الرئيسية » في خضم الأزمة الخانقة، تونس إلى أين ؟

في خضم الأزمة الخانقة، تونس إلى أين ؟

ما من شك أن  الفترة التي تعيشها تونس منذ سنة 2011 تعد من أعقد وأصعب وأعسر الفترات التي عرفتها منذ ما يزيد عن مائة سنة بما فيها الحقبة التي امتدت من 1956 منذ الاستقلال إلى نهاية 2010، أي ما يناهز ال54 سنة…

بقلم رؤوف الشطي *

فقد شهدت تونس منذ مطلع جانفي 2011 تطور و تحول الانتفاضة الكبرى التي انطلقت تدريجيا من وسط البلاد في ديسمبر 2010 تحت يافطة الحرية والكرامة والشغل إلى ثورة عارمة وصامتة وصاخبة في آن واحد لا زالت متواصلة، انقلبت فيها جميع الموازين   في كل الميادين وسيطرت عليها الفوضي والحساسيات والأحقاد والشيء ونقيضه إلى الحد الذي أصبح فيها كل شيء مباحا… بعد أن  تآكلت كل المنظومات القيمية المعروفة وبرزت مؤسسات (لازالت تبحث عن نفسها) و أشياء خطيرة وأنماط سلوكية رديئة أساسها  الأنانية المفرطة وعدم الثقة في الآخر والبحث بكل الطرق عن الجاه والمال والشهرة مهما كان الثمن.. حتى وإن كلف ذلك دوس المعارض… فالأهم بالنسبة للفاعلين البقاء في المشهد كلفهم ذلك ما كلفهم…

الأحزاب و عربدة الضوضاء

هذا ماعاشته البلاد ولا تزال في أجواء محمومة اختلط فيها الحابل بالنابل وسادت فيها عربدة الضوضاء في أجواء كان الشعب حطبها، و كانت ولا تزال الأحزاب/الاخراب السياسية والنقابة النقابة مقودها… مرادها الأسمي الوصول إلى الحكم… والتشبث به، أكثر مما هو النهوض بالبلاد وبالعباد… والعمل على بناء تنميتها وصون مناعتها…

ولئن كان الحراك الثوري أو بالأحرى الثورجي الذي انطلق منذ 11 سنة في كل الاتجاهات ومن كل المشارب الفكرية والايديولوجية  يؤكد تمسكه بقيم الحرية وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية ودولة القانون والمؤسسات، فإن ما حصل في البلاد هو العكس تماما بعد  انتشار الفوضي وتوسعها واستشراء الفقر  والمرض والجهل والظلم  والتسيب وسيطرة اللوبيات والمافيات وتراجع التنمية تراجعا مخيفا في كل الميادين مما حدى ببعض علماء الاجتماع والنفس القول بأن البلاد بصدد الانتقام من نفسها بعد أن حكمت على نفسها بالاستقرار المقيت في هذه المنزلة الدونية و بالتلذذ بها في انتظار أن تثور من جديد وتثوب تدريجيا إلى رشدها وتجد توازنها وتعيد بناء استقرارها على أسس علمية واجتماعية معقولة وصلبة.

كيف الخروج من أتون هذا المأزق ؟

والسؤال الآن هو كيف الخروج من أتون هذا المأزق الذي تردت فيه البلاد ولا زالت؟ الأمر ليس سهلا البتة… لكنه يبقي ممكنا إذا ما توفرت النوايا الصادقة والعزم لدى الجميع : و هذا لن يتم حسب رأيي إلا إذا:

1- ما ثابت الأحزاب السياسية و المركزية النقابية إلى رشدها واعترفت بصراحة لا لبس فيها بما اقترفته من أخطاء فادحة وقطعت نهائيا مع  الشعبوية… والهروب إلى الأمام وصارحت الشعب بالحقائق، بكل الحقائق… ودعت الشعب بقوة إلى الانكباب علي العمل والجهد والبناء والقطع نهائيا مع عقلية المطالبتية المشطة و التسيب والكسل والانتهازية… والاستعداد لتقديم مزيد من التضحيات  لإنقاذ السفينة من الغرق المحتوم … خصوصا وانه ليس لنا من خيار وعلى الجميع أن يعي الدرس علما أنه ليس لنا اليوم من داعم أفضل من أنفسنا…

2- إذا ما تراجعت السلطات الرسمية الماسكة اليوم بكل شؤون الدولة بصفة واضحة وعلنية عن المشاريع السياسية الطوباوية (الحكم القاعدي، الشعب يريد، الديمقراطية المباشرة…) التي مافتئت تسوق لها و التزمت بتحديد أسس صلبة وواضحة لحوار متوازن وعملي مع الأحزاب السياسية والنقابة ما عدا الأحزاب التي قال الشعب فيها كلمته نهائيا يوم 25 جوبلبة 2021 وعلى رأسها النهضة ومشتقاتها بعد أن فشلت فشلا ذريعا في إدارة شؤون البلاد… واقترفت في حقها أخطاء جسيمة لا تغتفر…

 ويمكن ان تشكل الأفكار التي  يشدد عليها رئيس الجمهورية علنا في جميع لقاءاته الرسمية وغيرها القاعدة الصلبة لبناء إصلاحات مؤسساتية وسياسية جديدة في إطار نظام سياسي جديد أساسه سلطان الدولة المدنية وهيبتها و الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات الأساسية والعدالة الاجتماعية في إطار علاقات متوازنة بين السلطات و كذلك مقاومة الفساد وتمكين المواطن من  التمتع بكل حقوقه الأساسية في إطار دولة القانون والمؤسسات…

ضرورة الانخراط في الإصلاحات القاسية

3- إذا ما اقتنع الشعب بضرورة الانخراط في الإصلاحات القاسية التي لا مفر للحكومة من القيام بها وتقديم المزيد من التضحيات   منذ الآن وفي بحر السنوات القادمة… على أن تبدا هذه الإصلاحات بالدرجة الأولي بالطبقة الميسورة… لتمتد الي كل الطبقات في إطار أكثر ما يمكن من عدالة اجتماعية دون إفراط ولا شطط.

خلاصة القول… ليس هنالك في الوقت الحاضر ولا على المدى القصير من حل إلا الحوار الشامل بين أهم الفاعلين في الدولة وفي الساحة السياسية حول حاضر البلاد ومستقبلها لبناء مجتمع يتقاسم الجمبع فيه التضحيات والعمل الجاد والتجاوز… لغلق هذه الحقبة المرة والمؤلمة التي تعيشها تونس منذ إحدى عشر سنة، لعل البلاد تتوفق تدريجيا إلى التخلص من أدران هذه الحقبة الحالكة وتفتح  عهدا جديدا يقطع أكثر ما يمكن مع رواسب الماضي ويمكن البلاد من المرور إلى عهد جديد!

سفير سابق.

شارك رأيك

Your email address will not be published.