تونس : قيس سعيد و سياسة “القطوس في شكارة”…

رفض اتحاد الشغل و في بيان معبّر و واضح نشره الثلاثاء 24 ماي 2022 سياسة “القطوس في شكارة” كما يقول المثل الشعبي التونسي و لم يتمكن الرئيس قيس سعيد رغم استعماله لكل المفردات و التعاويذ و عبارات التلميح و التصريح أن يقنع الأمين العام لمنظمة الشغل السيد نورالدين الطبوبي بصواب فكرة الحوار الوطني المبتور أو بالانضمام و لو بالإيحاء لتلك الزمرة الانتهازية التي انتقاها بعناية و حذر شديد مثل عميد المحامين الأستاذ إبراهيم بودربالة و العميد الصادق بلعيد.

 بقلم أحمد الحباسي

طبعا لا يمكن لأحد أن يلوم السيد عميد المحامين لحرصه الشديد و قد بلغ من العمر عتيّا أن يترك مثل هذه الفرصة لينال إحدى الحسنيين إما مكان أو حظوة لم يكن يحلم بها يوما في جانب أهل القصر أو ربما لو لعبت يا زهر كما تقول الأغنية ليحلّ محل وزيرة العدل ليلى جفال التي تقول بعض الألسنة الخبيثة أنها على صفيح ساخن وربما يتم التضحية بها  ليشغل العميد مكانها فى تلك الوزارة التي يعتبرها الكثيرون مغارة على بابا.

فن رتق الفتق و خياطة المكائد و الألاعيب السياسية

لعل ظاهرالأشياء ليس كباطنها و لعل الرئيس الذي يستهزأ البعض بنبوغه في فن رتق الفتق و خياطة المكائد و الألاعيب السياسية  يبطن أكثر مما يظهر و لعل الاتحاد لم ينتبه أو انتبه متأخرا إلى أن إصرار الرئيس على فرض فكرته و خط سيره السياسي هو أمر مدبّر بليل و غايته تجنب حرج عدم استدعاء الاتحاد بما يمثله من ثقل سياسي و اجتماعي و شعبي بوضع أمينه العام و كامل مكتبه السياسي أمام موقف وحيد وهو الانسحاب و رفض الحضور و بذلك يصل الرئيس إلى مبتغاه بحجر واحد و يضمن حسن سير الحوار الموعود دون هرج أو مرج و يرفع عنه حرج وسائل الإعلام التي تستنكر عدم استدعاء المنظمة العمالية لحضور هذا الحوار الذي استبقت جميع الأطراف نتائجه المنتظرة بإعلان فشله أو ولادته ميتا.

ربما انتبه الاتحاد لهذه اللعبة القذرة و لذلك جاء إعلانه بعد ساعات من اجتماع أمينه العام بالرئيس قيس سعيد بإقرار الإضراب العام في الوظيفة العمومية كدفعة عن الحساب و كبداية مواجهة معلنة بينه و بين حكومة السيدة نجلاء بودن الآيلة للسقوط.

دمى كرتونية يحركها قيس سعيد لخدمة مشروعه الهلامي

 يدرك الأصدقاء القلّة الذين يحيطون بالسيد الرئيس أن الحوار قد فشل و مات سريريا و لم تنفع كل عقاقير الدنيا لإعادته إلى الحياة  و يعلم هؤلاء الذين يجلسون إلى ساكن قرطاج أنهم مجرد دمى كرتونية يحركها في كل الاتجاهات لخدمة مشروعه الهلامي الذي ضحى من أجله  بكل المبادئ و القيم و مع ذلك يصرّون على البقاء إلى حين نهاية الفصل الأخير من هذه المسرحية الدرامية السوداء و نزول الستار بعد أن يدفع الوطن ثمنا باهظا آخر فرضته أجندة مشبوهة لرئيس “نظيف” تبين أن له أطماع وسخة في الحكم و في إقامة دولة فاقدة للأركان تماما  كما حلم الإخوان بإقامة دولة  الخلافة السادسة و ما نتج عن مثل هذه الأحلام أو الكوابيس من خراب للبلد و ضرب  لآمال التونسيين.

ربما هناك من يستهزىء بالتصريحات التي تؤكد أن الرئيس لن يتوقف عن تنفيذ ما في رأسه إلا بحدوث انقلاب عسكري يضع حدا لهذه المهزلة و يزيحه من السلطة و ربما محاسبته عن إصراره على إهدار المال العام لكن كل الشواهد تذهب إلى تصديق مثل هذه النبوءات المرعبة و ربما هناك من يتمناها.

 من المبكيات أن رئيس الدولة  يدمر مؤسسات الدولة  بما فيها مؤسسة القضاء و يريدها مؤسسة رئاسية خاصة تأتمر بأمره و نهيه و من المضحكات أن الرئيس يعشق ديمقراطية بلا أحزاب و لا أصوات معارضة و لعل السيد الرئيس يريد أن يمحي بجرة مرسوم كل الأحزاب و المنظمات  وينتقل إلى إنشاء جماهيرية تساس بالمراسيم و الفرامانات دستورها الوحيد هو كتاب محرر بالحبر الأسود على ورق البردى لا يختلف كثيرا عن “إبداع” الكتاب الأخضر للمرحوم الراحل معمر القذافى. 

سخافة أفكار الرئيس و طمع لوبيات الفساد و لؤم الإخوان غير المسلمين

هناك من يقول أن الرئيس يتعلم الحلاقة في رؤوس الأيتام و هناك من يطالب بتحقيق طبي سريع قبل أن تخرج الأمور على السيطرة و هناك من يدعى وجود صلة قرابة و رحم بين مشروع الرئيس و بين مشروع الإخوان لكن الأكيد أن البلاد قد أصبحت  كمركب “التايتانيك” الشهير تغوص يوما بعد يوم في مثلث برمودا المتمثل في سخافة أفكار الرئيس و طمع لوبيات الفساد و لؤم الإخوان غير المسلمين.

 رغم مرور ساعات فان الظاهر أن رئيس الدولة ليس في وارد الاستماع إلى نصيحة الأمين العام للاتحاد السيد نورالدين الطبوبي الذي دعاه صراحة إلى التراجع عن  هذه المسرحية السيئة الإخراج التي لم تجلب له إلا التذمر و الاستنكار مذكرا إياه بأن التراجع من شيم الكبار.

من الواضح أن الرئيس قد ركبه الغرور بعد أن اعتدى على  القانون و الدستور و القسم الرئاسي و السلم الاجتماعية بحيث بات مصدرا لبث  خطاب اليأس و التشكيك و من الأكيد أن التاريخ سيسجل أن الرئيس قيس سعيد قد كان أحد أسباب دمار الاقتصاد التونسي و الشخص الذي أسس لقيام الفوضى و الحرب الأهلية نتيجة مكابرته السيئة و عناده الأسوأ.  

ليبقى السؤال :  ما هي عناوين المرحلة القادمة و هل سيقف الإتحاد إلى جانب الأغلبية المطحونة و يسقط مشروع الديكتاتور الجديد و هل حانت ساعة الانتفاضة الشعبية ليستعيد الشعب زمام الأمور و هل ستلعب المؤسسة العسكرية دورا فاعلا لحماية  طموحات الشعب المقهور؟

كاتب و ناشط سياسي.

شارك رأيك

Your email address will not be published.