تونس في الطريق الصحيح، علينا فقط أن نعرف كيف نسير…

في هذه التدوينة التي نشرها على صفحته الفايسبوك يوم 29 جوان 2022، أي قبل يوم من نشر مشروع الدستور الجديد الذي يقترحه الرئيس قيس سعيد لاستفتاء شعبي عينه ليوم 25 جويلية القادم، الكاتب، وهو وزير سابق و أستاذ قانون، يستشرف كيف ستكون عليه الحياة السياسية في تونس على ضوء دستور جديد يعيد لسلطة الرئيس المكانة الأولى في الدولة.

بقلم أ.د الصادق شعبان

ما توقعته حصل … و ها أنا اليوم أتوقع ما سوف يحصل … السياسة حس و علم … تدويناتي موجودة لم أحذف منها و لا واحدة … ارجعوا إليها بالتسلسل …

منذ 2014 قلت ان دستور 2014 سوف يهز البلاد إلى الهلاك و لن يصمد… وهذا ما حصل… هز البلاد إلى الهلاك و انتهى في حاويات التاريخ…

قلت ان دستور 1959 مظلوم و لا ذنب له… و شبهته بسيدات سنوات الخمسين… و قلت أن الدولة القوية سوف تعود… و أن الفوضى سوف تنتهي … و أن فلسفة الدولة الوطنية سوف تعود… و ها هي تعود في ثوب جديد…

قلت ان الاستفتاء هو الحل… و ها هو الاستفتاء على الأبواب…

قلت ان النظام الرئاسي هو الذي يصلح، و ها هي الأيام تبين صلاحه لهذه الفترة من حياة البلاد …

قلت اننا نحتاج إلى نظام انتخابي يفرز أغلبية و يحدد المسؤولية و يحقق الاستقرار… و ها نحن في هذا الاتجاه…

كما قلت ان الاقتراع على الأفراد هو الأفضل لتطهير الطبقة السياسية و لإعادة الثقة في المنتخبين و للحد من تغول الأحزاب… و ها هو الاقتراع على الأفراد يبرز و كأنه النظام الأكثر قبولا…

قلت اننا نحتاج إلى العودة إلى الشعب و تمكينه من الخروج من الكماشة الدستورية التي كبلته و فرض الاستفتاء بكسر القيود المجحفة… و ها نحن على أبواب الاستفتاء…

قلت من زمن الباجي قايد السبسي و ليس الآن ان اللجوء إلى الفصل 80 و إلى الفصل 72 قد يصبحان الملجأ أمام الفوضى و انهيار الدولة و تم اللجوء إليهما و لو بتأخير بضع سنوات…

ما قلته في الماضي حصل…

و أعتقد ان ما أقوله الآن له كل الحظوظ لكي يحصل… فالسياسة علم و اعتبر نفسي أمتلك أدواته…

الأحزاب الحالية سوف تنحسر أدوارها

الأحزاب سوف تتأخر أمام المستقلين… في كل المحطات القادمة… و المستقلون سوف يكونون النواة لأحزاب أخرى…

الأحزاب الحالية سوف تتقلص في العدد و سوف تنحسر أدوارها و أغلب الأحزاب بدأت تندثر…

الأحزاب كل الأحزاب سوف تبتعد عن الايديولوجيا و سوف تجبر على النزول إلى الميدان و تصنع برامج عملية… كما سوف تقترب من بعضها البعض لأن طلبات الناس واحدة و الحلول متقاربة… و هذا يساعد على خلق ما يسمى بالوفاق المجتمعي le consensus و يوسع من دائرة المتفق عليه و هذا من متطلبات الديمقراطية و التنافسية…

كل أدوات الدولة بين أيدي الرئيس

80 % من السلطة سوف تكون بأيدي رئيس الجمهورية (فهو الذي يضع السياسة العامة للدولة حسب البرنامج الذي انتخب على أساسه و هو الذي يعين الحكومة و هي مسؤولة أمامه… كما و يعين في المناصب العليا المدنية و العسكرية : أغلب أعضاء الهيئات الدستورية هو الذي يعينها و كذلك كبار القضاة و السفراء و كبار الموظفين و الولاة و المعتمدين و القائمة تطول…) كل أدوات الدولة بين يديه أشخاص و تمويلات … و الحزب الذي لن يقدر على تقديم مرشح للرئاسية له حظوظ النجاح سوف يصبح حزبا ضعيفا لن يقبل عليه الناس للانخراط و للتمويل و للتصويت و يصبح حزبا دون مستقبل…

الاقتراع على الأفراد في التشريعية سوف يغير الطبقة السياسية… يضعف دور الأحزاب في العملية الانتخابية… يفتح الآفاق أمام المستقلين … يقلص من تغول الأحزاب التي كانت تفرض القائمات على الجهات… و يصبح التصويت لشخص المترشح ليس للقائمة… فتضعف سلطات رئيس الحزب عند التزكية على الترشيحات و تضعف سلطاته على نواب حزبه بعد انتخابهم في البرلمان…

سوف تجبر الأحزاب على ترشيح الأفضل… و ألا ترى الترشح المستقل ينتشر بين قياداتها فتتشتت الأصوات و تضعف حظوظ الحزب في النجاح…

أحزاب كبيرة سوف لن تبقى كبيرة لأنها لن تقدر على تقديم مرشحين لهم الوزن في الرئاسية… كما أنها في البرلمانية سوف لن يكون سهلا عليها إقناع بارونات الحزب بالتخلي لمرشحين آخرين لهم حظوظ أكبر للنجاح…

الاقتراع على الأشخاص سوف يغير قواعد اللعبة

يعرف العديد من المقربين مني اني قلت منذ 2006 أن نظام الرئيس الراحل زين العابدين بن على لن يصمد و انه سوف يتهاوى في 2013 (وهي كانت سنة تقديم الترشيحات للمدة الرئاسية 2014-2019)…

كنت اقترحت أيضا في 2001 على الرئيس بن علي اعتماد التصويت على الأفراد لتطوير التمثيل البرلماني و البلدي و إعادة الهرم الانتخابي لنفوذ القواعد و تقليص هيمنة القيادة المركزية للحزب… قبل الفكرة و تحمس لها ثم تراجع تحت تأثير آخرين…

إلى من يقول ان النظام الرئاسي القادم سوف يؤدي إلى التسلط، أقول ان التسلط لن يعود، فالمشهد الحزبي لم يعد أحاديا، و المجتمع المدني أقوي من ذي قبل، و الشعب تعود على الحرية، و السلطة الرابعة لن تسكت، و سلوك الاحتجاج أصبح متفشيا، و المناخ الدولي الرافض للدكتاتورية أقوى اليوم مما كان…

نحن في الطريق الصحيح… علينا فقط أن نعرف كيف نسير…

شارك رأيك

Your email address will not be published.