الرئيسية » تونس : ماذا عن حق الفئات الهشة في اللقاح ضد الكوفيد؟

تونس : ماذا عن حق الفئات الهشة في اللقاح ضد الكوفيد؟

ليس هناك شك أن مواجهة جائحة كوفيد19 وحماية الناس منها تقتضي بالأساس التطعيم الشامل ضد هذا الفيروس وإن كان للتوقي دورا مهما أيضا في محاصرته والحد من انتشاره. لذا يرى المختصون أن العاصفة الصحية التي تدك البلاد التونسية دكا ليس لها من سبب أساسي سوى حالة التعثر في عملية تلقيح سكانها والناجم عن النقص الفادح في عدد الجرعات. فإلى يوم الناس هذا لم نبلغ بعد 800 ألف من لقح بجرعتين.

بقلم فتحي الهمامي *

ولقد أدى هذا البطء في التطعيم (ويؤدي) إلى ارتفاع حاد في عدد الإصابات الخطيرة بالفيروس (المختصون يقولون։ إذا اصيب الملقح بالعدوى تكون الإصابة غالبا خفيفة) فتمتلئ بالنتيجة أسرة الأكسجين كاملة وبالمثل أسرة العناية المركزة في المشافي. إنه تدهور كارثي للوضع الصحي العام بالبلاد لم تعرفه تونس الحديثة من قبل.

فتونس تبكي – ومنذ مدة – وفاة أكثر من مائة من أبنائها وبناتها يوميا بسبب الوباء وهي أعداد غير مسبوقة شبهها البعض بسقوط يومي لطائرة ركاب تونسية. كما أنها تتوجع وتئن لتضخم عدد مرضى الكوفيد الفاقدين جلهم لشروط التكفل والعناية الجيدة رغم مجهودات الإطار الصحي.       

ولكن ما هي مسؤولية الدولة التونسية عن ذلك بينما يكتسي الوباء طابعا عالميا؟

الحق في الحياة والحق في الصحة

ولا يسعني القول هنا أن ارتفاع عدد ضحايا الجائحة بهذا الشكل المروع يشكل تعديا خطيرا على حقوق إنسانية أساسية منها الحق في الحياة والحق في الصحة. فالأزمة خطيرة والأمر جلل وذلك مسؤولية الدولة.

وهذا ليس اتهاما مجانيا للدولة إطلاقا، فالدولة هي الراعية للصحة العامة والمسؤولة عنها انطلاقا من الواجبات المحمولة عليها بصفتها تلك وبمقتضى مواد الدستور (الفصل 37 ) وشرعة حقوق الإنسان الكونية. ففي باب الوقاية (التلقيح مثلا) من الواضح أن الحكومة لم تبذل الجهد الكافي لجلب اللقاح ولم ترسم خطة منظمة لذلك، وإلا لكانت أعداد المطعمين أرفع بكثير. وبالتالي تكون أعداد المصابين والموتى أقل بكثير.

فإلقاء نظرة خاطفة لمقارنة أوضاعنا مع الغير الذي يشبهنا (المغرب / السيشال) تظهر – للأسف – أننا متأخرون على مستوى ما انجزناه من تلقيح.

ومن المفيد هنا التذكير أن التطعيم ضد الوباء حق إنساني يجب أن يشمل الجميع دون تمييز. وأن يتمكن الجميع من النفاذ إليه بيسر. وهذا ليس فقط لإكساب المجتمع بأكمله ما يطلق عليه “مناعة المجموعة” بل لأن صفة حقوق الإنسان انها كونية شاملة لا تتجزأ: “لكل إنسان حق التمتع بكافة الحقوق والحريات دون أي تمييز” (المادة 2 الإعلان العالمي لحقوق الإنسان) / ” تقر الدول بحق كل إنسان في التمتع بأعلى مستوى من الصحة… التي تشمل الوقاية من الأمراض الوبائية…” (المادة 12 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية).

