الرئيسية » حول حادثة “اقتِحام” مبنَى إتحاد يوسف القرضاوي واقتحامات الإسلاميين لأركان الدولة والمجتمع في تونس!

حول حادثة “اقتِحام” مبنَى إتحاد يوسف القرضاوي واقتحامات الإسلاميين لأركان الدولة والمجتمع في تونس!

اعتصام أعضاء الحزب الدستوري الحر أمام مقر إتحاد يوسف القرضاوي بتونس.

ما أظهره قادة حركة النهضة الإسلامية و أعضاؤها من تباكي على مبادىء دولة القانون بسبب موقعة “اقتحام” فرع تونس للإتحاد الدولي لعلماء المسلمين، وتجريمهم لها، ليس سوى سيرا في طريق المُخَادَعَة والمُدَاهَنَة. إذ عليهم أن يكفوا هم أيضا عن اقتحاماتهم المتواصلة التي هزت وتهز أركان تونس وتدك أساساتها، وأن يبدلوا هذه الاقتحامات بالإنتماء الحقيقي لهذه الأرض.


بقلم فتحي الهمامي

فعل الاقتِحام حادثة خطيرة وواقعة عظيمة، ذلك مؤكد وليس محل تَخْمِين أو  تَكَهُّن. فالاقتحام يمكن أن يُغَيِّر مسار حرب أو معركة، وأن  يُبدل  حياة إنسان أو امة. سواء بصفة سلبية أو إيجابية. ومن ذلك مثلا اِقتِحام سجن “الباستيل” إبان الثورة الفرنسية (1789)، اِقتِحام الاستعمار بلاد تونس سنة 1881، اِقتِحام الجيش المصري خط “بارليف” عام 1973، اقتِحام  الطالب مجال البحث العلمي…

لفظة “الاقتحام” تجري هذه الأيام على الألسن، وأصبحت محل أخذ وردّ  إثر أحداث نهج خير الدين باشا بالعاصمة التونسيىة. هذا (الإسلامي) يتهم الآخر باقتحام مبنَى فرع الإتحاد الدولي “لعلماء” المسلمين هناك، والآخر (الدستوري الحر) يكذّب  ويَرُدُّ  أنه ضحية إقتحام الأمن إعتصامه.

أبناء حسن البنا يؤمنون بالاقتحام عقيدة ويَعْتَبِرُونه مذهبا في السياسة

 وبصرف النظر عن حقيقة ما جرى، فإن موقعة ليلة 10 مارس 2021 أكدت أن حمائم  تيار الإسلام السياسي في تونس (أي النهضة وتوابعها) على نفس موقف نسوره من إتحاد الداعية الإسلامي المتشدد يوسف القرضاوي. نفس الانزعاج على فرعه ونفس الاستماتة في الدفاع عن ذلك المعقل الايديولوجي ( تم منحه التأشيرة أيام حكم “الترويكا” سيئة الذكر) . فجميعهم  يذهب مذهب القرضاوي، وإن إختلفوا في الظاهر، بصفته الزعيم الروحي لطائفتهم. وكلهم يُولُونَ  اهمية لتلك “المدرسة” التي  تشكل العمود الفقري للعمل الدعوي والتعبوي، الذي يظل الأساس المستمر لمنهج عمل الإخوان المسلمين. فإِزَاحَتها (أي “المدرسة”) لو تَمَّ  سيُقْحِم البلاد في دينامية إبْعَاد شبكة الإخوان المسلمين كلها، من جمعيات ومدارس وغيره كثير، والتي تَمَكَّنَت بالوطن كالمرض المُتوطِّن في جسم المريض.

 ولهذا أظن أن انزعاجا جَلِيّا تَسَرَّبَ إلى نفوس المؤمنين بالقرضاوي جراء بداية تغيَّر معادلات الصراع مع خصومهم. فمعقلهم الأبرز أصبح محاصرا وشبح الاقتحام يُخَيِّمُ عَلَى المَكَانِ. لهذا ملأت أفئدتهم الخشية التي  يُمَازِجُهُا روح المؤامرة في أن يختار خصومهم مثلهم الاقتحام طريقة للوصول إلى هدفهم. إذ لا يخفى أن أبناء حسن البنا يؤمنون  بالاقتحام عقيدة ويَعْتَبِرُونه مذهبا في السياسة. وذلك يكشفه تاريخهم الطويل وأدبياتهم.

منهج الاختراق لنشر الدعوة السياسية المتسترة بالدين

نظرية “التدافع الإجتماعي”، التي جرت على لسان راشد الغنوشي، رئيس حركة النهضة الإسلامية، في أكثر من حديث، هي بمثابة السُنّة التي يسير على هديها أتباعه في تونس، وهي الأخت الصغرى لفقه “التمكين” الذائع في أدبيات الإخوان المسلمين. الإثنان قائمان على منهجية الاقتحام والمهاجمة والغزو، والإثنان يكملان بعضهما البعض، وكلاهما غايته الاختراق لنشر نفس الدعوة السياسية المتسترة بالدين.  وإن كان “التدافع” يركز في رؤيته وعمله على إبعاد الدولة ورقابتها عن نشاط الإغارة الإخوانية على المجتمع. وهنا يلعب فرع إتحاد “العلماء” المسلمين بتونس دور تَهْيئة القُرْص الصَلْب (العقل)، أي التمكن من عقول وقلوب الناس واكْتِسَاحهما، فإن فقه “التمكين”، بصفته اقتحاما أعمق يؤسس لمرحلة متقدمة في الدعوة الإخوانية، ينظم الجهد الإخواني ويؤطره بغاية اكتساح الدولة والمؤسسات.

من مظاهر مرحلة “التمكين” تلك حسب ما يروج في أوراقهم وواقعهم: السيطرة على النقابات، والمدارس والجامعات، والتغلغل في جهاز الإدارة، واختراق المؤسسات الإعلامية، وزعزعة استقرار الدولة. كل ذلك من أجل  مشروع الخلافة المزعومة.فعلى ايدي هؤلاء أو إسهام منهم (أي تيار الأخونة) عرفت/تعرف بلادنا منذ زمن أَذَى اقتحاماتهم: اِقتحام “الفكر” التكفيري بِنْية عقول أبناءنا، اِقتحام داء الاسلام السياسي قلب إسلامنا، اِقتحام الإرهاب بِنْية مؤسساتنا، اِقتحام أئمة التكفير مساجدنا، اِقتحام  المذهب الاخواني مفاصل دوتنا، اِقتحام كاهن المعبد الأزرق مجال رئيس الجمهورية المسجل في دستورنا، وأخيرا وليس آخرا اِقتحام سدنة مشروع الإخوان الحَيِّز الحيوي  لمطارنا… 

لهذا أرى – كمُحصِّلة- أن ما أظهره أعضاء حركة النهضة من تباكي على مبادىء دولة القانون بسبب موقعة نهج خير الدين باشا، وتجريمهم اِقتحام صوري لمبنَى جمعيتهم، ليس سوى سيرا في طريق ا لمُخَادَعَة والمُدَاهَنَة. أما طريق الصدق والإخلاص فهو واضح وجلي إذ عليهم أن يكفوا عن اقتحاماتهم المتواصلة التي هزت/ تهز أركان تونس وتدك أساساتها، وأن يبدلوا الاقتحام انتماء لهذه الأرض.

* عضو الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان.

شارك رأيك

Your email address will not be published.