بين تعدد زيارات السفير الفرنسي أندري باران إلى الفاعلين السياسيين في تونس و مناورات معارضي الرئيس قيس سعيد لإعادة البرلمان المجمد و ردود الفعل المنتظرة لهذا الأخير من أجل منع أية محاولة للعودة إلى ما قبل الاجراءات الاستثنائية المعلنة في 25 جويلية الماضي، يبدو أن شتاء تونس سيكون كعادته ساخنا هذا العام أيضا…
بقلم توفيق زعفوري *
من الضروري الانتباه إلى أمرين على درجة كبيرة من الأهمية: الأول هو زيارات السفير الفرنسي أندري باران إلى مقر بعض الأحزاب السياسية في تونس و كأن الأمر يتعلق بترتيب لحدث سياسي و إذا ربطنا هذه الزيارات مع ما قاله راشد الغنوشي منذ يومين بكل ثقة بأن البرلمان عائد “أحب من أحب و كره من كره”، و نضيف إليه زيارة بعض النواب إلى البرلمان الأوروبي و الضغط في اتجاه إعادة الروح للبرلمان في تونس، فإننا نخلص إلى ما يلي : يبدو السفير الفرنسي و كأنه قائم بمهمة وساطة بين الفرقاء في تونس، و يريد جسر الهوة بين بعض مكونات المشهد السياسي و تقريب وجهات النظر بالاستعانة بالاتحاد التونسي للشغل الذي زاره أيضا مؤخرا…
ثانيا: إذا كانت هذه التحركات في اتجاه إعادة مجرى “الديمقراطية” المغشوشة إلى مساره الطبيعي فإن الرئيس قيس سعيد استبق كالعادة أو ضرب بقوته القانونية المعهودة و اجتمع أمس الإثنين 29 نوفمبر 2021 مع العميد السابق للقانون الدستوري الصادق بلعيد و أستاذ القانون الدستوري أمين محفوظ و هدد باللجوء إلى إصدار مراسيم إذا لم تطبق أحكام محكمة دائرة المحاسبات على تجاوزات الانتخابات التشريعية و البرلمانية لسنة 2019، بما يعني أنه لا بد من ترتيب الآثار القانونية على القائمات الفائزة خاصة بعدما ثبت لدى المحكمة أنها (أي أحزاب النهضة و قلب تونس) قد تحصلت على تمويل أجنبي ما يسمح آليا بإسقاطها، قائمات و نواب، و المحصّلة هو أن يكون البرلمان من الماضي أي يقع حلّه بالقانون.
ما زالت لدى الرئيس أوراق كثيرة يلعبها
الرئيس هنا يسحب البساط من تحت أقدام مناوئيه من هذه الأحزاب بقوة القانون و بالتالي ينزع عنهم أي شرعية في أي تحرك في المستقبل فُرادى أو أحزابا و هو بهذا يتماهى مع مطالب أغلب التونسيين في ضرورة حل البرلمان بالطرق القانونية و ما يعاب عليه هو هذا التباطؤ في التنفيذ حتى جعل مناصريه يتناقصون و خصومه ينتفضون من جديد…
الرئيس سعيد و كأنه يقول لهم: “يمكرون و يمكر الله، و الله خير الماكرين” أنتم تتصلون ببرلمانات الخارج و توفدون السفراء الأجانب و نحن نستعين بأبناء تونس من أهل الذكر و نعمل بالقانون و ليس بغيره و تطبيقه يقع على أهل القضاء و إن لم يفعل فسنتحمل مسؤوليتنا في ذلك، و هو جاهز لإصدار المراسيم و لعلّها جاهزة أصلا بما يعني أن الأيام القادمة و حتى قبل الاحتفال بالذكرى الحادية عشر لاندلاع الثورة في 17 ديسمبر (أو 14 جانفي) ستكون هناك إجراءات أخرى تتبع حملة الإقالات و التعيينات الجديدة.
ما زالت لدى الرئيس أوراق كثيرة يلعبها في ضل حديث عن محاولة اغتيال و ترتيب لانقلاب على الرئيس و محاولة تشكل تحالف بين الأحزاب و ربما تحالف بين اتحاد الشغل و النهضة وهي على خطورتها فإنها تمثل بداية تشكل جبهة قوية ضد الرئيس و لكن هذه المرة بشكل منظم أي من خلال تحالف أحزاب و ليس فقط تحركات شعبية ظرفية كالتي يتزعمها جوهر بن مبارك التي من الممكن أن تلتحق بمكونات الأحزاب الرافضة لتوجهات الرئيس مع استبعاد تحالف اتحاد الشغل مع النهضة نظرا للتباعد الايديولوجي بينهما و نظرا لما حدث من تصادم ذات 4 ديسمبر 2012.
يبقى الشتاء ساخنا كعادته في تونس و هو كذلك منذ عشر سنوات و شتاؤهم هذا العام هو الأخير قبل الربيع الآتي…
* محلل سياسي.
شارك رأيك