يزداد خوف التونسيين يوما بعد يوم على استقرار دولتهم بعد ما حدث ويحدث من عجائب في كواليس السياسة، و من تصادم غير مبرر ورؤية ضبابية للسياسة العامة وقصور في النواحي الاقتصادية والاجتماعية… فهل نشهد في الأيام القادمة استقالة السيد هشام المشيشي الذي أثبت فشلا ذريعا في إدارة أمور البلاد، وهو المسؤول غير السياسي.
بقلم فوزي بن يونس بن حديد
ازدادت الأزمة السياسية في تونس تعمّقا بعد إقالة السيد عماد بوخريص رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد وتعرّض أحد الشباب التونسيين للتعنيف والتجريد من اللباس والسحل أمام كاميرا التواصل الاجتماعي مما أثار حفيظة الشعب التونسي برمته ورئيس الجمهورية التونسية السيد قيس سعيد الذي عجّل باستدعاء السيد هشام المشيشي رئيس الحكومة والسيدة حسناء بن سليمان وزيرة العدل وتحدث معهما بلغة المسؤول الغاضب المزمجر مما حدث وأنه لا ينبغي السكوت عليه بأي شكل من الأشكال وعلى كل من ارتكب جريمة في حق الشعب التونسي لا بد أن يحاسب ويُعاقب على فعله مهما كانت منزلته الاجتماعية والسياسية.
الحديث الغاضب والمتشنج لرئيس الجمهورية والصمت الغريب لرئيس الحكومة
وتعرض رئيس الحكومة لموقف مُحرج جدا أمام رئيس الجمهورية والشعب التونسي وأنّبه بأشدّ العبارات وحمّله المسؤولية التامة مما جرى ومما حدث، ولا يبدو أن هناك توافقا بين الرجلين، فالسيد قيس سعيد يستشيط غضبا مما رأى وسمع وعبّر عن استيائه الشديد وعدم تسامحه مع من يريد أن ينال من هيبة الدولة، وذكر بأنه من اليوم لن يسكت عما يجري وأنه سيتخذ كل الإجراءات الممكنة الدستورية والقانونية التي تخوّله كرئيس للجمهورية لمعاقبة من يتطاول على الجمهورية و قوانينها.
هذا الحديث الغاضب والمتشنج من طرف رئيس الجمهورية يعمق الشرخ الكبير القام منذ فترة ليست بالقصيرة بين مؤسستي الرئاسة والحكومة، وأنه لا مجال للتوافق بينهما بعد اليوم، والدليل أن رئيس الجمهورية توعّد بفتح الملفات ومحاربة اللوبيات ومعاقبة المخالفين، وهو ما يتعارض مع سياسة المشيشي الذي تحكمه أحزاب وتتحكم في وجوده هذه اللوبيات، فهل هناك لوبيات خطيرة في تونس تفعل ما تشاء وتتجاوز القانون وتعتبر نفسها فوق القانون ولا تبالي بما يحدث للشعب التونسي؟، وهل هناك لوبيات فعلا تعمل على إسقاط الدولة التونسية بكل مفارزها ومؤسساتها؟ وهل هناك من يريد أن يستأثر بالسلطة في تونس بعد الثورة وحرية التعبير وتعدّد الأحزاب؟ فالأمر معقد جدا ولم يعد مفهوما، وباتت الأزمة السياسية تتعمّق وتتجه نحو الغموض أكثر، ولا تلوح في الأفق بوادر انفراج بين المؤسسات الثلاث : الرئاسة والبرلمان والحكومة.
هل هي مجرد فقاعات سرعان ما تتبخر في الهواء ؟
في المقابل كان رئيس الحكومة السيد هشام المشيشي هادئا جدا ينصت لزمجرة الرئيس وكأنّ الأمر لا يعنيه، هذا ما استشفته على الأقل من خلال عينيه، وكأنه يقول له يا سيادة الرئيس لقد تعوّدنا على مثل هذه التهديدات والخطب النارية التي ترتعد منها فرائصنا لكن في قرارة نفسه يقول إنها مجرد فقاعات سرعان ما تتبخر في الهواء وتعود المياه إلى مجاريها، اعتبرها نوبةَ غضب كالنوبات السابقة لا أثر لها واقعا، بينما يرى المتابع ما حدث أنه لوم وعتاب من العيار الثقيل سيتعامل معه المشيشي بكل ثقل سياسي ويعلن استقالته من الحكومة حفظا لماء وجهه، على أن ما قرره في شأن رئيس هيئة مكافحة الفساد كان نتيجة تلبية رغبات أصحاب النفوذ المالي والاجتماعي في تونس ولم يكن مبنيّا على أسس سياسية وأخلاقية، مما أثار حفيظة رئيس الجمهورية وبعض الأحزاب السياسية، إضافة إلى أنه يتحمل مسؤولية ما حدث من أحداث في سيدي حسين وسحل الشاب وتجريده من لباسه باعتباره يحمل حقيبة وزارة الداخلية.
وفي هذا الشأن استشاط الشارع التونسي غضبا مما رأى وسمع، وطالب السيد قيس سعيد رئيس الجمهورية التونسية بتحمل مسؤوليته هو الآخر كرئيس حامٍ للديمقراطية وللشعب التونسي الذي انتخبه وائتمنه على هذه الأمانة، وتطبيق القانون والدستور على الجميع، ومحاربة هذه اللوبيات بيد من حديد، فلا مجال للتساهل والمماطلة ولا مجال للتأخر في الحسم والحزم لأن المجرم إذا أمِن العقوبة ازداد شراسة وتعمّد الأذى، بينما إذا رأى الدولة ذات هيبة وتقف بالمرصاد في وجه كل المجرمين الذين يريدون النيل منها ومن مؤسساتها سيخاف حتما وسيضع لذلك اعتبارا.
اختلطت الأمور في تونس، ولا بد من مراجعة جوهرية من المؤسسات الثلاث، ولا بد من التوافق على خطة عمل، فالسفينة لا يمكن أن يقودها ربابنة لأنها حتما ستغرق وهو ما يحدث في تونس اليوم، ازداد خوف التونسيين على دولتهم بعد ما حدث ويحدث من عجائب في كواليس السياسة، من تصادم غير مبرر ورؤية ضبابية للسياسة العامة وقصور في النواحي الاقتصادية والاجتماعية فهل نشهد في الأيام القادمة استقالة السيد هشام المشيشي الذي أثبت فشلا ذريعا في إدارة أمور البلاد، وهو المسؤول غير السياسي.
شارك رأيك