دستور قيس سعيد مطية لفرض النظام القاعدي على الشعب التونسي

في هذه “القراءة الأوّلية والعاجلة لدستور تونس الجديد من طرف غير مختص في القانون الدستوري” الكاتب يعتبر مشروع الدستور الجديد يؤسس لنظام رئاسوي كل السلطات فيه بيد رئيس الدولة فيما يحد من صلاحيات المجلس النيابي و يقلص من سلطة القرار لدى رئيس الحكومة. كما يبدو الغموض المتعمد لبعض الفصول طريقا مفتوحا أمام تمرير النظام المجالسي أو البناء القاعدي الذي بريد الرئيس قيس سعيد فرضه على التونسيين.

بقلم الأسعد بوعزي

الطوطئة:

يكفي ان تقرأ توطئة الدستور لتلاحظ بصمة قيس سعيّد وأفكاره بما يعني أنه أخرج دستورا من عنده وفي أفضل الحالات قام بمراجعة عميقة لنسخة اللّجنة الإستشارية.

التوطئة بحثت في التاريخ البعيد لتذكّرنا بكلّ الدساتير القديمة بما فيها الزّمام الأحمر وتغافلت على ذكر دستور 1959 باسمه مع أنه دستور دولة الاستقبال.

تمّ التأكيد على ما يوحي بأن تاريخ تونس بدأ يوم 17 ديسمبر 2010 (صعود شاهق غير مسبوق) مع طمس أهم محطّات الحركة الوطنية بما فيها النضال الحزبي والنقابي.

التوطئة تعتبر الاستشارة الألكترونية مرجعا أساسيا للدستور وتضخّم من عدد المشاركين فيها على خلاف الواقع.

الأحكام العامة:

الفصل الخامس ينصّ على أن “تونس جزء من الأمة الإسلامية، وعلى الدولة وحدها أن تعمل على تحقيق مقاصد الاسلام الحنيف في الحفاظ على النّفس والعرض والمال والدين والحرية”

السؤال الذي يطرحه هذا الفصل هو الى أي بعد يمكن الذهاب في تحقيق مقاصد الإسلام الحنيف وهل يعني تحقيق هذه المقاصد العمل على منوال أفغانستان و إيران لحماية العرض مثلا؟

الفصل 14 يجعل واجب الدفاع عن حوزة الوطن واجبا مقدسا على كل مواطن ويستثني المواطنة التي يخصّها بالذكر في بقية الفصول.

الفصل 19 لم ينص على رقمنة الإدارة وعصرنتها وهنا تجدر الإشارة الى أن الدستور لم يعكس عمل اللجنة الاقتصادية حيث تغافل عن حقوق المراة الريفية وكان خاليا من كل ما قيل عن دسترة العملة الرقمية والطاقات البديلة والثروة المستدامة وغيرها ممّا يضمن مستقبل الأجيال القادمة.

الحقوق والحريات:

الفصل 44 المتعلق بالتعليم ينصّ على “تأصيل الناشئة في هويتها العربية الإسلامية” وهو ما قد يفتح الباب أمام انتشار المدارس القرآنية على غرار مدرسة الرقاب.

ينص الفصل 55 على ألاّ “توضع قيود على الحقوق والحريات المضمونة بهذا الدستور الاّ بمقتضى قانون ولضرورة يقتضيها الدفاع الوطني أو الأمن العام أو الصحة العمومية أو حماية حقوق الغير أو الآداب العامة”.

السؤال المطروح هو هل أنه سيتمّ التضييق على الحريات بإسم الآداب العامّة كمطاردة المفطرين في شهر رمضان أو ارتداء البيكيني في الشطوط مثلا؟

الوضيفة التشريعية :

1- مجلس النواب :

ستّة ملاحضات في هذا الباب:

بعث مجلس نيابي ثان يسمّى المجلس الوطني للجهات والأقاليم.

الدستور لا ينصّ على ألإنتخاب الحر والمباشر والنزيه والشفّاف لنواب الشعب بما يوحي ان قانون الانتخاب سوف يسنّ النظام القاعدي.

التضييق على حرّية النائب وجعله تحت الضغط بتجريده من الحصانة باسم الثلب والقذف والتشاجر داخل المجلس وتعطيل العمل البرلماني ويبدو هنا أن ما كان يسمّى “بترذيل المجلس المنحلّ” دفع باللّجنة الى دسترة التصدي لهذه المخالفات التي لا ترتكز على ضوابط وهو ما من شأنه أن يحدّ من جرأة النائب في تبليغ صوته.

التغافل عن دسترة أداء اليمين للنواب، وبالمناسبة فإن كلّ المنتخبين والمعيّنين في المجالس والهيئات الدستورية لا يؤدّون اليمين ما عدا رئيس الدولة.

دسترة سحب الوكالة من النائب بما يعرضه لعمليات كيدية وبما يوحي بأن الرئيس ماض في تنفيذ مشروع النظام المجالسي عبر قانون الإنتخابات المنتظ.

مجلس نواب الشعب ليس له الحق في سحب الثقة من رئيس الجمهورية حتى بسبب الخيانة العظمى وهو ما يؤسّس لدكتاتورية غير مسبوقة.

المجلس الوطني للجهات والأقاليم:

هو عبارة عن مجلس صوري tiré par les cheveux بعث لتجسيم النظام المجالسي. كل مسؤولياته تتلخص في الموافقة على الميزانية ومخططات التنمية على المعاهدات المالية والإستثمارية بما يضمن التكافؤ بين الجهات وهو عمل من مشمولات مجلس نواب الشعب.

الوضيفة التنفيذية:

رئيس الدولة جمع كلّ “الوضائف” بين يديه وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة (لم يسمّيها و لم يحصرها في الجيش الوطني) ورئيس مجلس الأمن القومي وهو الذي يسمّي رئيس الحكومة وأعضائها ويعيّن القضاة.

رئيس له السلطة المطلقة وليس خاضعا للمساءلة ولسحب الثقة ما قد يجعل من حكمه دكتاتورية مطلقة.

من المالحظ ان الدستور يتحدث عن وضائف فيما يذكر كلمة السلطة في مناسبتين عندما تحدّث عن السّلط العمومية.

الحكومة:

بإختصار شديد لا تمثل الحكومة سوى أداة تنفيذية بيد رئيس الدولة الذي يحدّد بمفرده سياسات الدولة وتوجهاتها وهو ما قد يجعل من النظام نظاما رئاسويّا وليس رئاسيّا.

الوضيفة القضائية:

بإختصار شديد فإن القضاء يخضع الى سلطة رئيس الدولة بما أن القضاة يتمّ تعيينهم من طرفه. الدستور لم يضبط السلطة المسؤولة عن عزل القضاة.

المحكمة الدستورية:

هي محكمة ليس لها الحق في عزل الرّئيس تتلخص مهامها في مراقبة دستورية القوانين.

الدستور يضبط تركيبتها غير انه لا يضبط الضمانات الخاصة بحياد أعضائها.

ضابط سابق في البحرية.

شارك رأيك

Your email address will not be published.