تونس : أتباع الرئيس قيس سعيد أو اللاهثون وراء السراب 

هل أن الرئيس قيس سعيد سيغير من وجه تونس؟  بكل تأكيد لا بالبنط العريض. بقطع النظر عن كيفية وصوله و من أوصله لكرسي السلطة فإن المشروع الذي بدأ تنفيذه بالانقلاب على الدستور يوم 25 جويلية 2021 ربما سينتهي بانتهاء العميد الصادق بلعيد من تحرير الدستور الجديد و عرضه على الاستفتاء في 25 جويلية 2022.

بقلم أحمد الحباسي

  لعله السؤال الأهم في هذه المرحلة السياسية الصاخبة، السؤال يقول بمنتهى البساطة هل أن الرئيس قيس سعيد سيغير من وجه تونس؟  بكل تأكيد لا بالبنط العريض. ليس من شأننا على الأقل في هذا المقال البحث كيف وصل و من أوصل الرئيس قيس سعيد لكرسي السلطة فلا يعلم الإجابة عن هذه الأسئلة إلا هو طبعا و بعض الشخوص المشبوهة في  الهيئة “المستقلة” للانتخابات و لا يجب أن نشارك صاغرين في حوار التكهنات حول من يدير اللعبة حقا في قصر قرطاج و كيف وصلت السيدة نادية عكاشة و ذووها إلى مواقع حساسة و ما هو حقيقة الصراع بينها و بين الإبن المدلل للرئيس وزير الداخلية  توفيق شرف الدين الذي تجرأت هذه السيدة المشبوهة بالتلميح إليه بكونه بلا شرف و لا دين  و لكن من واجبنا على الأقل أن نبحث في مشروع الرئيس الذي بدأ تنفيذه بالانقلاب على الدستور و ربما سينتهي بانتهاء العميد الصادق بلعيد من تحرير الدستور الجديد.

لا يمكن لمشروع الرئيس أن ينجح  فهناك معركة داخل المنظومة بين أقطاب الفساد الذين يسميهم البعض بالدولة العميقة و حزب النهضة الذي يمثل مصالح قطر و تركيا و إسرائيل و المصالح الانتهازية الضيقة لمنظمات مثل اتحاد الشغل و اتحاد الأعراف و اتحاد الفلاحين و لن ننسى طبعا الوليد من سفاح هذه “جبهة الخلاص” بقيادة الشخصية السياسية الأكثر تقلبا و فشلا الأستاذ أحمد  نجيب الشابى الذي يتذكر له الجميع مقولته الشهيرة “لا ديمقراطية في تونس بدون النهضة” و التي تمثل مصالح دوائر السفارات و المخابرات الأوروبية الساعية  لتحجيم الدور القطري التركي في تونس.

فشل ذريع و تلعثم واضح وهروب إلى الأمام

سيقول البعض أن الرئيس قيس سعيد هو الأحق بقيادة البلاد أو أنه الشخص الوحيد القادر على مواجهة التحديات لكن مثل هذه الترهات البليدة لن تصمد أمام الواقع و بالذات هذا الفشل الذريع و هذا التلعثم الواضح و هذا الهروب إلى الأمام الذي يعيشه الرئيس و بعض المحيطين به من الهمزة اللمزة مثل العميدين توفيق بودربالة و الصادق بلعيد . الغريب أن هناك من يصدق أن الرئيس قيس سعيد هو أحد أبناء و إفرازات الثورة  و هي كذبة كبرى سيدفع الجميع ثمنها قريبا.

لست هنا بصدد التطاول على أحد بقدر ما أحاول تقريب صورة المشهد السياسي لعموم العقلاء من المتابعين  خاصة و أن بعض المنتسبين للسيد الرئيس قد باتوا يهددون كل من يحاول نقد تصرفاته بالويل و الثبور وعظائم الأمور تماما كما كان يحدث طيلة العشرية السوداء من طرف هؤلاء الذين جندتهم حركة النهضة للتشويه و التهديد و الذين يطلق عليهم بعض الظرفاء تسمية الذباب الأزرق.

رحلت السيدة نادية عكاشة بما كانت تمثله داخل القصر من أوهام و شائعات و ضرب تحت الحزام ثم رحل منذ أيام السيد أحمد شفتر أو ما يسمى بالقاموس المفسّر لما يسمى وهما بمشروع الرئيس، هذا الرحيل المفاجئ يؤكد أن الأمور لا تسير على ما يرام داخل القصر الرئاسي و أن عقل الرئيس قد استبد به جنون السلطة و بات ساعيا إلى القضاء على كل المؤسسات الدستورية ليحل محلها بعض الدكاكين من القصب التي انتدب للإشراف عليها بعض الحاشية و الموالين و المؤلفة قلوبهم .

الشرعية ليست ملكا مرسما بالسجل العقاري باسم قيس سعيد

لقد تجاهل سيادته أن الشرعية ليست ملكا مرسما بالسجل العقاري  باسمه وهي على حد علم العارفين ملك للشعب و تجاهل سيادته أيضا أن اختزال الحوار حول مصير هذه الأمة كما يسميها الزعيم الحبيب بورقيبة في بعض الأنفار الموالين و الانتهازيين هي سقطة سياسية إستراتيجية سترتد على صورته الضبابية و تجاهل الرئيس أخيرا أن محاولته ضرب المنظمات الوطنية يبعضها هو فعل خادش للحياء السياسي لا يأتيه إلا من ثقلت موازينه في العبث و مخالطة بعض العاهات الموبوءة التي أرادت الارتزاق مما يسمى “بمشروع الرئيس” و بات لا تغادر القصر حتى للنوم.

لا أحد يقتنع اليوم أن نجاح الاستفتاء أو فشله أو ضرب المنظومة القضائية بآلية الإعفاء العمياء أو نثر بعض الشعارات حول سيادة الدولة فى عقول البعض هو فاتحة طريق الانتصار والتغيير المنشود و المنتظر بل هناك حالة من الاسترخاء الفكري السلبي لدى العموم تؤكد عدم قناعة الأغلبية بهذه الخيارات الرئاسية.

لا يستقيم الظل و العود أعوج، هذه هي القاعدة لكن من الواضح أن تنفيذ اتحاد الشغل و قطاع القضاء للإضراب الوحشي هو نتاج تفكير سقيم لدى الكثير من شخصيات المشهد السياسي التي باتت تبحث اليوم عن تلميع صورتها و فرض سطوتها و خزعبلاتها على “السادة المشاهدين” الذين لا يزالون يراوحون المكان منذ ليلة 14 جانفى 2011 إلى الآن. فلا إضراب القضاة و لا إضراب الاتحاد له علاقة بمصلحة المواطن أو الوطن و لا أحد يصدق تلك الأطروحات المهتزة التي تقال في المنابر الإعلامية. 

الإضراب لم يعد سلاحا و حكومة السيد الرئيس تؤمن بهذا المنطق و لذلك سلكت طريق اللامبالاة و عدم الاكتراث لتقول لجماعة الاتحاد الذي يتباهون كالصبيان بنجاح الإضراب “كأنك يا بوزيد ما غزيت”. 

ما الذي تغير بعد إضراب القضاة و إضراب الاتحاد ؟ لا شيء سوى تنامي نسبة الكراهية و السخط على هذين  المؤسستين في حين لم يجن الرئيس من لامبالاته بالإضراب سوى مشاعر الإحباط نحو شخص بات اليوم مجرد  رئيس بلا شرعية أخلاقية.

كاتب و ناشط سياسي.

شارك رأيك

Your email address will not be published.