الرئيسية » تونس : و لا يزال التحقيق مستمرا

تونس : و لا يزال التحقيق مستمرا

طبعا، لا يخفى عليكم أن عنوان هذا المقال هو عنوان فيلم مصري بطولة الفنانة نبيلة عبيد عن قصة للكاتب المصري الكبير إحسان عبد القدوس و لكن معذرة على الاقتباس خاصة أن لعنوان المقال علاقة متينة بما يحدث داخل كواليس المحاكم و مكاتب القضاء و القضاة في تونس.

بقلم أحمد الحباسي

صحيح أنه لا أحد يثق بمنظومة القضاء و لا بالمجلس الأعلى للقضاء المخلوع أو المنصّب مكانه حديثا بأمر أحد المراسيم الرئاسية المشكوك في أمرها لكن تبقى الأسئلة المكررة و يبقى الحذر و تبقى هناك كثير من علامات الاستفهام التي لم يتم الإجابة عنها بشكل يشفى غليل أصحاب الحقوق و أولياء الدم و بصفة أخص ما يسمى بالرأي العام.

لعله و فى ضوء ما تقدم بدأت الشكوك تحوم بأن قبر كثير من الملفات القضائية الحارقة مجرد حالة شاذة تحفظ و لا يقاس عليها و إنما كان عملا منظما مسبقا يستهدف خدمة حركة النهضة و تقوية شوكتها بالإيحاء لكل معارضيها أنها قادرة على استهدافهم بكل الطرق دون أن تخضع للمحاسبة أو يسلّط عليها عقاب.

ملفات قضائية معلقة و إفلات من العقاب

لا يزال التحقيق مستمرا، هذا ما يتردد دائما و منذ أكثر من تسعة سنوات على اغتيال الشهيدين شكري بلعيد و محمد البراهمى، نفس الردّ في خصوص ملف تسفير الإرهابيين من طرف مقربين من حركة النهضة الى المستنقع السوري، نفس الجواب أيضا في ملف تهريب الأموال الذي فضحته تحقيقات ملف ما يعرف “ببنما بيبرس”.

نفس الشيء بالنسبة للجهاز العسكري السري لحركة النهضة، نفس الشيء في ملف تسليم الشخصية السياسية الليبية البغدادي المحمودي، نفس التصريح في ملف المدارس “القرآنية ” المشبوهة التمويل و الأهداف و بطبيعة الحال نفس الموّال المشروخ فى ملف محاولات اغتيال الرئيس قيس سعيد و شبهة وفاة الرئيس الراحل الباجى قائد السبسى و المحاولة الانقلابية لوزير الداخلية الأسبق لطفي براهم و التآمر على أمن الدولة المتهم فيها رجل الأعمال شفيق جرّاية إضافة طبعا الى عديد الملفات الكبيرة الأخرى التي لا تزال حبيسة مكاتب السادة القضاة دون تحديد مدة معينة لفضها و تحديد الجناة و تسليط العقوبات الجزائية المناسبة.

ربما ظن البعض في لحظة غشاوة ذهنية أن هناك قضاء و هناك منظومة قضائية و لئن تعفنت بعض الشيء بفعل الضغوط و التدخلات و الأطماع فهي لن تواصل في تنكيلها بالقسم القضائي و بشرفها المهني و برسالتها المقدسة في نشر العدالة و أن مجرد مشاهدتها لتلك السيول من الدماء و مشاهد سحل شهداء مؤسستنا الأمنية و العسكرية و جرحاها لكن خاب الأمل.

لقد خاب الأمل و لا يزال القتلة الإرهابيون و من تولوا حشو أدمغتهم بخطاب تكفيري معزز بجرعات من حبات مخدر الكبتاغون السيئ الذكر و من مولوا و خططوا و درّبوا و سلّحوا و وفروا الغطاء الإعلامي و اللوجستى طلقاء يتمتعون برصيد وفير من الأموال النفطية الخليجية الملوثة التي نزلت بردا و سلاما في حساباتهم البنكية في الخارج.

لا يزال القتلة الفعليين أحرارا يتباهون بخطاياهم و يفاخرون بجرائمهم المروعة دون أن يسألهم قاض شريف أو حاكم تحقيق عفيف عن جرائمهم أو يشير اليهم بأصابع الاتهام . فأي قضاء هذا لا تتملكه الرغبة في محاكمة قتلة و هو من قيل فيه “من ولّى القضاء فقد قتل بغير سيف”.

