منذ ظهور فيروس كورونا و العام يعيش حالة من الفزع و الخوف سرعان ما أدت إلى ظهور أزمة اقتصادية عالمية لم تسلم منها أي دولة سواء الدول المتقدمة أو النامية، وبحكم الترابط العالمي بين اقتصاديات الدول فإن الأزمة لن تستثني أي دولة بما فيها تونس.
بقلم فيروز الشاذلي
غالبية الشعب التونسي سوف يدرك أكثر فأكثر في قادم الأيام عمق الأزمة الاقتصادية التي سيحدثها ويعمقها وباء كورونا و يفهم أيضا أن انخفاض أسعار النفط هو مجرد تفصيل أمام هول المشاكل التي ستمس أغلب القطاعات المكونة للاقتصاد التونسي كالسياحة، والنسيج والخدمات.
إنعكاسات كارثية على الإقتصاد العالمي قد تعادل خسائرها أزمة 1929
لقد كان واضحا مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة و التنمية (الأونكتاد) في دراسة تحليلية أن الصدمة التي تسببت بها كورونا ستؤدي إلى ركود في الاقتصاد العالمي وستخفض النمو السنوي العالمي هذا العام بحوالي 2،5%، وربما تسوء الأمور أكثر إلى درجة تسجيل عجز في الدخل العالمي بقيمة 2000 مليار دولار، مما يعني انهيار الاقتصاد العالمي بصفة كلية، فيما يشبه الكساد الكبير الذي أعقب الأزمة الاقتصادية لسنة 1929 من القرن الماضي حيث كان تأثير تلك الأزمة مدمرا على كل الدول تقريبا الفقيرة منها و الغنية و انخفضت التجارة العالمية ما بين النصف والثلثين.
ففي أحدث تقرير لهذه المنظمة التابعة للأمم المتحدة أوضح ريتشارد كوزيل، رئيس قسم العولمة والإستراتيجيات التنموية، أن الأزمة الحالية نتيجة تفشي فيروس كورونا جاءت لتعزز أزمة مالية عالمية موجودة منذ سنة 2008 ناتجة عن الهشاشة المالية للنظام الاقتصادي العالمي.
هذه الأزمة العالمية يبدو أنها مازالت فقط في البداية وسوف تتعزز نتائجها السلبية بحكم فقدان ثقة المستهلك والمستثمر كنتائج مباشرة لانتشار العدوى لكن على المدى المتوسط فنحن ذاهبون نحو دوامة من التراجع الاقتصادي تجعل من الوضع أكثر سوءا بسبب تراجع قيمة الأصول المالية للاستثمارات المنجزة مع تزايد أزمة الديون وقلة الإنتاج مما سيؤدي حتما إلى ظهور حالات الإفلاس الاقتصادي على نطاق واسع و انهيار مفاجئ لقيم وأصول العديد من البورصات العالمية بسبب الشعور بالذعر وصعوبة التنبؤ بحركة الأسواق.
انخفاض أسعار البترول بشكل حاد
بعد أن ارتفعت أسعار البترول إلى حوالي 70 دولار للبرميل الواحد هاهي وبدون سابق إنذار تنزل إلى حوالي 33 دولار بسبب فيروس كورونا وهي تقريبا الإيجابية الوحيدة المسجلة للاقتصاد التونسي بحكم أن تونس لديها عجز كبير على المستوى الطاقي و انخفاض أسعار النفط يمكن أن يمنح المالية التونسية نوعا من الانتعاشة بحكم أن تكلفة الدعم الطاقي سوف تنخفض بمبلغ مالي يتراوح بين 500 و 700 مليون دينار تقريبا، كما أن عجز الميزان التجاري سوف يتحسن تبعا لذلك، لكن الأزمة تبدو أعمق بكثير من مجرد انخفاض أسعار النفط وتتعدى ذلك بحكم أن جميع القطاعات الإقتصادية في تونس سوف تتأثر سلبا وستشهد خسائر تتجاوز بكثير المبالغ التي سيتم تحصيلها من انخفاض أسعار النفط العالمية.
