ألفة الحامدي، رئيسة حزب الجمهورية الثالثة تنزل صورتها من المدينة المنورة و تكتب…

المدينة المنورة، 26 جوان 2022
الموضوع: لا يمكن فصل الدين عن السياسة و لا بدّ للصراع بين الحداثيين و الاسلاميين في تونس أن ينتهي.
ألا يغير الله ما بقوم حتى يُغيّروا ما بأنفسهم؟


ألا نتفق جميعا، نحن التونسيون، أننا نعيش في تونس اليوم أسوء حالات مجتمعنا: لقد عمّ الفساد في مدينتنا، و ساءت تجارتنا و أخلاقنا، فتلوثت المدن و البحار و الغابات، و تفككت العائلات و كثرت الجريمة، لقد ساد الكذب و النفاق، و قهر القوي منا الضعيف و عجزت الدولة عن حماية الضعفاء و اشتدّ طغيان كل من عليها فغابت الرحمة و أشتد العقاب و غاب العدل، ففقد التونسي الثقة في غيره و حتى في نفسه فأصبح مشككا في الخير و متهما للغير و معرقلا للإصلاح و معرقلا لنفسه. في أسوء حالاته، التجأ إلى العنف أو الغدر أو الإدمان، و في أحسن حالاته، استقال من شؤون الحياة و المجتمع أو هاجر مدينته باحثا عن العدل وراء البحار التي تحيطنا و أرض الله واسعة و لا لوم على من يهاجرون.
لا لوم على المهاجرين، فالهجرة واجبة على المؤمنين حالما أصبحوا مُستضعفين و في تونس اليوم، المنظومة الاقتصادية و الاجتماعية مُنتجة لملايين المستضعفين و لا وجود لمصعد اجتماعي يسمح للفرد بأن يتجاوز صعوبات محيطه.
ألا يغير الله ما بقوم حتى يُغيّروا ما بأنفسهم؟
كيف لنا أن نُغيّر أنفسنا و نحن لا نقول حقيقة ما عليه أنفسنا و نواصل العيش في تناقض كلي بين ما نقوله و ما نعيشة:
نقول أن تونس أحسن بلد عربي و الحقيقة أن تونس تخلّفت عن ركب الحداثة و التقدم فلا رقمنة و لا تعليم و لا ضمان إجتماعي و لا منظومة صحية و لا فلاحة و لا نقل و لا تجارة و لا حتى علاقات خارجية إيجابية تُذكر. فيعيش التونسي في تناقض بين ما هو قادر عليه و بين إطار اجتماعي و اقتصادي كارثي يصعب العيش فيه. فكيف لنا نغيّر ما لا نعيه؟ فلنقل حقيقة أن تونس أصبحت من أفقر البلدان العربية و آخرها تقدّما، و لنبدأ بعدها تغيير ما نحن عليه بعيدا عن الشعارات المزيّفة و عن القوميّة البالية التي لم تتمكن من الاتساع لمفاهيم و قيم عالمية تتجاوز الأوطان و القارات و تشترك فيها الإنسانية جمعاء.
دستورنا ينص على أن الدولة التونسية هي الضامن لكل الحريات و واقعنا مرير يعيش فيه الفرد في صراع دائم مع الدولة و في مجموعة قوانين لا تحترم حرمته و لا تحترم حريّته إلى حدّ أنه يمكن القول و بدون مبالغة أن كل التونسيين هم في حالة سراح مؤقت إلى أن يقعوا في مخالب المنظومة الجزائية التونسية، كلّ و تُهمته.
فكيف لنا أن نُصلح القضاء و في إصلاحه ضرب لأساس الإصلاح و هو الاستقلالية … متى يكون لنا قضاء من الشعب و إلى الشعب؟ فلا تقدّم بدون قضاء مستقل و ليس للاستقلالية عدّة مفاهيم، فالاستقلالية واحدة و لا يُحتمل تعريفُها التأويل.
نقول بأن الإسلام ديننا و أن حرية المعتقد مضمونة و نُخبتنا هي أول من حارب ممارسة الشعائر الاسلامية أكثر من الدول العلمانية فغابت التربية الإسلامية المعتدلة عن مدارسنا بتعلة الخوف من التطرف تاركة أجيالا كاملة عُرضة للاستقطاب الايديولوجي حتى أن شبابنا كان من أكثر الشباب التحاقًا بالجماعات الارهابية و لا حديث لنا عن ما فعلناه بأنفسنا في هذا الجيل … و ها نحن نواصل صراعنا مع الدين، فلا مكان للزيتونة و لا مكان القيروان في واقعنا الحديث و يقول قادتنا أنه وجب حذف الإسلام من الدستور التونسي بتعلة سياسية مؤقتة مفادها صراع جيوسياسي مُضيّق على السلطة في بلد يدخل فيه التونسيون ظلمات الجهل و الخوف و الاقتصاد الموازي يوما بعد يوم و تنهار فيه المنظومة الاجتماعية و الاقتصادية و الاخلاقية يوما بعد يوم و لا حياة لمن ينادي. ما الحل؟ قِيل بأن حذف الإسلام من الدستور هو الحل؟!