عن أي هيبة قضاء تتحدثون ؟

نريد بلهفة كبيرة أن نسأل بعض القضاة أو الذين تنكروا في هيئة قضاة و فتح كل واحد منهم دكانا مشبوها هذا باسم “مرصد” و ذاك باسم “جمعية” و آخر باسم “نقابة ” عن أي هيبة قضاء تتحدثون و تدافعون و أنتم الذين لا تملكون بطاقة سوابق مهنية نظيفة بعد أن عمّت فضائحكم الآفاق متجاوزة قصور العدالة إلى فضاء وسائل التواصل الاجتماعي.

هل يعقل أن تنام ملفات حارقة في مكاتبكم نوم أهل الكهف و هل يعقل أن نقبل منكم مثل هذا التهاون المشبوه أو المدفوع الثمن و هل لا زلتم متمسكين بهذه النمنامة التي ترددونها يوميا و اسمها “استقلال السلطة القضائية” مع أنكم قبلتم صاغرين طائعين مهللين كل من موقعه أن تداس كرامة الزى و القسم القضائي من طرف كل الأنظمة المتعاقبة.

بطبيعة الحال أنتم لا تملكون رغبة في إصلاح أنفسكم قبل أن تبحثوا على استقلال القضاء و بطبيعة الحال بلغ العلم إلى الجميع اليوم أن صراعكم مع السلطة هو صراع مناصب و مكاسب و محاولة غير محمودة للقفز على سير ذاتية تحمل كثيرا من علامات الاستفهام و التعجب و تضرر منها آلاف المتقاضين.

بقي مطلب تطهير القضاء مجرد شعار

لعل في أحداث فيلم “و لا يزال التحقيق مستمرا” متشابهات و إسقاطات كثيرة مع واقع القضاء في تونس و واقع ما حدث بعد 14 جانفى 2011 و لعل الجميع يؤكدون اليوم أن هناك في القضاء من يريد أن لا تفتح كل الملفات و أن يبقى الجناة في حكم المجهول و هناك على الطرف الآخر و أعنى طبعا حركة النهضة من خطط و أعطى الأمر لتنفيذ الاغتيالات معتمدا على توظيفه الخفي للقضاء و ما بات يسمى “بقضاء نورالدين البحيري”، في الواقع هناك توافق على أن حال قضائنا ميؤوس منه و أن هناك بعض القضاة قد أينعت رؤوسهم و حان قطافها  على رأى مقولة الحجاج بن يوسف الشهيرة لكن اللافت فى أمر القضاء أنه رغم إقرار الكثير من القضاة أنفسهم بتردي الأوضاع فإنه و رغم مرور سنوات عديدة و حتى أن تم تنصيب المجلس الأعلى للقضاء فإننا لم نسمع عن حملة تطهير أو عزل أو إيقاف عن “النشاط” و بقي مطلب تطهير القضاء مجرد شعار انتخابي يرفعه قضاة نالتهم الاتهامات و حامت حولهم كثير من الشكوك.

حيث أسقط رئيس الدولة هذا الكيان الهلامي المتنازع عليه المسمى “المجلس الأعلى للقضاء” ظن البعض و بعض الظن خطأ مبين أن القضاة المعينين لشغل و قيادة هذا المجلس المريض بكل علل الدنيا سيغيرون واقع القضاء من حال إلى حال و أن هناك رؤوسا قد تطير و ملفات مسكوت عنها طيلة سنوات ستفتح و استجوابات سترسل و نسائم حرية و عدالة ستهب بين أروقة قصور العدالة لكن الأمر تحول مع الوقت إلى انتظار ممل ثم إلى أمل زائف.

لعل وجه الشبه بين حكومة السيدة نجلاء بودن الخجولة المترددة الصامتة و بين “حكومة القضاة” واضح و لا يستدعى أي بيان و من ينتظر من هذين الكيانين تحركا فاعلا أو خطوة ثورية تزيح الهمّ و الكرب عن المواطن فهو واهم و يظهر و الله أعلم أن انتظار إصلاح القضاء قد يطول و ربما لن يحصل و سيبقى الحال على ما هو عليه وعلى المتضرر أن يلتجأ إلى رب العالمين علّه يستجيب في هذه الأيام الحرم.

كاتب و ناشط سياسي.

شارك رأيك

Your email address will not be published.