في التدوينة التالية يرى الكاتب أن نية الرئيس قيس سعيد المعلنة بإسقاط قوائم انتخابية لبعض الأحزاب بمجرد مرسوم رئاسي لأن القضاء لم يقم بذلك بشكل تلقائي و ذلك تنفيذا لقرار بضرورة إسقاط هذه القوائم أصدرته محكمة المحاسبات يمكن أن يعد تعد على اختصاص القضاء الإداري وحقوق المتقاضين.
بقلم المبروك كرشيد *
هل دخلنا مرحلة الدعس والعفس على القوانين؟ أثار رئيس الجمهورية أول أمس الإثنين 29 نوفمبر 2021 عند لقائه أستاذين جامعين يدرسان القانون الدستوري مسالة التمويل الأجنبي للمرشحين للبرلمان، مكررا أن محكمة المحاسبات انتهت إلى ثبوت التمويل الأجنبي لبعض القوائم والأحزاب الفائزة فى انتخابات التشريعية 2019، بتقرير محكمة المحاسبات المنشور بالرائد الرسمى التونسي، ولكن القضاء لم يرتب النتائج على ذلك الأمر الذي يمثل جريمة انتخابية إلى الآن، وهو ما استوجبه القانون الانتخابي وخاصة أحكام الفصل 163منه، الذى يفرض إسقاط القائمة برمتها وحرمانها من الترشح فى الانتخابات القادمة. إذ نصت أحكام الفصل المذكور (مع مراعاة مقتضيات الفصل 80) إذا ثبت لمحكمة المحاسبات أن المترشح أو القائمة قد تحصلت على تمويل أجنبي لحملتها الانتخابية فإنّها تحكم بإلزامها بدفع خطية مالية تتراوح بين عشرة أضعاف وخمسين ضعفاً لمقدار قيمة التمويل الأجنبي. ويفقد أعضاء القائمة المتمتعة بالتمويل الأجنبي عضويتهم بمجلس نواب الشعب ويعاقب المترشح لرئاسة الجمهورية المتمتّع بالتمويل الأجنبي بالسجن لمدة خمس سنوات.
المشرع لم يحدد قضائية مختصة فى القول بإسقاط القوائم الانتخابية
ان تطبيق هذا النص، الذي يجب أن نقر مرة أخري أنه سيئ الصياغة من حيث اختصاص الجهة القضائية بالتعهد وكذلك تسقيف النظر فى الطعون أن كان نتيجتها الإسقاط من العضوية يجعل من المنطقى والطبيعى ألا يكون العقاب خارج الآجال المعقولة له. وهو الأمر الذي ما فتئ يكرره رئيس الجمهورية ويعتبر ان البطء متعمد لتفويت الآجال بما يجعلها غير ذي موضوع.
نعود الى أحكام هذا النص الغريب الصياغة كما قلت وكيفة معالجة نواقصه وما يثيره تبعا لذلك من ملحوظات:
أولا: فى خصوص مسألة الاختصاص بالتعهد بإسقاط القائمة والحكم عليها بالحرمان من الترشح فى الانتخابات القادمة، فإن المشرع لم يقل من هي الجهة القضائية المختصة بالنظر أو عن أي جهة يصدر القرار بالإسقاط من عضوية البرلمان وأين يقع الطعن في ذلك القرار. ويثار فى هذا السياق وبصفة أولية فى خصوص القوائم الحزبية إن كان المقصود من أحكام الفصل 163 المذكور ان الجزاء بالإسقاط يكون مسلطا على الحزب بالدائرة الانتخابية أو بكل الدوائر أو أن المنع سيتم على الأفراد المترشحين أو على ترشح الحزب فى حد ذاته.
الراي الأغلب هو أن يكون المنع مسلطا على الحزب بكل مواقع ترشحه وليس فقط على بعض أفراده إن تعلق الأمر بتمويل للحزب فى حد ذاته اما إذا تعلق الأمر بتمويل إحدى القوائم الحزبية أو الفردية تكون العقوبة محدودة فى تلك القائمة وإن كانت مرتبطة ومنصهرة ضمن حزب.
إعمالا لقاعدة شخصية الجريمة والعقاب. اذا لم يحدد المشرع أي جهة قضائية مختصة صراحة فى القول بإسقاط القائمة. غير أن الاختصاص العام فى إسقاط القوائم الانتخابية يعود إلى المحكمة الإدارية وليس إلى محكمة المحاسبات أو إلى محاكم الحق العام بعد صدور القرار القضائي بثبوت التمويل الأجنبي .
القرار الإداري القاضي بإسقاط القائمة بثبوت التمويل الأجنبي يكون مبنيا على تقرير محكمة المحاسبات بعد صدور تقريرها فى ظرف الستة أشهر كما يوجب القانون، وذلك هو الأرجح فى ظل غياب نص صريح يسند الاختصاص للهيئة أسوة بأنها الجهة المصدرة للقرار النهائي بقبول وثبات الترشح ثم بتزكيتها نتيجة الانتخابات وإصدار القائمة النهائية للفائزين وإشهارها طبق القانون.
تعد على اختصاص القضاء وحقوق المتقاضين
كان يفترض أن يتولى المشرع تحديد أجل قدره فى أقصى الأحوال شهرا من تاريخ إشهار تقرير دائرة المحاسبات لقرارها فى ثبوت وجود التمويل الأجنبي لتتولى الهيئة من جديد إعداد قائمة جديدة للفائزين وإيقاف من وجب إسقاطه عن مباشرة العمل النيابي وتعويضه بغيره فى القائمة. وينفذ هذا القرار فور صدوره ولا يوقف تنفيذه إلا بقرار صريح من الرئيس الأول للمحكمة الإدارية فى أجل قصير لا يتعدى الأجل الممنوح لأداء اليمين للنائب المعوض.
إذا الأمر معقد من الجهة الإجرائية و الفصل 163 أعطى أحكام مطلقة وبدون أجل للبت فى هذا المانع القانوني من ممارسة العمل النيابى.
اليوم بات الأمر بيد رئيس الجمهورية بمقتضي أحكام الأمر عدد 117 المنظم للسلط العمومية فى حالة الاستثناء ، وبغض النظر على شرعية هذا الأمر والمشروعية التى دعت إليه، فإن لرئيس الجمهورية بمقتضى المراسيم أن يقوم حاليا بتعديل أحكام الفصل 163 من القانون الانتخابي إما بالإقحام المباشر فيه أو بنص مستقل يحدد من خلاله الاختصاص فى الحكم بسقوط القائمة وطرق الطعن فيه وآجال دخوله حيز التنفيذ.
أعتقد أن مقصود رئيس الجمهورية هو هذا من خلال قوله بإمكانية التدخل بالمراسيم فى تصريحه أمام العميد الصادق بلعيد والأستاذ امين محفوظ فإن كان غير ذلك وقصد إلى إصدار مراسيم بالإلغاء المباشر لبعض القوائم ولعضوية بعض النواب فإن الأمر تعد على اختصاص القضاء وحقوق المتقاضين إذ لا يجوز الطعن فى المراسيم.
لا من حيث القانون ولا من حيث الإجراءات فى ظل غياب محكمة دستورية إقحام المراسيم فى إسقاط القوائم التشريعية بصفة مباشرة سيكون خطأ جسيما يضاف إلى أخطاء أخري كلها ستكون مادة للتأكيد على أخطاء الرئيس الكبري الماسة من الحريات العامة والخاصة.
* محام ونائب لم يصعد بتمويل أجنبي.
شارك رأيك