و هنا، أرى و العلم لله، أن الصراع بين الحداثيين و الاسلاميين في تونس زاد عن حدّه و حان الوقت ليضع التونسيون حدّا لهذا الصراع الايديولوجي الذي يستغله أعداء الحرية و يستغله بارونات الفساد الاقتصادي و المالي لمواصلة سيطرتهم على وسائل الإنتاج في تونس.
فلا مجال للصراع حول الدين، فالتونسيون في مجملهم متصالحون مع دينهم، و لا مجال لاستيراد نمط أجنبي لحكم تونس، فلا يمكن حكم التونسيين بغير العقل و بغير العدل و بعيدا عن الوسطية. تونس وسطية كالزيتونة لا شرقية و لا غربية، و الإسلام جزء لا يتجزأ من واقعنا فلا حاجة لنا بمن يفرضه علينا كما لا حاجة لنا بمن يقنن المسافة التي تفصلنا عنه.
فكيف لنا أن نغير أنفسنا؟ هل كتابة دستور جديد هي الحل؟
أولا، علينا أن نعي أن الكلمات تُغير مصير الشعوب. فيجب أن نختار الكلام الطيب و أن نتعلّم القول الحسن. فالكَلِمَةࣰ الطَیِّبَةࣰ “كَشَجَرَةࣲ طَیِّبَةٍ أَصۡلُهَا ثَابِتࣱ وَفَرۡعُهَا فِی ٱلسَّمَاۤءِ” و الكلمة الخبيثة “كشجرة خبيثة ما لها من قرار”. فإذا قال كل تونسي كلمة طيبة، فهذا يعني أن بلدننا ستعم فيه الأشجار الطيبة و ستتصل فيها أرضنا بالسماء فيمُنّ الله علينا بالخير و البركة. امّا إذا كثُر الكلام الخبيث، فينقطع مجتمعنا عن الصلة بالله و بالخير.
ثانيا، علينا تنظيف بلدنا. فالمدينة تعبير عن من يقطنون بها و صورة عن قيم المجتمع. فمن نحن و تونس بلد تغمره الروائح الكريهة و الفضلات و الثلوث بجميع أنواعه؟ من نحن؟
ثالثا، علينا أن نقرّ بأن الفرد التونسي حرّ و لا يستمد حريته من الدولة بل من الله عز و جل. فالناس وُلدوا أحرارا و يجب أن نغير قوانينا لتكون الحرية هي القاعدة و سلب الحرية هو الاستثناء و ليس العكس كما هو الحال الآن، فالعلاقة العمودية بين الدولة و الفرد علاقة سلبت التونسي حريته و مسّت من كرامته التي وُلد بيها و علينا معاملة غير التونسيين بنفس المنطق.
رابعا، علينا ممارسة الرحمة على أنفسنا و على من يحيطون بنا فلا سبيل لخلاصنا من آلام الماضي و صعوبة الحاضر و خوف المستقبل الا بالإحساس بالرحمة تُجاه أنفسنا و تجاه غيرنا. فالكل معرّض للخطأ و ممارسة الرحمة هو أساس الفرصة و التوبة و نحن بحاجة إلى ذلك.
خامسا، علينا إرساء دولة لا حرب لها مع المعتقد مهما كانت أشكاله اذ لا يمكن فصل الدين عن السياسة و ان تم فصل الدين عن الدولة، كما لا يمكن أن يُعوّض الدين الدولة فلكل مهامه و فيهما تقاطع دنيويّ. فلا هذا و لا ذاك، الوسطية هي أساس نجاح تونس و لتونس ان تكون مثال في الاعتدال.
وعليه، علينا وضع حد للصراع السياسي بين الحداثيين و الاسلاميين في تونس. فلا مجال لجعل الدين محل خلاف، فالوسطية فيها جواب لكل شيء، و علينا نبذ التطرف مهما كان، فالتطرف مهما كان أداة هدم و ليس أداة بناء.
فمن هم التونسيون: أنحن من أشترى الضلالة بالهدى فلا ربحت تجارتنا و لا نحن مهتدون؟ أم نحن أمة وسط جعلنا الله شهداء على أنفسنا و على الناس؟
قال الله تعالى: “و كذلك جعلناكم أمة وسطا”
فلنكن هذه الأمة.
و السلام
ألفة الحامدي

شارك رأيك

Your email address will not be published.