الرئيسية » إلى متى مضخمات الصوت في الجوامع… و الجمعة الصاخبة ؟

إلى متى مضخمات الصوت في الجوامع… و الجمعة الصاخبة ؟

هل سنظل إلى الأبد نتحمل الأصوات العالية المنبعثة من مضخمات الصوت التي تستعملها المساجد و الجوامع في كل أوقات النهار و حتى خلال ساعات الفجر ؟ هل يعقل أن نستمر هكذا، في الضجيج و الأصوات العالية و التسجيلات من كل الجهات، تقذف في أذاننا و تعتدي على حياتنا و على صحتنا و تفرغ يومنا من كل طاقة أو جهد أو عمل؟ و نبقى سلبيين أمام الضرر الحاصل لأطفالنا و راحتهم و صحتهم، و دراستهم و توازنهم؟  لأننا كلما تأخرنا في التحرك و إيقاف هذه الفوضى السمعية، إلا و خسرنا أكثر و أصبح الضرر أكبر. و سنرى مستقبلا، قريبا جدا، مدى فظاعة ما ارتكبناه جميعا في حق أنفسنا و في حق أطفالنا و الأجيال القادمة، على مستوى السمع و الذهن و الأعصاب و التكون و التوازن. و لن ينفع عندها لا دين و لا عبادة.

بقلم د. سهام ابن عبيد

أكتب مرة أخرى لانتقد و أشتكي و أنبه من ارتفاع درجات الصوت المستعملة من الجوامع. و أخص بالذكر منها جامع برج زوارة الذي يواصل رفع الآذان بصوت عال جدا و كذلك بث القرآن يوم الجمعة بدرجات صوتية غير معقولة. مما يسبب للمواطنين جميعا الأذى. و رغم كونه أصبح يقلل من استعمال بعض أنواع التسجيلات للآذان و عدم رفع الصوت كثيرا عند الفجر، مثلا، إلا أنه يظل يستعمل درجات صوت عالية جدا في أوقات أخرى و يستعمل أذانا مسجلا طويلا ممططا مزعجا و بصوت عال. كما يواصل استعمال المصدح لبث الصلوات و التلاوات المصاحبة لها، عندما يحلو له، أي تقريبا في كل الأوقات غير الإدارية. و يواصل خاصة بث القرآن، طيلة يوم الجمعة، مطولا و باستعمال المضخمات مسببا أذى و ضررا كبيرين، وسط صمت الأغلبية من السكان. و هذا أيضا خطأ  جسيم و فادح. لأن صحة الإنسان أهم من أي اعتبار أو ممارسة حتى و إن كانت تمت بالعقيدة، خاصة إذا ما كانت غير ملزمة و لا ضرورية و لا مجدية و لا منطقية و لا مقبولة عقلا و علما.

تمظهر و قشور و زيف و شكليات بعيدة عن جوهر العقيدة و الدين

إنني، و في المطلق و بعيدا عن ممارسات هذا الجامع بالذات، أنتقد و بشدة هذه التصرفات و هذه الثقافة التي أرى فيها مظاهر و تمظهر و قشور و زيف و شكليات، و بعيدة عن الجوهر و الروح و الهدف لأن العقيدة صامتة، فهي في القلب و رديفة الروح و العقل و لا فائدة للصراخ من أجل الإصداح بها.

لا ارى شخصيا أي منطق و أي نفع من تعمد بث القرآن أو حتى خطب الجمعة. فمن أراد عبادة فليقصد الجامع. و ليستمع هناك، و بصوت معتدل، منخفض، إلى تلاوة أو درس،  يتم سماعه فقط من مرتادي الجوامع و لا يفرض على الجميع من متساكنين بالجوار، أو حتى بعيدا، و من إدارات و من مدارس و جامعات و مستشفيات و غيرها من أماكن العمل و السكن، و يفرض على غيرها من الأنشطة و على الأشخاص و الجماعات.

إنه نوع من الإجبار و فرض الرأي و الممارسة. و هو إضرار بالغير. و هو أيضا هدر للطاقات و الأذهنة و العقول و الصحة.

