الرئيسية » صناعة التسوّل في تونس

صناعة التسوّل في تونس

تشكّل ظاهرة التسوّل أحد الظواهر السلبية المنتشرة في العاصمة تونس وداخل الجمهورية. ويبدو أنّها ترتبط ارتباطا وثيقا بالظروف الاقتصادية والاجتماعية السائدة. ولئن كان الفقر هو القنبلة الموقوتة المستحكمة والمزمنة داخل بيوت شريحة هامة من أفراد الشعب، فان التسوّل مأساة اجتماعية خطيرة إن لم نتداركها ونعالج الأسباب الكامنة خلفها.

بقلم العقيد محسن بن عيسى *

ظاهرة احتراف التسوّل

لا شك أننا نميل الى مساعدة المحتاج وإعطاء الصدقة ولكننا اليوم أمام ظاهرة أصبحت مهنة لبعض الناس وانتشرت بشكل خطير. فالتسوّل لم يعد على أبواب المساجد والأضرحة أيام الجمعة والعيد بل أصبح في أماكن مختارة بعناية فائقة.

هناك وجوه أصبحت من علامات بعض المفترقات والمصحات الخاصة والمناطق التجارية المهمة وغيرها. وجوه فيها القادر على العمل ولكنها استسهلت مدّ الأيدي واستجداء أصحاب السيارات والمارة، ومن أبرز أدواتها طلب المساعدة على أساس أنهم مرضى أو يعولون مريض أو الاستعانة بأطفال رضّع لاستدرار العطف.

ففي الوقت الذي يتزايد حجم الأفارقة الكادحين في مختلف المهن لدينا، يرى المرء تزايد محترفي التسوّل من كل الأعمار بشكل مقنّع وملحاح. الصدقة لا تعطى جزازا أو تؤخذ غلابا وما يفعله أولئك هو مضايقة وازعاج.

التسوّل قضية رأي عام؟

تختلف صور التسوّل وتتعدد مظاهره والأخطر هو تسوّل فئة الأطفال والمراهقين والمراهقات الذين يجوبون الشوارع ويتجرؤون على اقتحام المتاجر والمغازات والأسواق.

هذا التسوّل سواءً كان موسميا أو منظما أصبح يتعدّى الأسباب الاقتصادية والحاجة لتوفير سبل المعيشة من طعام أو كساء ليشكل تهديدا لفئة ضعيفة دفعتها أُسرها إلى علاقات الشارع الخطرة، ومن ذلك الانحدار إلى الانحراف والنشل والسرقة والدعارة والمخدرات استهلاكا وبيعا وترويجا. ومن هؤلاء تتشكّل المجموعات التي تندس بين الناس “العائلات المتسولة” وهم الأكثر عدوانية وشراسة. فالحدث الذي يرتكب جريمة ليس مجرما بالمعنى الموضوعي لكلمة الإجرام ولكنه منحرف يحتاج الى مؤسسات تحميه.

نحن لسنا بحاجة لإثبات أنّ هذه الظاهرة ستنفجر قريبا في وجه المجتمع إذا لم نعالجها بالقانون والتوجيه الاجتماعي. علينا أن نبحث فيها بعيدا عن شعوذة الديمقراطية المتداولة، ونركّز على تشخيص دواعيها وفحص دوافعها بشكل علمي ومطاردتها للصورة السلبية التي تعكسها عن البلاد ومساسها بسمعة الوطن والدولة.

آمل ألا يساعد المناخ الانفتاحي المتسيّب على قيام هذه الصناعة الجديدة صناعة الشعوذة أو صناعة التسوّل!

* ضابط متقاعد من سلك الحرس الوطني.

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.