياس الفخفاخ سوف لن يحيد عن هذه القاعدة وله قائمة من رموز نظام بن على تنتظر التفعيل.

* صحفي و كاتب.

مقالات لنفس الكاتب بأنباء تونس :

شارك رأيك

Your email address will not be published.