إرتفاع في الأسعار العالمية و المحلية
نظرا للتدابير المتخذة لاحتواء الفيروس في عديد البلدان التي تعتبر مصدرا للمواد الأولية والبضائع الرخيصة الثمن خاصة الصين، انجر عن ذلك انخفاض كبير في الإنتاج فخلال العقدين الماضيين أصبحت الصين أكبر مصدر في العالم وجزء لا يتجزأ من شبكات الإنتاج العالمية حيث وطدت نفسها كمزود رئيسي للعديد من مدخلات ومكونات المنتجات المختلفة، مثل السيارات و الهواتف المحمولة و المعدات الطبية وغيرها.
في ظرف الشهر الماضي فقط انخفض نسق المشتريات التصنيعية في العالم قرابة 20%، وقد شمل أساسا صناعة الأدوات الدقيقة والآلات ومعدات السيارات وأجهزة الاتصالات، مما يعني أن كل هذه المنتوجات سوف تشهد أسعارها ارتفاعا ملحوظا في قادم الأيام بفعل النقص في الإنتاج، زيادة على ما يشبه حالة الحصار الإجباري المفروض بين البلدان والتكاليف الإضافية للتأمين على البضائع وتكلفة النقل المتزايدة بحكم مخاطر العدوى، هذا يعني ظهور موجة جديدة من التضخم في السوق التونسية باعتبار أن أغلب المواد الأولية و المواد المصنعة يتم استيرادها من الخارج.
بوادر الأزمة بدأت تظهر على الاقتصاد التونسي
لا شك في أن القطاع الأساسي الذي يعتمد عليه الاقتصاد التونسي كمحرك للنمو هو القطاع السياحي ولكن للأسف الموسم السياحي هذه السنة مرشح للتراجع وبصفة كبيرة بحكم انتشار فيروس كورونا بأغلب بلدان العالم، وكل التحاليل تؤكد استحالة جهوزية لقاح مضاد لهذا الفيروس إلا مع بداية الصيف القادم عندها يكون وقت الحجوزات قد فات بحكم تحجير السفر بين أغلبية بلدان العالم خاصة المنطقة الأوروبية، بما يعني أن الموسم السياحي مهدد كليا وتراجع نشاط النزل ووكالات الأسفار بشكل كبير، مما سيدفع بهذه المؤسسات إلى التسريح القصري لآلاف الموظفين والعملة.
تونس سوف تتأثر بشكل كبير على المستوى الاقتصادي بحكم ارتباط اقتصادها كليا بالجانب الأوروبي الذي صنفته المنظمة العالمية للصحة بالأمس كالبؤرة العالمية الأولى لانتشار فيروس كورونا بعد أن نجحت الصين في تطويق هذا الفيروس القاتل، وهذا يعني حتما تراجع الصادرات التونسية بشكل حاد تجاه هذه المنطقة وقد بدأت بوادر هذا التراجع للظهور من خلال إقدام بعض البلدان الأوروبية كفرنسا على تعليق استيراد المنتوجات البحرية، كما أن التأثيرات السلبية سوف تمس العديد من القطاعات الأخرى كالنقل البحري و الجوي بحكم أن الشركات العاملة في هذا المجال تعمل أساسا على خطوط تربط تونس بدول الإتحاد الأوروبي.
في نفس الإطار يجب الإشارة أن جميع القطاعات التصديرية الناشطة في التراب التونسي سوف تشهد انخفاضا حادا بحكم تراجع الاستهلاك العالمي خاصة لدى الشريك الأساسي لتونس الإتحاد الأوروبي حيث أقدم الكثير من الشركاء الأوروبيين على إلغاء طلبيات تخص النسيج التونسي بسبب التوقف شبه الكامل وحالة الشلل التي تعيشها البلدان الأوروبية.
هذا بالنسبة للقطاعات المربوطة بالمعاملات مع الخارج أما القطاعات التي تهم التجارة الداخلية والخدمات فهي بالتأكيد سوف تتأثر سلبا بحكم الحجر الصحي و تحديد ضوابط استهلاك معين مع وجود حالة خوف وهلع لدى المستهلك مما سيؤثر على قطاعات واسعة تشغل مئات آلاف العملة كقطاعات المطاعم، النزل، النقل، رياض الأطفال والمقاهي.
شارك رأيك