الرئيسية » تونس بعد 11 سنة منذ ‘البيغ بانغ”!

تونس بعد 11 سنة منذ ‘البيغ بانغ”!

الوضع في تونس اليوم صعب جدا. ليس هنالك حلولا سحرية… الشعب هو الذي سيدفع… وسيضحي… من جديد… و لكن ما أخذ بغير حق البارحة يرجع اليوم طوعا أو كرها… تلك سنة الحياة… و علي الطبقة السياسية أن تكف عن التهور… وأن تضع مصلحة البلاد فوق كل اعتبار… وأن تكف عن تمثيلياتها وخزعبلاتها… كما انه على الرئيس قيس سعيد التخلي نهائيا عن الأفكار الطوباوية: الحكم القاعدي والشعب يريد و ما إلى ذلك من الشعبويات التي لا تفيد الشعب في شيء!

بقلم رؤوف الشطي *

1- رئيس الجمهورية والأحزاب السياسية:

لا يستطيع أي شخص الطعن في طهارة الرئيس قيس سعيد الشخصية وفي صراحته وصفاء سريرته و نواياه الحسنة … هذه الصفات وإن كانت لا تتماشي مع عالم السياسة المتقلب والانتهازي والوضيع، جعلت منه شخصية فريدة أقضت مضجع محترفي السياسة وقلبت كل الموازين عندهم و اسهمت في إرباك مخططاتهم وجعلتهم حيارى دونه عاجزين عن فهمه…

وقد أظهر اليوم بعد سنتين ونيف من صعوده إلى الحكم وفاءه إلى نفسه و افكاره ويبدو ان اطلاعه علي أحوال العباد والبلاد زاده قناعة في رداءة وانتهازية وفساد الطبقة الحاكمة في البلاد قبل إعلانه عن إجراءات 25 جويلية الاستثنائية و في المعارضة أيضا… و تأكد له ذلك بعد ان انقلبت عليه منذ شهرين بعد أن أيدت دعمها لإجراءات 25 جويلية، وبالخصوص بعد ان قال فيها صراحة انها كانت طامعة في مناصب هامة في الدولة ولم يستجب اليها….

2- أحزاب المعارضة والنقابة:

قبل قرارات 25 جويلية التاريخيه لم يكن أي من محترفي السياسة لا من الإسلاماوين ولا اليسراوين ولا النقباوين يأخذ الرئيس على محمل الجد لأن صراحته و مداخلاته المتكررة علنا في المجالس الرسمية في القصر وخارج القصر حول مقاومة ودحر الفساد والمفسدين أصبحت من الروتين لا تلفت الانتباه خصوصا وأن الفسدة في كل الميادين أصبحوا الناطقين الفاطقين في البلاد دون أن تستطيع الدولة إزعاجهم….

الأحوال تغيرت تماما في الأشهر الأولي التي تلت 25 جويلية حيث أصبح الرئيس لدي طيف كبير من المعارضة الزعيم المنقذ وحتى لدي البعض من قادة النهضة وشيخهم الذين حاولوا كل شيء لمهادنته علي طرقهم المعتادة التي دأبوا علبها مع الباجي قايد السبسي، ويوسف الشاهد و هشام المشيشي، لكن دون جدوي مع الرئيس قيس سعيد…

منذ شهرين… عندما تأكدت المعارضة بكل أطيافها أن الرئيس لن يتغير وانه فهم خزعبلاتها وتكتيكاتها وان طرق عمله لن تتبدل وانه لا فائدة من اللهث وراءه بعد مهادنته، انقلبت عليه بسرعة رهيبة ونعتته بكل النعوت الوضيعة، ليس دفاعا عن مصالح البلاد والعباد بل حبا في مصالحها و في الجاه والسلطة والظهور والبروز…

فعلا أمرهم غريب… هم يطبقون الكوجيتو “أنا فاشل إذن أنا موجود وسأظل موجودا رغم كل شيء”! حكموا البلاد طيلة 11 سنة و أظهروا عجزهم التام عن تغيير أي شيء في الطريق الإيجابي… عجزوا عن إدارة البلاد والعباد، جهلهم السياسي وضغينتهم وغباءهم قادوا البلاد إلى الهاوية، لم تكن لهم لا رؤى، ولا مخططات، ولا برامج، كان همهم الأوحد السلطة والأبهة والإثراء علي حساب الشعب… عاثوا فسادا في مقدرات البلاد (أكثر من 100000 مليار قروض من الخارج!)… نتاwجهم الكارثية يعيشها 80% من الشعب يوميا: الفقر والخصاصة وقلة ذات اليد أصبحوا ملازمين لملايين التونسين…