الدين لا يفرض على الناس. و لا يجب أن تكون مهمة رجال الدين و نساؤه و أماكن العبادة فرض العبادات على الناس بقوة مضخمات الصوت. هذا لا يخدم الدين في شيء و خاصة لا يخدم حياتنا في شيء أن نتعرض كل يوم  جمعة لساعات من الأصوات العالية المتغالية من هنا و هناك، تضربنا بقوة، تسبب لنا الآلام و الصداع و القلق و انعدام الراحة و التعب الجسدي و العصبي و الهيجان و فقدان القدرة على العمل أو التركيز أو القيام بأي نشاط. إذ تصبح أي ممارسة أخرى مستحيلة و المحاولة ضرب من العبث و إهدار الطاقة.

إن هذه الثقافة المكرسة لممارسات مفرغة من أي معنى و أي جدوى، التي تركزت في بلادنا و نمتها ضعف المستويات العلمية و الأكاديمية و كذلك مستويات الوعي و الثقافة و التكون المتعدد، لدى المسؤولين عن الشأن الديني و أيضا القائمين به على الميدان.

ممارسات هي عنوان التسلط و الجبروت و الدكتاتورية و فرض لأمر الواقع

إنني شخصيا أصبحت أمقت هذا اليوم، الجمعة. و أمقت كل وقت صلاة و كل وقت آذان يقع الإعلان عنه بقوة مضخمات الصوت. و أمقت هذه الجوامع الكثيرة الضاجة. أصبحت كلها عنوان التسلط و الجبروت و الدكتاتورية و فرض الرأي و الممارسة و الأمر الواقع. و عدم الاستماع للرأي المخالف و للغة العقل و العلم و التحليل و التساؤل. و عنوان التعنت و الاستمرار في الأمر السيء الضار السلبي و في ممارسات عقيمة و عقلية متخلفة. و عدم الرجوع عنها حتى بعد أن يطلب ذلك بإلحاح و يقع التنبيه إليها. في نوع من السادية  المختلطة بالجهل. و عنوان تدين و تعبد “المظاهر”، لا يضع الإنسان في الاهتمام الأول و في الصدارة و في المركز. همها الممارسة نفسها و ليس الفائدة منها و لا مدى نفعها للبشر أو مضرتها. دين و تدين تحولا إلى مرتبة الممارسات الاجتماعية الجماعية، المفرغة من أي محتوى ديني حقيقي. بل هي أدوار اجتماعية و موازين قوى و سلطة سياسية، و مناسبات لقضاء مصالح و شؤون، و تمعش من مزايا و وضعيات مريحة، لا غير…

ذو هذه كلها أنتجت هذا المجتمع المتعب المنهك الضعيف السلبي المتباعد المتكاره المنفصم المنافق. مثلا، جموع غفيرة نراها تتسابق نحو الجوامع للدخول، خاصة أيام الجمعة، ليس أغلبها، لا هم لها إلا أن يراها الجميع و أن تتباهى ب”صلاتها” و “جمعتها” و… هي في طريقها، لا تكترث بذلك البائس المشرد و ذاك المريض و ذاك الجائع. و لا بتلك الحالة المورية للشوارع و الأنهج و الأحياء و الأرصفة، من أوساخ و قذارات و لا لكل من يعطل سير الناس و من يغلق المنافذ و من يفتك المعبد، الخ.

مظهر من مظاهر التدجين و التدين الفارغ الكاذب

أليست هذه مظاهر التدجين و التدين الفارغ الكاذب ؟ أليست هذه قشور الدين و مظاهره التي تصل إلى حد السلبية و المضرة، تماما. بينما نبتعد عن الروح و المعاني الحقيقية و عن الإنسانية. وهي أهم و أكبر من الدين و التدين.

