الرئيسية » نضال النّساء ضرورة تاريخيّة لتحرّر المجتمع

نضال النّساء ضرورة تاريخيّة لتحرّر المجتمع

 بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للمرأة، اليوم الإثنين 8 مارس 2021 ،  أصدرت منظمة مساواة  البيان التالي… 

تُحيي حرائر العالم وأحرارها يوم 8 مارس ذكرى اليوم العالمي للمرأة. ذكرى نضالات عاملات نيويورك التي خلّدتها الأممية الاشتراكية بداية من سنة 1910 ببادرة من القائدة والمفكرة الشيوعية كلارا زتكين. فهذا اليوم يخلّد نضالات النساء من أجل حقوقهنّ الأساسية، حقوق اِلتحقن مبكّرا بالنضال من أجل فرضها ملتحمات في ذلك مع نضالات رفاقهن من العمال والكادحين. هذه النضالات وما سبقها وما لحقها تؤكد أنّ نضال النساء هو نضال اجتماعي بامتياز وأنّ قضية المرأة هي قضية اجتماعية، وأنه لا تحرّر لنساء دون تحرّر للكادحين ودون تحرّر المجتمع ككل من واقع التقسيم الطبقي والاجتماعي الذي يضاعف أشكال وأساليب الاستغلال والحيف ضدّ المرأة كجنس، وضدها كقوة عمل مضطهدة ومستلبة. 


ولقد خطت الحركة النسائية صفحاتها بألوان الصمود والكفاح المرير والصعب والضاري،  فنضال النساء من أجل حقوقهن ليس فقط نضالا ضد المنظومة الطبقية السائدة، بل أيضا نضالا محموما ضد العقلية الذكورية البطريركية التي تحوز مساحات واسعة من البنية الفوقية للمجتمع، هذه البنية الضاربة في القدم والتي تنهل من المجتمع الأبوي الذي ظل سائدا ومسيطرا منذ غابر التاريخ.


هذا ويعرف نضال النساء صعوبات أكثر في المجتمعات الأكثر تخلفا في بناها الاقتصادية والفكرية ومنها مجتمعاتنا العربية الإسلامية أين كرّست منظومة التفكير التقليدي رؤية رجعية للمرأة مازالت تهيمن لدى أوساط واسعة من مجتمعاتنا المعاصرة رغم التقدم الحاصل والمكاسب التي فرضتها المرأة هنا وهناك. إنّ نضال المرأة المزدوج على الواجهة الطبقية ضد نظام الاستغلال، بحكم أنّ أغلبية النساء هنّ من الكادحات والمفقّرات، وعلى واجهة الفكر/الثقافة ضد العقلية الذكورية الرجعية، هو ما يعطي لنضال النساء طابعا خاصا، هو طابع نبيل وإنساني، فنضالهنّ هو من أجل أنسنة المجتمع، الأنسنة الفعلية والحقّة، من هذه الزاوية فإنّ نضال جماهير النساء إنما هو نضال بالنيابة عن كلّ المجتمع، إنه نضال من أجل التحرّر النهائي للمجتمع من أبرز جرائمه، جرائم المجتمع الطبقي والأبوي الذي ظلّ يضطهد النساء، بل يتفّنن في اضطهادهن.


ورغم المكاسب الكمية المهمة التي حققتها الحركة النسائية، فإنّ أشواطا أخرى من النضال الضاري مازالت تستحق مجهودات عظمى سواء في بلدان المركز الرأسمالي، أو في بلدان الأطراف مثل بلادنا. فقد كشفت أزمة الكورونا المتواصلة حتى اليوم وجها آخر من وجوه نفاق المجتمع الرأسمالي. فهذه الأزمة التي كانت لها تداعيات اجتماعية ضخمة دفع فاتورتها كالعادة العمال والكادحون. لكن نصيب المرأة كان نصيبا وافرا. 

فالتداعيات كانت أسوأ على جماهير النساء في المدن والأرياف، من ذلك أنّ العنف المنزلي تضاعف في أغلب المجتمعات «المتقدمة» كما «المتخلفة»، وكان نصيب نساء تونس التضاعف 7مرات، جزؤها الأغلب كان موجّها ضدّ الفتيات والنساء. وإذا كان الفقر مؤنثا في أغلب البلدان، فإنّ التداعيات المعاشية للأزمة الأخيرة كانت أكثر إجحافا على المرأة سواء تعلق ذلك بحجم البطالة وغلاء الأسعار والحرمان من الخدمات الصحية.

وقد أكّدت الإحصائيات الرسمية في عديد الحالات أنّ أغلب المصابين بالوباء كنّ نساء، ولا غرابة في الأمر فنصيب النساء من الثروة كان دائما الأقل، ونصيبهن من التفقير والتهميش كان دائما مرتفعا وفاقعا. مقابل واقع البؤس مازالت المرأة تتحمّل جهدا أكثر في إنتاج الثروة، ومازالت قطاعات أساسية تحافظ على صفة التأنّث مثل القطاع الفلاحي الذي يطعم المجتمع.

وقد شاهد العالم كلّه تضحية النساء في ذروة أزمة الكورونا بأن قمن بكلّ الأنشطة لتأمين تزويد المجتمع بحاجياته من الخضر والغلال، وكان ذلك في ظروف قاسية وبدائية. كان ذلك في أغلب بلدان المعمورة. لكن قلّة هم من يعترفون للمرأة بأنها دائما واهبة الحياة. أمّا نحن معشر الشيوعيين فإنّ موقعنا الطبيعي في صدارة المعترفين بدور المرأة، بل بريادتها في حركة تحرّر المجتمع الذي لن يتحقق دون دور نشيط ومحوري لجمهور النساء.


فلتكن ذكرى 8 مارس المجيدة موعدا متجدّدا لخلق ظروف أنسب لدفع النضال النسائي في بلادنا وفي كل العالم. إنّ العالم الجديد سيولد من رحم المجتمع الرأسمالي المتهالك. هذا المجتمع الذي وسع رقعة الاستغلال والاغتراب والعبودية المقنعة. إنّ نضال الكادحات والكادحين العنيد والمتماسك هو الذي سيُعبّد الطريق لمجتمع العدالة والمساواة والتحرّر، المجتمع الاشتراكي الذي يضرب الأسس المادية لاضطهاد النساء.

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.