وبالرغم من هذه النتائج الكارثية التي ستمتد مضاعفاتها عشرات السنين تواصل هذه الطبقة شطحاتها مستغلة تعفن الأوضاع ومستعملة كعادتها باتيندة “حقوق الإنسان” كما اشتغلت عليها قبل 14 جانفي 2011 للصعود إلى الحكم… غير عابئة بمدى خطورة تصرفاتها علي البلاد والعباد…

عليها أن تفهم بصفة نهائية أن المسرحية الثورجية هي العبث بعينه… النتائج تؤكد ذلك… مواصلة العبث واستبلاه الشعب لن يزيد إلا في تردي الآوضاع… الإضرابات، عشرات آلاف الاضطرابات أسهمت في مزيد إغراق الباخرة وسوف تغرقها بصفة أعمق وأعمق.. عليها آن تثوب إلى رشدها وتعلم أنها اليوم المشكل، نعم المشكل وليس الحل…

3 – البرلمان :

أعظم شيء يحسب لرئيس الجمهورية هو أنه خلص تونس من البرلمان… الذي نعته عبد الفتاح مورو بنفسه عندما كان النائب الأول لمحمد الناصر…. بالكاركوز…. فما بالك في العهد الذي جاء بعده! حتى أصبخت البلاد فرجة في العالم بفضل برلمانها!

4- الإعلام :

يشطح علي طار بوفلس… يجري وراء الأحداث، يساهم في صنع الأحداث، يؤجج الأحداث كل حسب أجندته وأهداف مموليه، وبصفة عامة هو حبيس المتناقضات والمصالح إلى الحد الذي أصبح فيه خطيرا ومبتذلا ولم تعد أي جهة جدية تعيره أي اهتمام… أصبح البوز والإشهار والرداءة والمال… يكرر نفسه دون جدوى : صياح وعويل ونقد على المقاس…

5 – الحكومة والإدارة:

كان الله في عونها… مهمتها اليوم شبه مستحيلة… هي تعمل على ترميم كأس بلور تكسر وتحاول قصارى جهدها أن تطفىء الحرائق الملتهبة في كل مكان بفضل السياسات الخاطئة بل الشعبوية والإجرامية التي طبقتها الحكومات السابقة (الشاهد و المشيشي بالخصوص) عن حسن نية وسوء نية تحت سلطان وجلمود حزب النهضة الإسلاموي ومشتقاته ومطلبية النقابوات وما كلفاه جميعا من خسائر فادحة لمناعة البلاد و لاقتصادها وكذلك لصورتها في الخارج …

6- الشعب:

السواد الأعظم منه، الطبقة الوسطي عماد المجتمع تكاد تكون اندثرت فيما تدحرجت الطبقة الشعبية إلى الحضيض.

السواد الأعظم من الشعب، أي زهاء 70% أصبخ يكابد الحياة ليعيش ولتلبية حاجاته اليومية والحياتية أمام الغلاء الفاحش للمعيشة (مصاريف السكن، الأكل، الشرب، الإنارة، التنقل، الدراسة، الصحة…)… حيث أصبح الشعب لا يكون على شيء ولا يعير اهتماما لأي شيء ويفعل كل شيء لتأمين حياته!

7- ماذا بخصوص الحلول ؟

ليس هنالك حلولا سحرية… ما أخذته بغير حق البارحة ترجعه اليوم طوعا أو كرها… تلك سنة الحياة…

الشعب هو الذي سيدفع… وسيضحي… من جديد…

علي الطبقة السياسية أن تكف عن التهور… وأن تضع مصلحة البلاد فوق كل اعتبار… وأن تكف عن تمثيلياتها وخزعبلاتها…

وأن تترك الحكومة تعمل ويعينها لعلها تتوفق في إصلاح ما تم تحطيمه… وإفساده…. وعلي الشعب أن يقف في صف الحكومة… كما انه علي الرئيس التخلي نهائيا عن الأفكار الطوباوية: الحكم القاعدي والشعب يريد! ويفهم أن تونس اليوم بعد العشرية السوداء ليست في خانة أن تصبح مخبرا لأي تجارب مهما كان نوعها… وانها في حاجة إلى العقل والحكمة والمنهج والتخطيط القويم لتحقيق ما تصور إليه من تنمية متوازنه في ظل مجتمع ديمقراطي أساسه العدالة الاجتماعية والنظام والحرية…

* سفير سابق.

شارك رأيك

Your email address will not be published.