بعد رفض محافظ البنك المركزي التمويل المباشر لحاجيات الحكومة من السيولة للإيفاء بإلتزاماتها في إطار تغطية العجر الحاصل بـ14% في الميزانية التكميلية للسنة الحالية 2020 والمحدد بمبلغ 10 مليارات دينار، نضع اليوم الإصبع على خلفيات هذا الطلب الذي يبين بوضوح أن الحكومة التونسية بصدد استيفاء كل إمكانياتها للتداين الخارجي، هذا علاوة أن الرفض مثل تصادم بين السياسة النقدية للبنك المركزي و السياسة الحكومة لتعبئة مواردها المالية.
بقلم رؤوف الغشام *
على رغم العلم المسبق بحجم التداين الخارجي غير المسبوق خلال العشرية الأخيرة، يعد هذا التصادم بين الطلب الحكومي وجواب محافظ البنك المركزي نتاجا لتراكمات سياسات الهروب إلى الأمام من قبل كافة الحكومات المتعاقبة للمردودية المفقودة في إنجاح رهانات الإستثمار الأجنبي والتقليص من العجز الحاصل في الميزان التجاري المنعكس على حجم مخزون العملة الصعبة من وقت لآخر.
كما يعتبر موقف الرفض بالتدخل المباشر لتمويل عجز المالية العمومية منطقي من البنك المركزي لتداعياته السلبية والمباشرة إقتصاديا و إجتماعيا التي قد تفرز بصفة آلية إرتفاع لنسبة التضخم البالغة 5.6% وهذا ربما من شأنه المساهمة في تعميق الاهتزاز الحاصل من وقت لآخر لصورة الدولة التونسية مع المانحين الدوليين مستقبلا في حال تدهور قيمة الدينار التونسي مقابل العملات الأجنبية بعد حالة شبه الإستقرار الملحوظة خلال سنة 2020.
لحوصلة الإشكال في الإقتصاد التونسي تجدر الإشارة إلى غياب منظومة وطنية تخلق الثروة في المقابل نجد زيادة تصاعدية في الطلب الاستهلاكي بوجه عام، ولعل المسؤولية حسب تقديرنا تعود تحديدا للفاعلين السياسيين باتباعهم سياسة “حقن المسكنات” للحفاظ على الاستقرار السياسي دون إعطاء الأهمية المطلوبة لدفع المؤسسات الصغرى والمتوسطة الخاصة، التي تعيش تعثرات آخرها أضرار جائحة كورونا الأخيرة، علاوة عما تعانيه من السياسة الشح في منح القروض من قبل النسيج البنكي الحالي الذي نراه لا يساهم في ديمومتها (لعدم توفر الضمانات) بهدف دفع عجلة التنمية و توفير مواطن الشغل، وهو ما يجعل القطاع البنكي التونسي قطاع رعي يسعى بدرجة أولى للربح المضمون بإقراض المنشآت والمؤسسات العمومية العاجزة ويعتبرهم حرفاء قارين ولا يطرحون بالنسبة لهم إشكالا في استخلاص الديون منهم مستقبلا.
ختاما، يصح القول أن الإقتصاد الوطني ظل يحوم حول تلك “الحلقة المفرغة” والتصادم الحاصل بين السياسة النقدية والمالية هو إمتداد لسالف القرارات الترقيعية المتخذة من قبل الحكومات المتعاقبة بعد 2011 والتي لم تطرح حلولا ومبادرات ناجعة تخلق الثروة عبر حزمة من التشريعات التحفيزية لجلب الاستثمار الأجنبي المباشر وأيضا بجهد دبلوماسي مفقود للبعثات التمثيلية في الخارج التي يستوجب عليها إجادة التسويق لفرص الشراكات مع تونس وهذا يرجع بالأساس إلى الحنكة المطلوبة لإقناع الأجانب للاستثمار المباشر خدمة الصالح العام بعيدا عن منطق اللوبيات و المصالح الحزبية الضيقة التي تميز المشهد السياسي الحالي بوجه عام.
* باحث في الإقتصاد.
شارك رأيك