ألا يكون الدين و العبادة بلا بهرج و ضوضاء و مظاهر و فوضى ؟ ألم يعد يكفي أن يقصد الفرد الجامع بهدوء متى شاء عبادة، و أن يجلس و يقرأ هو ذاته، كتابا، إن استطاع، أو ان يستمع لتلاوة شخص ما، إمام أو غيره، بصوت عادي معتدل و هادئ ؟ ألم يعد الصوت الإنساني و الجهد الفردي الخاص، و العبادة في نطاق فردي، شخصي، برغبة ذاتية و بنية لذلك، ألم تعد كافية ليتم دينكم و عباداتكم؟ أيجب إجبار الجميع، أيجب رفع الاصوات و الدرجات من الديسيبال؟ أيجب أن تشتغل المضخمات و تصبح الأحياء جميعها، غليانا متواصلا و ضوضاء فوق المطاق و المحتمل، لتشعروا أنكم مارستم عبادة و تقربتم إلى الله و أنه رضي عنكم و أنكم راضون عن أنفسكم ؟ ألا يكتمل دينكم و لا تكتمل عباداتكم إذا ما لم تضخموا و تكبروا الأصوات و تتمظهروا و تحدثوا الجلبة و الضجة و إذا ما فرضتم الشيء و الصوت و المشاركة (السلبية) على غيركم، غير عابئين به و برغبته و حاجته و خصوصيته و اختلافه، إلخ ؟! 

ألا تتساءلون، كيف كان الدين إذن و العبادة قبل المضخمات؟ و قبل المصادح؟ و قبل مكيفات الهواء و الراحة و الفخامة، على حساب جميع المواطنين و دافعي الضرائب و على حساب الأولويات الأخرى مثل الصحة و التعليم التي تركت جانبا ؟ أي اننا ندفع ضرائب، لتبنى جوامع، لتوضع مضخمات فوق رؤوسنا، لتتضرر أسماعنا و أعصابنا لتتدهور حياتنا و حياة أطفالنا و مستقبلهم… و ليس لنا أن نقول لا و أن نمنع هذا الأذى. لأن البعض يرى نفسه ربما خليفة الله هنا؟

أترون أننا في الألفية الثانية و في ال2021، نحتاج المضخمات و المصادح، لنعرف ميقات صلاة أو غيره ؟! أم إنها من باب فرض الشيء و التسلط و معركة القوة و إبرازها و احتلال فضاء و استقواء، لا أكثر ! و رمي عرض الحائط بالمنطق و العقل و الصح و السليم و المجدي ؟ذ

هل يعقل أن نستمر هكذا، و أن نخسر يوما من أيام الأسبوع، في الضجيج و الأصوات العالية و التسجيلات من كل الجهات، تقذف في أذاننا و تعتدي على حياتنا و على صحتنا و تفرغ يومنا من كل طاقة أو جهد أو عمل ؟ و أن نبقى سلبيين أمام الضرر الحاصل لأطفالنا و راحتهم و صحتهم، و دراستهم و توازنهم؟  لأننا كلما تأخرنا في التحرك و إيقاف هذه الفوضى السمعية، إلا و خسرنا أكثر و أصبح الضرر أكبر. و سنرى مستقبلا، قريبا جدا، مدى فظاعة ما ارتكبناه جميعا في حق أنفسنا و في حق أطفالنا و الأجيال القادمة، على مستوى السمع و الذهن و الأعصاب و التكون و التوازن. و لن ينفع عندها لا دين و لا عبادة.

فلننظر إلى العالم حولنا، إن هذه الممارسات و هذه القشور و الزيف أصبحت تميزنا، نحن المسلمون و العرب. لا نرى في بقية العالم مثل هكذا فوضى و مثل هكذا تعدي على الغير، لا من حيث الحرية و الحرية الدينية و لا من حيث الصحة و الحق فيها. أننا اصبحنا نتميز، اذن، بالتخلف و بالغباء و بالبعد عن المنطق و العقل و التشبث بالتفاهات و الممارسات الضارة.

من يريد دينا، لا يسمح أن تدمر عبادته حياة الآخرين و صحتهم. من يريد عبادة، لا يفرض على الغير تلك الأصوات و لا يقصف الأسماع عمدا و تعمدا. من يريد عبادة، لا يجب أن يقبل أن نضر بصغير أو رضيع أو طفل بمدرسته أو طالب علم بجامعته أو مريض بمستشفى أو بمواطن لا يقبل سمعه هذه الأصوات و هذه الأبواق. إنه زيف الأشياء. إنهم جميعا يؤدون أدوارا في مسرحيات. و ما أبعدهم عن الدين و ما أبعدهم عن الإنسانية.

شارك رأيك

Your email address will not be published.