الرئيسية » بمناسبة اليوم العالمي للكتاب وحقوق المؤلف : هل من رؤية لمستقبل الكتاب؟

بمناسبة اليوم العالمي للكتاب وحقوق المؤلف : هل من رؤية لمستقبل الكتاب؟

يحتفل العالم كل سنة في 23 أفريل باليوم العالمي للكتاب وحقوق المؤلف، وهي مناسبة أسستها منظمة اليونسكو بالأمم المتحدة سنة 1995. الفكرة انبثقت من الكاتب الإسباني فيشنت كلافل أندري كاقتراح للاحتفاء بالكاتب ميغل سرفانتس صاحب الرواية الرائعة “دون كيشوت” من خلال إحياء ذكرى وفاته في 23 أفريل 1616 ويوافق هذا التاريخ كذلك ذكرى وفاة ويليام شكسبير.

بقلم أنور بن حسين *

منذ تأسيس اليوم العالمي للكتاب وحقوق المؤلف عملت منظمة اليونسكو على وضع جملة من الخطط للارتقاء بالكتاب وتشجيع المؤلفين والناشرين انطلاقا من الكتاب المدرسي وصولا إلى كتب البحوث والدراسات العلمية.

رسالة السيدة أودري أزولاي المديرة العامة لمنظمة اليونسكو

قدمت السيدة أودري أزولاي المديرة العامة بمنظمة اليونسكو رسالة بمناسبة اليوم العالمي للكتاب وحقوق المؤلف لسنة 2021 حيث قالت: “إننا اليوم أحوج ما نكون للقراءة”مبرزة أهمية الكتب في الوقت الراهن الذي أغلقت فيه عديد المدارس في العالم بسبب جائحة كورونا وتقلص الفضاء الذي يتنقل فيه الفرد ولذلك وجب تسخير الطاقات الكامنة بين الكتب للخروج من العزلة وتحفيز أذهاننا وإطلاق العنان للإبداع الكامن فينا. وأضافت بأن الوقت قد حان للإشادة بأهمية الكتب وتعزيز ثقافة القراءة لدى الأطفال وزراعة حب الأدب فيهم مدى الحياة، كما تمكن الكتب من مد الجسور بين الأمم والحضارات فكان الهدف من هذا اليوم العالمي للكتاب هو خلق مجتمع واحد قائم على المشاركة في قراءاته ومعارفه. و”يملك الكتاب هذه القدرة الفريدة على تسليتنا وتثقيفنا، وكذلك على تمكيننا من الخروج من عالم الذات لاكتشاف عوالم أخرى، أو الوقوف على ثقافات الآخرين”.

ومن جهتها تقوم اليونسكو ومنظمات دولية تمثل القطاعات المعنية بصناعة الكتب باختيار مدينة كعاصمة عالمية للكتاب وقد وقع اختيارعاصمة جورجيا، مدينة تبلّيسي، عاصمة عالمية للكتاب لسنة 2021, بينما وقع اختيار كوالا لنبور بماليزيا سنة 2020 والشارقة بالإمارات لسنة 2019، وسيضم البرنامج عدة أنشطة واسعة النطاق وسيقع التركيز كذلك على التكنولوجيات الحديثة وترويجها لتسخير القراءة في صفوف الشباب وتعزيز إمكانية الحصول على الكتب لفئات المجتمع كافة.

أهمية الكتاب في بناء مجتمع المعرفة

نعيش اليوم في عالم يحاول تجاوز الحدود الجغرافية وكسر الحواجز بين الشعوب، أثبت الكتاب دوره الهام في المثاقفة وتبادل المعارف والخبرات وربط العلاقات بين المحليات، فالأدب على سبيل المثال يعرف بالمحليات لما يحتويه من تجارب ذاتية مرتبطة بالمكان والزمان وهو ما يقدم الإضافة من خلال إضفاء المعنى على الحياة اليومية التي نعيشها.

