الرئيسية » فيصل حمدي يكتب عن أستاذه سابقا محمد البديري، الأستاذ الذي رماه تلميذه بملابس داخلية للنساء في حرم القسم

فيصل حمدي يكتب عن أستاذه سابقا محمد البديري، الأستاذ الذي رماه تلميذه بملابس داخلية للنساء في حرم القسم

على اثر تداول الفيديو الفضيحة الاسبوع الماضي على خلفية رمي تلميذ في معهد خاص بحي النصر، نشر الموظف في دار الكتب الوطنية فيصل حمدي تدوينة فايسبوكية جاء فيها ما يلي:

“أستاذي محمد البديري؛ هل تعرفون الرجل ؟
كان يوما سيئا ككثير من الأيام. لكنني لم أكن أظن أنه أسوؤها حتى انطلقت تلك المحاورة بيني وذلك الصديق زميل الدراسة القديم :

هل شاهدت فيديو الأستاذ ؟

أجل… القرف المعتاد.

هل عرفت من هو ؟
كان هذا السؤال الأخير يعني أنني أعرفه بالفعل. عدت سريعا إلى الفيديو لأتثبت من الرجل ضحية الحادثة المتداولة. كان هو. مسيو البديري أستاذي في السنوات الثلاث الأولى من تعليمي الثانوي (نظام قديم) في أوائل التسعينات من القرن الماضي. إنه أستاذي الذي طبع شخصيتي وتكويني بطابع لم تمحه السنوات القاسية التي عشتها بعده !
لم يكن أمامي في مواجهة الصورة المؤلمة ودفق الذكريات العنيف من خيار سوى الإنكار أو البكاء.
شعرت بحالة من الاختناق. لم أكن قادرا على التنفس ففتحت نافذة المكتب. إنه هو !

أنت لست ديمقراطيا. عليك الاعتراف بذلك.
ترك مكتبه واندفع نحوي، أنا ذلك التلميذ العنيد النحيل الذي لا يخشى أحدا.

كيف تجرؤ…وهل تعرف أنت معنى الديمقراطية ؟
وعالجني بصفعة ألهمتني الجواب على سؤاله الساخر.

نعم أعرف. إنه حقي في أن تستمع إلي دون أن تعنفني.
وقف في مكانه ينظر إلى عيني اللتين لم تتحول نظراتهما عنه في تحد تسلل منه الإعجاب به إلى نفسه.

أنت عنيد. لكنك سوف تدفع الثمن.
في السنتين الدراسيتين المواليتين كنت أحرص على أن أكون من بين تلاميذه في الفصل الذي يدرسه. كنت أستعمل نفوذ التلميذ المتفوق لدى إدارة المعهد لنقلتي (نعم. كان للتلاميذ المتميزين، لا أبناء الأثرياء منهم،نفوذ لا يرد) معه لأحظى بدروسه التي كانت عبارة عن محاورات أثينية أدهشت متفقديه.
كنت تلميذه المميز الذي لا يكف عن النقاش والاعتراض حتى على طريقة إلقاء قصيدة لهوغو أو بودلير.
وكان ذلك الأستاذ الذي يملك بيداغوجيته الخاصة في تدريس لغة يتقنها أكثر من أبنائهاالأصليين ويؤلف فيها.
في أيام السبت كان يتحمل عبء الحضور لتنشيط نادي الأدب الذي بعثه من أجلنا. وكانت مسابقات الكتابة القصصية وكنت الفائز فيها بجوائز الكتب التي يقتنيها من ماله الخاص.
مازالت هداياك لدي يا مسيو البدير ومازلت أحلم بمكتبة خاصة كمكتبتك التي حدثتنا عنها بكتبها التي لا تحصى.
افترقنا والتقينا بعد سنوات عشر. وجدته مصادفة غارقا بين أكداس الكتب القديمة في نهج روسيا.

أمازلت حيا !؟

أحاول…لكن الثمن كان باهظا.

أجل. لقد كان عليك أن تدفع فاتورة جيلك كاملة. ولكن لا تيأس.
مضت ثلاثون مذ عرفتك يا مسيو البديري. حاولت فيها كثيرا أن أنجو. لكن صورة البارحة دمرتني تماما. لم تنقذني الديمقراطية ولا الديمقراطيون. أنا اليوم أعمل في أكبر مكتبة في البلاد، بين آلاف الكتب. بكل ذلك العناد الذي تعرف وتلك الدهشة التي تتملكني أمام العالم المهمل.
أنا مشتاق إلى رؤيتك كثيرا يا معلمي العظيم.ربما هو ذلك الشوق الذي يمنعني من السقوط الآن وأنا أجول في شوارع العاصمة تائها بعد أن شاهدت تلك الحادثة. لماذا علي أن أدفع الثمن دائما؟
“أيوب صاح ملء السماء…لا تجعلوني عبرة مرتين” (م. درويش)
سامحني يا سيدي، سامحني…كنت أتمنى أن أكون مكانك وأتلقى عوضا عنك ما لقيت…لن يقتلني ما سيفعله بي ذلك “التلميذ” الذي لا يعرفك كما أعرفك، فأنا لست يائسا كما قلت، ولكنني، اليوم، ميت بالفعل.
تلميذك : فيصل حمدي
الصورتان : أستاذي محمد البديري + كتاب هدية منه منذ ثلاثين عاما”.

شارك رأيك

Your email address will not be published.