الرئيسية » راشد الغنوشى و انقلاب الصورة

راشد الغنوشى و انقلاب الصورة

لم يعد خافيا الآن من خلال علاقات حركة النهضة بالإخوان المسلمين وتاريخها المتقلّب بين السرية والعلنية أن لهذه الحركة التي تنشط تارة كحزب و طورا كحركة دينية “دعوية” وجها رسميا تظهر به في علاقتها مع مكونات المجتمع السياسي على الصعيدين الداخلي و الخارجي و يافطة مخفية  تدير معبدا محاطا بكثير من السرية المطلقة تختزل كل أدبيات التنظيم العالمي للإخوان منذ نشأته سنة 1928 على يد المرحوم حسن البنا و مؤطره الفكري المرحوم سيد قطب.

بقلم أحمد الحباسى *

طبعا و كغيره من التنظيمات المشابهة يعتمد حزب الإخوان على السرية و على التخفي و البقاء “تحت الأرض” قدر الإمكان باعتبار أن السرية هى أساس العمل الدعوي و من مقتضيات عمل الحركة.

اللافت في نشاط هذه الحركة المخيفة أن كل من ينتسب إليها لا يتحصل على بطاقة انخراط كما يحصل فى بقية الأحزاب بل هناك  عقد إذعان و عبودية مؤبد يتم تسليطه قسرا و بدون البحث عن رضا المنتسب للحركة من عدمه.  لا يوجد في بقية الأحزاب  ما يشابه  البيعة عند الإخوان و لا نظام و قسم السمع و الطاعة وهي متطلبات فرضها الشيخ راشد الغنوشى ليجعل من حركته المارقة مجرد سجن  للعقول و الأفكار.

المفعول المغناطيسي لمفهوم البيعة للمرشد

حين تشاهد أداء النائب نورالدين البحيرى و قبله النائبة المرحومة محرزية العبيدى و بينهما أداء عبد الكريم الهارونى على سبيل المثال تدرك  المفعول المغناطيسي لمفهوم البيعة للمرشد و مفهوم السمعة و الطاعة و مفهوم حالة الإنكار التي تحدث عنها النائب سمير ديلو بعد اجتماع مجلس الشورى الأخير و التي ظهر فيها المرشد و بعض معاونيه في حالة إنكار للواقع و لما حصل من رفض شعبي  غاضب لاستمرار تواجد هذه الحركة الإرهابية داخل المشهد السياسي و الحكومي الراهن.

لقد حوّل مرشد الإخوان قيادات النهضة إلى مجرد كائنات مستكينة لا تقبل بالرأي المخالف لرأى المرشد كما لا تقبل التعايش مع بقية القوى الحيّة المنادية بفصل الدين عن السياسة و لعلّ صدمة 25 جويلية الماضي حين وجد الشيخ راشد الغنوشى نفسه في مواجهة واقع لم ينتظره البتّة و ما ظهر به أمام عدسات تلفزيون العالم من اختناق فكرى و جسدي هي من أكثر لحظات الصدمة التي لم يتمكن عقل محنط مثل عقله من مجرد تصور حصولها يوما.

نفاق و تعدد وجهات نظر قيادات حركة النهضة

لا تملك حركة النهضة خطابا واحدا و لا مشروعا واضحا لإدارة شؤون الدولة كما لا تملك الحركة علاقات خارجية واضحة و لا مصادر تمويل يمكن تعقبها و ربما خدم هذا  التوجه مسار الحركة فى بداياتها لكن من الثابت أن انخراطها في الحياة السياسية بعد أحداث 14 جانفى 2011 قد كشف للمتابعين مدى نفاق و تعدد وجهات نظر قيادات الحركة و مخاتلتها مما اضطر بعض القيادات أحيانا  لاستعمال مفردات “أخرج من سياقه” لتلافى انعكاسات سقطات ذلك الخطاب المتلون القابل لكل التأويلات ويقول الباحثون الذين تتبعوا مسار الحركة الإسلامية التونسية أنّ الغنوشي كان يرفع شعار الديمقراطية وحقوق الإنسان ونبذ العنف في مرحلة كان يعمل فيها على تكريس حزبه في الواقع السياسي التونسي و لكن تلك النوعية من الخطاب قد كشفت عن عدة عورات بعد أن تبيّن لنفس المتابعين أن مقولة “أسمع  كلامك أصدقك ، أشوف أمورك أستعجب” هي الأقرب إلى التصديق من سواها.

لعل المثير حقّا في مسألة حركة الإخوان أنها نشطت في البداية كفصيل دعوى داخل المساجد لكنها تحولت سريعا الى فصيل تكفيري مسلح يضمّ عناصر شديدة التزمّت و الميل إلى ممارسة العنف بشكل غير مسبوق و بطرق فضيعة متوحشة و غير إنسانية، هذه الميليشيات غالبا ما تظهر و بالذات بعد 14 جانفى 2011 فى بعض المناسبات لتمارس العنف الوحشي ضد رموز المعارضة و نقاط تجمعاتها قصد تخويفهم و إرباك تحركاتهم و تعطيلهم عن أداء دور معارض لحكم المرشد داخل مؤسسات الحكم و الحكومة، وقد نجد في مداخلة أحد نواب النهضة في المجلس التأسيسي يوم 23/1/2012 حين استشهد  بالآية الكريمة (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) المائدة/33، نموذجا دقيقا على هذا التوجه  العنيف و الخطير الذي سانده عدد هائل من أنصار الحركة على صفحات الفيسبوك و لم نسمع تنديدا لقيادة الحركة.

فوضى من الأفكار و الممارسات المتنافرة

لعل هذه الازدواجية في الخطاب و التعامل تؤكد أن ما تحاول الحركة إظهاره من تماسك و ديمقراطية يخفى فوضى من الأفكار و الممارسات المتنافرة لأن الحركة في الواقع لا تملك مشروعا سياسيا أو ثقافيا أو اقتصاديا واضح المعالم بل غاية ما نسمعه من بعض القيادات هي مجرد  “رؤوس أقلام” مثيرة للسخرية.

هل انسلخ تنظيم أنصار الشريعة عن “المؤسسة الأم” ؟ و هل هناك علاقة عضوية بين حركة النهضة و حزب التحرير ؟ ما علاقة النهضة بالقاعدة و بكثير من التنظيمات الإرهابية في ليبيا و سوريا؟ من أين تموّل الحركة و من يدبّر  “خطّها التحريري”؟ ما هي انعكاسات سقوط الإخوان في مصر و كيف تتصرف الحركة إزاء متغيرات المنطقة و ما حدث من تقارب قطري سعودي و قطري مصري؟ ما هي توجهات الحركة بعد قرارات الرئيس في 25 جويلية الماضي؟  هل سيتمكن رفاق الأمس من إسقاط أو إبعاد المرشد من سدة الحكم في الحركة؟ ما مصير أموال الحركة المجمعة في يد عائلة الشيخ راشد الغنوشى؟ هل ستحاسب الحركة بعد تقرير دائرة المحاسبات و هل سيتم إسقاط قوائمها النيابية؟ هل انتهى الغنوشى سياسيا؟ ما مصير الحركة بعد رحيله المطلوب من أغلبية القيادات؟ هل انتهى الإسلام السياسي في تونس؟

لعلها أكثر الأسئلة الحارقة تداولا و لعلّ الأيام القادمة ستجيب عنها بمنتهى التفاصيل.

* كاتب و ناشط سياسي.

شارك رأيك

Your email address will not be published.