تتعرّض الجمهورية التونسية إلى موجة شرسة من متحوّر فيروس كورونا دلتا الذي أصاب الآلاف وقتل المئات في أيام معدودات، أعلنت على إثرها الناطقة الرسمية باسم وزارة الصحة إنصاف بن علية عن انهيار المنظومة الصحية في تونس مضيفة أن البلاد غير قادرة على استيعاب مزيدا من المرضى والمصابين، وبدأت تشعر بالشحّ في المواد الطبية اللازمة كأسرّة العناية المركزة والأوكسجين، فازداد الأمر سوءا بينما سياسيّونا يتخاصمون ويتعاركون تحت قبة البرلمان ويرفسون ويلكمون ويركلون.
بقلم فوزي بن يونس بن حديد
و فيما كان كلٌّ من رئيس الدولة ورئيس الحكومة ورئيس البرلمان يتفرّجون، كانت الولايات تسقط الواحدة تلو الأخرى فريسة لهذا الفيروس، ونداءات الناس تعلو في كل مكان، واستغاثات بالجملة من أول يوم ولكن لا حياة لمن تنادي، تحرّك رئيس الجمهورية ولكنه كان تحركا منقوصا لم يف بالغرض في ظل المشاحنات السياسية وعلاقاته المتوترة مع كل من الحكومة والبرلمان، بينما النواب منشغلون بالخصام ورجال الأعمال يحبّون البنين والمال.
هاشتاجات #أنقذوا_تونس و#تونس_تستغيث
هذا الوضع المزري والمأساوي أفاق عليه الشعب التونسي ذات يوم، فأطلق صرخته عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي طلبا للمساعدة وإنقاذ تونس، وأطلقوا هاشتاجات منها #أنقذوا_تونس و#تونس_تستغيث وتفاعل معهما الملايين من التونسيين الذين فقدوا الثقة في سياسييهم واعتبروا أن الشعب التونسي قادر على تجاوز هذه المحنة بمساعدة من أشقائهم العرب وأصدقائهم غير العرب.
وعلى إثر هذه الهبة و بتواصل مع المسؤولين الكبار في الدولة جاءت الاستجابة الفورية الأولى من دولة قطر الشقيقة تلتها اتصالات مكثفة من عدة دول أخرى تَعْرضُ المساعدة وتبين أنها مستعدة بالفعل بإمداد الشعب التونسي بكل ما يستحق من مواد طبية مستعجلة لتجاوز المحنة وفي ذلك فليتنافس المتنافسون، فكانت الاتصالات من السعودية ومصر وتركيا والجزائر وغيرها من البلدان التي نشكرها جميعا على الدعم الكبير الذي منحته لتونس الخضراء التي ستبقى على الدوام حرّة أبية كالنسر فوق الشمّاء.
وربما كان تعامل الحكومة بطيئا جدّا هذه المرة بل تعاملت معه باستهزاء وظنّت أن هذه الموجة ستمرّ كما مرت الموجة الأولى وغيرها من الموجات لكنها أتعبت تونس بلا شك، وجعلتها مثقلة لا تدري ماذا تفعل ومن أين ستبدأ وهي ترى ولاياتها الأربع والعشرين تتهاوى والمصابين يتكاثرون والأسرّة منعدمة والمنظومة الصحية تنهار أمام أعين الجميع، وإلى حدّ الأسبوع الماضي كان الأمر مخيفا جدا بينما السياسيون لاهُون بكراسيهم ولم يقم أحد منهم بمراقبة الوضع أو نادى بعقد اجتماع طارئ لأن الدولة في حالة طوارئ بالفعل أمام عدو خفي لا تراه الأعين، وعلى حين غِرّة فاجأهم بهذه الأعداد المهولة فوجدوا أنفسهم عاجزين وفاشلين وغير مستعدين للمواجهة، فتفشى المرض بشكل كبير ومخيف كما نعلم جميعا.
السياسيون هم الذين أوصلوا البلاد إلى حافة الهاوية
اليوم تونس مغلقة تماما ووضعتْها كثير من الدول الأخرى في القائمة الحمراء، وأغلقت ليبيا حدودها، وأغلقت بعض الدول الأخرى مجالها الجوي خوفا من تسرب الحالات إليها وعلى ذلك كان الأمر أشبه بالمستحيل أن نرى تونس اليوم تعاني من كل الجهات، وسبب ذلك السياسيون، هم الذين أوصلوا البلاد إلى هذه الحافة، هم الذين نكلوا بمنجزات البلاد، وعطّلوا كل الإنجازات، هم الذين لعبوا بالدستور كيفما أرادوا بدعوى الديمقراطية الزائفة فانهارت دولة بأكملها، أو كادت أن تنهار بين أرجلهم وهم يرفسون، وما كنا لنصل إلى هذا لو أن لنا حكومة قوية لا تتبع الأحزاب جملة وتفصيلا أو لا تكون حبيسة أدراج البرلمان، تفعل ما يملي عليها الواجب ولا تكترث بأي حزب، ما كنّا لنصل لهذا لو كان لدينا رئيس يملك الصلاحيات لفعل ما يمليه عليه ضميره وقام بالواجب أفضل قيام، وما كنا لنصل لهذه الحالة المزرية لو كان لدينا برلمان وطني ليس حزبيا، همّه الوطن وخدمة الشعب، كنا سنرى شعبًا ملتزما بالإجراءات الاحترازية، كنا سنرى سيطرة على كل موجات الفيروس، كنا سنرى وضعا مختلفا بالمرة.
مرة أخرى شكرا لقطر، وشكرا لمصر، وشكرا لتركيا، وشكرا للجزائر، وشكرا لليبيا، وشكرا لكل بلد عربي وغير عربي وقف إلى جانب تونس في هذه الفترة الحرجة التي تشهدها البلاد، أزمة صحية خانقة تتبعها أزمات وتتلوها إخفاقات ونجاحات، ومرة أخرى دعوة لسياسيينا أن يتعظوا ويعتبروا، فبلادنا ليست للبيع أو للمساومة أو للمقايضة، بلادنا تحتاج إلى رجال أقوياء، يفعلون ما يقولون، ولا تهزّهم النعرات ولا التحزبات ولا الولاءات، ودعوة لرجال الأعمال أن يقفوا بجانب بلادهم ولا يفكروا فقط في أنفسهم، لا تكونوا أنانيين، وكونوا وطنيين أحرارا، ودعوة إلى الأطباء، جنّدوا أنفسكم من أجل مواطنيكم، فخيركم لشعبهم لا لأنفسهم فقط، ودعوة للشعب أن يلتزم بكل الإجراءات اللازمة حماية لأنفسهم، اتركوا البحر، اتركوا الأعراس والحفلات والمهرجانات، حتى نطمئن أن هذا الفيروس قد تم القضاء عليه.
شارك رأيك