ولا شك أن الإبداع يساهم بصفة مباشرة أو غير مباشرة في بناء مجتمعات منفتحة تؤمن بالتعددية وتعطي للآخر فرصة التعبير عن ذاته من خلال الكتابة التي تقدر على استيعاب تمثلات الفكر و تناقضاته. وعلى هذا الأساس يعتبر الكتاب من ركائز مجتمع المعرفة إذ لا يتناقض مع التطور التكنولوجي والثقافة الرقمية التي اكتسحت كل المجالات، وهل يمكن أن يصل الفرد إلى مرحلة الوعي بالحرية دون الوعي بقيمة المعرفة؟                                               

من الصعب بناء جيل يؤمن بمبادئ العدالة والحرية وقيم المواطنة دون المرور بمسالك المعرفة التي تفرض ضرورة إيلاء الكتاب الأهمية التي يستحقها لأنه يحتوي عوالمنا وأسرارنا وأحلامنا ويختزل تفاصيلنا ويدون ما حققته البشرية على مر العصور من انجازات وابتكارات فالكتابة هي التي وفرت أسباب انتقال الإنسان من العصور البدائية إلى عصور الازدهار والتقدم .

إذا لا يمكن الحديث عن ازدهار مجتمعي بعيدا عن العلم والمعرفة وبالتالي بعيدا عن الكتاب الذي يوفر لنا بعدا حمائيا من مظاهر الاستلاب والتبعية العمياء ويعمل على تشكيل سلوك الفرد وفق معايير تقدمية وحداثية.

هل العزوف عن القراءة ثقافة مجتمع أم مرتبطة بالكِتاب أساسا؟

نلاحظ في العقود الأخيرة تراجع الإقبال على القراءة وهذا يعود إلى عدة عوامل وجب التطرق إليها ودراستها للخروج بالحلول المناسبة، ذلك أن مشكلة القراءة تتفاوت من مجتمع لآخر ومن جيل لآخر ولا يمكن حصرها في إشكال معين. فهي ليست مرتبطة أساسا بالتطور التكنولوجي ذلك أن التكنولوجيا في أصلها لا تتصادم مع قيم المعرفة والدليل أن المجتمعات الغربية مازالت مقبلة على القراءة.

ولكن الأمر أعمق من ذلك ومر بعدة متغيرات على فترات متفاوتة . إذ أن عملية العزوف كانت تدريجيا وخاصة بمناطق الدول النامية. فعلى سبيل المثال الصدمة الحضارية التي مرت بها الدول العربية في عصر العولمة والانبهار بالتقدم العلمي دون الإمساك بتقنياته والتحكم في مساراته أثر في ارتباك العقل العربي وبالتالي استسلامه لعوامل الاستلاب وخرق الهويات والانصهار في المجتمع المادي الاستهلاكي.

من العوامل الأخرى المساهمة في العزوف عن القراءة يمكن أن نذكر سياسات الدول والنظام التعليمي فعديد المجتمعات بدأت تتخلى تدريجيا عن الاهتمام بالتعليم وخاصة منه النوعي، في حين أصبح التركيز على سياسة الانتقاء عبر صناعة الذكاء وتدجين العباقرة الطبقة التي تعمل على ابتكار وسائل السيطرة على المجتمعات لترويج سياسات الدول النافذة وبيع منتجاتها وتوسيع مجال أسواقها. بالإضافة إلى إهمال الكتّاب وتهميشهم لما يمثلونه من سلطة ثقافية يمكن لها أن تلعب دورا في تغيير الواقع وتوجيه مواقف العامة.

و بذلك فإن فترات الجمود والتراجع وتحويل الاهتمام للتفكير في كل ما هو تافه قلص دور الكتاب في نشر الوعي والنهوض بالمجتمع وصقل ذوقه والرقي بفكره. ومن هنا وجب الحذر من تفشي ظاهرة العزوف واستمرارها لأنها تستهدف الإنسان وترمي إلى سلب إنسانيته وتحطيم قدراته على الإبداع وأصبحت هناك ضرورة ملحة لإعادة بناء المفاهيم وتفكيك الواقع والبناء من أجل مستقبل يستجيب لمتطلبات المرحلة ويضع المعرفة ضمن أولوياته.

* كاتب وناشط مدني.

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.