و منظومة إيفاكس التي بعثت من أجل إنجاز التطعيم لفائدة سكان البلاد جميعهم (على الأقل نظريا) فبإمكاني القول (المنظومة لا توفر أرقاما عن توزع المطعمين الفئوي إنما العمري) من خلال المتابعة والمعاينة أن أغلب الملقحين ينتمون إلى أوساط اجتماعية منظمة أي ما اصطلح على تسميتها فئات مندمجة في المجتمع الرسمي: إطارات الصحة /إطارات التعليم / موظفون/ أصحاب أعمال/ متقاعدون…

الكورونا ومجتمع الهامش

لقد ادى الوضع الناجم عن كورونا في العالم وفي تونس إلى تفاقم أوجه عدم المساواة في كل جوانب الحياة، وإلى مزيد تردي أوضاع الفئات الضعيفة من كل النواحي، وإلى مزيد “إقصاء الهامش” كما يقال. والهامش يقصد به غير المندمج بصفة معينة في المجتمع الرسمي. (1)

وفي بلادنا (كغيرها ولكن بتفاوت) بالإمكان القول – ولو أن أرقام الإصابات والوفيات لوزارة الصحة تقدم خامة – أن الوباء وقعه أشد عليها وأكثر فتكا بها بحكم واقعها المعيشي الصعب وضعف إمكانيات التوقي عندها من الفيروس التاجي ։ اكتظاظ في البيت وفي وسائل النقل العامة، انقطاعات الماء، ضعف النفاذ للمعقم والكمامة، ضعف النفاذ لإمكانيات العلاج عند الإصابة، ضعف النفاذ إلى الإرشاد الوقائي والصحي…

زد على ذلك ضعف تدخل الدولة في حمايتها من الجائحة سواء بالإسناد المادي أو المرافقة الاجتماعية، إذ تترك عموما لوحدها تعاني تداعيات الجائحة فتنقاد في أغلبها إلى القدرية والاستسلام. 

ونذكر هنا ان من بين أهداف القانون الدولي الانساني حماية ضحايا الأزمات الكبرى، إذ اوجب على الدول إفراد حماية خاصة زمن الحروب والاوبئة والمجاعة وغيرها لفئات بعينها تلك التي تعتبر الأضعف والأكثر هشاشة، نظرا لكونها لا تملك القدرة الجسمانية والنفسية والاقتصادية الكافية لمواجهة الظروف المصاحبة عادة للأزمات. ولكن الحال عموما في بلادنا يشهد “تضاعف إقصاء الهامش”.

الفئات الهشة والحق في التلقيح

فالفشل في اقتناء اللقاح (من قبل الدولة) بالكمية اللازمة من الطبيعي أن يؤدي إلى توزيع غير عادل لذلك القليل منها وحرمان أوساط من الفئات الهشة. من ذلك على سبيل الذكر لا الحصر سكان الأماكن النائية أو حتى تلك الأقرب التي لم تبعث فيها مراكز تلقيح، حاملو الأمراض المزمنة، كبار السن المقعدون، ذو الاحتياجات الخصوصية، المهاجرون الأفارقة المنقطعون عن الحياة الرسمية، غير المسجلون…

يبدو من الناحية النظرية أن التسجيل في المنظومة سهلا ومتاحا للجميع։ (تسجيل /إرسالية أولى وثانية) ولكنه عمليا يحرم فئات تنظم إلى المذكورة سابقا من الحق في التلقيح، وهم الخارجون عن العالم الرقمي. لتتوسع بالتالي صفوف مجتمع الهامش.

فعملية التسجيل يلزمها الولوج إلى عالم الأنترنيت، أي التمتع بخط للتواصل معها. كما تتطلب معرفة بلغتها وتقنياتها وهذا ليس متاحا لعدد غير قليل من التونسيين. وهو من شأنه أن يعيق حقها في النفاذ إلى التلقيح.

والحل إذن لتعزيز الحق في اللقاح ؟ أظن أنه مع بداية تدفق الجرعات عن طريق المساعدات وغيرها من الأهمية بمكان تعميم مراكز التلقيح المتنقلة والقارة (ركزت الإدارة العسكرية البعض منها) وبالتالي جعل اللقاح عاما بين الناس خارج إجراءات التسجيل.

* ناشط حقوقي.

  1- للاطلاع։ تقريرا المنتدى الاقتصادي والاجتماعي الأول والثاني։

هوموستازية المجتمع المختل أو في تضاعف إقصاء الهامش زمن الحدث الوبائي

1-2 : سوسيولوجيا الهامش في زمن الكورونا لماهر حنين.

:

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.