الرئيسية » تونس : التقرير الأوّل حول “الحقوق المدنية والسياسية زمن الحالة الاستثنائية”

تونس : التقرير الأوّل حول “الحقوق المدنية والسياسية زمن الحالة الاستثنائية”

الجمعيّة التونسيّة للدّفاع عن الحريّات الفرديّة أصدرت أمس الأربعاء 15 سبتمبر 2021 تقريرها الأوّل حول “الحقوق المدنية والسياسية زمن الحالة الاستثنائية” التي أعلنها الرئيس قيس سعيد يوم 25 جويلية 2021.

انقضى الشهر الموعود، وأصدر رئيس الجمهورية أمره عدد 109 المؤرخ في 24 أوت 2021 والذي يتعلق بالتمديد في التدابير الاستثنائية المتعلقة بتعليق اختصاصات مجلس نواب الشعب. جاء هذا الأمر الرئاسي مؤسسا على الفصل 80 من الدستور من ناحية وحاملا في طياته بوادر أزمة معلنة.

فما يلفت النظر في الأمر الرئاسي عدد 109 هو تأسيسه على الفصل 80 من الدستور خاصة وعلى الدستور عموما وذلك لتمديد قرار تعليق اختصاصات مجلس نواب الشعب، بحجة أن أسباب تلك التدابير لا تزال قائمة ولذا توجب التمديد “في تعليق اختصاصات المجلس ورفع الحصانة عن كل أعضائه وذلك إلى غاية اشعار آخر”. وتطرح عديد التساؤلات في هذا المجال: فبعد شهر من 25 جويلية، ما زلنا نجهل ما هي الأخطار الدّاهمة المهدّدة لكيان الوطن وأمن البلاد واستقلالها؟ وماهي الأسانيد لتعليق اختصاص المجلس؟ وما هي الأسانيد التي تجعل من التدابير الاستثنائية دائمة ومتواصلة؟ وعلى ماذا التتبعات والإجراءات المتخذة تجاه الأشخاص ؟

فلم يعد من الممكن ولا من المقبول مواصلة الإقالات والمداهمات وحجز ملفات هيئات عمومية ومنع السفر والإقامات الجبرية والإيقافات والتتبع العدلي والعسكري دونما أي شفافية. و للتذكير، فإن الفصل 15 من الدستور يوجب على الإدارة أن “تنظم وتعمل وفق قواعد الشفافية والنزاهة والنجاعة والمساءلة”. فهل بهذا التعتيم والتعامل الفوقي مع المواطنين والمواطنات يمكن التأسيس لنظام سياسي عادل وشفاف؟ لا نعتقد ذلك، خاصة إذا تعلق الأمر بسلطة أساسية وركيزة النظام السياسي التونسي: مجلس نواب الشعب.

لقد بيّن الشهر الأول من إعلان وتنفيذ تدابير الحالة الاستثنائية أن المخاطر المحدقة بالديمقراطية وبدولة القانون عديدة ومخيفة.

في ضرب مقوّمات الديمقراطية

بإعلان تعليق كل اختصاصات مجلس نواب الشعب ورفع الحصانة عن كل أعضائه، كانت أوّل ضربة للديمقراطية التمثيلية. فرغم كلّ هناته ومساوئه، يبقى البرلمان فضاءً للنقاش والجدل والخصام السياسي. ولذا عندما تعلّق أعماله، وتصبح الأوامر والقرارات الصادرة عن سلطة أخرى وإن كانت رئاسة الجمهورية، فإننا لا نعلم كيف اتخذت وأسبابها حيث ندركها فقط عندما تصدر في الرائد الرسمي. وهو ما ينافي تماما مع أبسط قواعد الديمقراطية.

عندما يُقال رئيس الحكومة الذي حصل على ثقة مجلس النواب ويعوضه رئيس الجمهورية في جميع اختصاصاته ومهامه دونما أي مسؤولية أمام أي سلطة كانت فذلك أيضا ضرب لقواعد المساءلة والمحاسبة: أساس النظام الديمقراطي…

عندما يعلن رئيس الجمهورية ترأسه للنيابة العمومية في تجاوز صارخ لمبدأ استقلالية القضاء ولمبادئ الفصل بين السلطات والتوازن بينها ورقابة كل منها على الأخرى.

في ضرب دولة القانون

منذ 25 جويلية، لم نعد نعلم ما هي النصوص القانونية المنطبقة، فالدستور يحضر ويغيب طبقا لأهواء ومصالح رئيس الجمهورية يفعلّه متى شاء ويتهجّم عليه متى أراد…

الأوامر الرئاسية تصدر دونما سند قانوني: في تسمية الوزراء وإقالة الولاة وتسمية غيرهم في مداهمة الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد والاستيلاء على ملفاتها وجعلها تحت رقابة وزارة الداخلية. فما هي النصوص المنطبقة؟ في كل هذه الحالات والوضعيات، لا وجود لنصّ واضح قانوني أو دستوري سوى اللجوء إلى الأمر عدد 50 المؤرخ في 26 جانفي 1978 ذلك الأمر السالب للحريات والذي ضرب كل المعارضين والمختلفين من 1978 إلى الآن في اعتداء فجّ على الدستور وعلى كل الالتزامات الدولية لتونس. هذه المخاطر التي نعيشها منذ شهر وقع تمديدها إلى إشعار آخر.

إلى إشعار آخر…

إن اعتماد الفصل 80 للتمديد إلى ما لا نهاية في التدابير الاستثنائية من شأنه نسف كل أمل في عودة سريعة للسير العادي لدواليب الدولة وللشرعية الدستورية أو القانونية.

إن الوضعية الراهنة خطيرة جدّا ليس فقط على صعيد الحقوق والحريات ولكن أيضا على سير دواليب الدولة ولو في الحالة الاستثنائية. وكلما طال التمديد في الحالة الاستثنائية، كلّما هدّدت مقومات الدولة وكيان الوطن. ولذا فإن أوّل قرار يجب أن يتخذ هو تحديد سقف زمني لهذا الوضع وإعلان التنظيم الذي سيسري على هذه المرحلة على أمل العودة سريعا إلى السير العادي لدواليب الدولة.

شارك رأيك

Your email address will not be published.