الرئيسية » متى أمسح دموعي؟

متى أمسح دموعي؟

شعر طه عبد القادر العلوش *

نظرت في المصائب والحادثات … أردت أن أصيح فخنقتني العبرات
…لم أجد من أين أبدأ ولا عمّا سأتكلّم
أدركت كم كنت جاهلا بعظمة هذه الشّعوب التي تتألّم…
وأنه قد آن لي الأوان كي أجتهد وأتعلّم

ليبيا … هذه الرّقعة الشّاسعة الغنّاء…
لم تكن تمثّل في ذهني سوى صحراء واسعة جرداء.
لطالما سخرنا من رجالها العظماء… في دعاباتنا السّخيفة الحمقاء
أنا نادم لأنّي ضحكت منها يوما ما…
لم أكن أعرف شيئا عن أهالي بنغازي و الزّاوية و تاجوراء
لم أكن أدرك كم كانوا شرفاء و أقوياء
ضحّوا من أجل كرامتهم بالأرواح والدّماء

اليمن … لم أكن أعرف من مدنها سوى صنعاء وعدن…
لم تكن تعني لي الكثير… سوى ضباب كثيف في عقلي الصّغير
نساء مقهورات ؟! حوثيّون؟ رجال مسلّحون؟ مجرّد لقطات
خيالات ساذجة تسّللت خلسة إلى عقلي عبر القنوات
أنا آسف لهذه التّرهات

العراق … بلد عظيم فيه الدّم يُراق…
حتى امتزج بماء دجلة والفرات
و بقي أطفاله حفاة عراة … يصيحون ، يبكون… و أرضهم تغصّ بالثّروات
ونحن نشاهد صامتين نسكب العبرات
ثمّ ننسى و ننشغل بالسّخافات
أنا آسف ، لقد ضيّعنا الأمانات

فلسطين … حزني عليك دفين…
في كلّ يوم أراك تصمدين، تنزفين، تئنّين ، تحلمين، تسقطين و تنهضين…
و نحن نراقب من بعيد … صامتين، صارخين، عاجزين، مكبّلين
أحنّ إلى القدس، إلى غزّة، إلى رام اللّه، إلى جنين
لكنّي أجهل عنك الكثير، أتعلمين ؟
لم أكن أعلم أنّ هناك احتلال
لا أتكلّم عن إسرائيل … هذا أمر محال
فمكرها تكاد تزول منه الجبال

أنا أتكلّم عن إحتلال آخر… في مكان ما في قلبي…
إحتلّ حبّي لوطني العربي …
لطالما كنت أبكي … ثم أجفّف دموعي وأمضي
أنسى … أتناسى! هزمني تشاؤمي ويأسي
خذلتني عروبتي الهزيلة… أزاغتني هشاشة نفسي
أنا آسف أيّها الأطفال، أيّها الرّجال، أيّها الشّهداء، أيّتها الأمّهات
إنشغلت عنكم بمشاكل الحياة … مسائل جديّة والكثير الكثير من التّفاهات
غفلت حتّى عن الدّعاء لكم في الصّلوات…
فسامحوني على كلّ هذه الزّلّات…
أردت أن أواسيكم ولو بكلمات
لكنّها خانتني هيهات
وحقّ لها أن تفعل… فأنا من بدأت… بالخيانات.

* طبيب وناشط سياسي.

شارك رأيك

Your email address will not be published.