لقد تمكن هؤلاء الذين مارسوا النفاق باسم الدين من نهب ثروات الوطن لكن هل يعقل اليوم بعد كل هذه المحن و الاغتيالات و الدماء و الأوجاع الاقتصادية أن ننساق مرة أخرى وراء تاجر شنطة سياسي مجهول الاتجاه و نصوت لدستور قامع للحريات تمت صياغته على مقاس ديكتاتور لا يزال قيد التمرين ؟
بقلم أحمد الحباسي
كالعادة اختار سلطان المدينة الرئيس قيس سعيد الهزيع الأخير من ليلة 30 جوان 2022 ليفاجىء الجميع بدستور لقيط رفض من قضوا الليالي الطوال مثل العميد الصادق بلعيد و الأستاذ أمين محفوظ في تحريره و تزويقه و تفصيله على مقاس عقل و توجهات الرئيس حتى من تبنّيه و لو لساعات متهمين صاحب المقاولة المشبوهة رئيس البلاد و من غيره علنا بخيانة الأمانة الأدبية و بالتزوير في أوراق دستورية.
مشروع الديكتاتور القادم على مهل
بقراءة متأنية و فاحصة لهذا النص الدستوري المشكوك في أمره و المحرر على عجل و في الغرف المظلمة دون حسيب أو ضمير من طرف بعض الوجوه المختلف عليهم و على ولائهم للوطن و لروح الشهداء تظهر عيوب كثيرة لا يتسع المجال لحصرها و أقل ملاحظة يمكن أن تقال أنه دستور هجين و مشبوه و أكثر سوءا من دستور 2014 الذي كلف دافع الضرائب ما يزيد عن ثلاثمائة مليون دينار ذهبت كلها في جيوب هؤلاء الذين يصفون أنفسهم نفاقا بأنهم يخافون الله.
لقد كان على رئيس البلاد أن تكون له على الأقل بعض الشجاعة الأدبية و الأخلاقية بحيث يتقدم للمواطن أولا بالنسخة المحررة من العميد الصادق بلعيد و من رافقه ثم بالنسخة المنقحة المعروضة على الاستفتاء. أما و قد حصّل ما في الصدور و تغافل سيادته عمدا و عن سوء نية مسبقة عن القيام بهذا الواجب على الأقل احتراما لجهود من كلفهم و تحملوا حملات النقد و الانتقاد و التهجم وصلت حد التشكيك في وطنيتهم.
الظاهر أن مشروع الديكتاتور القادم على مهل لا يؤمن إلا بالمقولة الشائعة الغاية تبرر الوسيلة وهو كما داس على نصوص دستور 2014 دون أن يرف له جفن فهو مستعد تماما إلى الدوس على هؤلاء القلائل الذين تحالفوا معه عن حسن أو سوء نية.
بطبيعة الحال شعر رفاق الرئيس بأنه غرر بهم و سيقوا كالقطيع لخدمة أجندة شخص لا يعرف الكثيرون كيف صعد إلى سدة الرئاسة و لا الماكينة التي تقف وراءه و من يمولها و من هي الجهة أو الأطراف التي تدفعه إلى الكفر بحقوق الإنسان و بالأحزاب و بالسلطة الرقابية لمجلس نواب الشعب.
أجندة مشبوهة غايتها الاستيلاء على كل مقاليد الحكم
لقد كانت كل خطب التطمين الموجهة للداخل و بالذات للخارج مجرد ضحك على الذقون غايتها الوحيدة ربح الوقت و استغلال الانقسامات السياسية الداخلية و ما بدر من حالات تعاطف شعبي مع ما سمي بقرارات ليلة 25 جويلية 2021 التي أطاحت بعرش الإخوان في تونس و بمرشدها الشيخ راشد الغنوشي لتنفيذ أجندة مشبوهة غايتها النهائية الاستيلاء على كل مقاليد الحكم و تفخيخ مناصب الدولة بالموالين له مثلما حصل مع تعيين الولاة و المعتمدين و كوادر وزارة الداخلية و بعض الموظفين السامين في رئاسة الحكومة.
بطبيعة الحال أخفى الرئيس كل أوراقه و أهدافه المخيفة و رفض الدخول فى نزاع و مواجهة مع ملف “وكر القرضاوي في تونس” و ملف “المدارس القرآنية” و ملف حزب التحرير و ملف تسفير الإرهابيين إلى سوريا و ملف اغتيال الشهيدين شكري بلعيد و محمد البراهمى إضافة إلى ملفات خطيرة كثيرة و اغتنم فرصة ارتباك موقف اتحاد الشغل حول المشاركة فى الحوار من عدمه ليختلق دستورا مفخخا غائما و ضبابيا محاولا استغلال حالة غموض المواقف السائدة في البلاد لمحاولة تمريره بالقوة و ربما بالتزوير و المغالطة.
دستور أعرج يضرب كل المبادئ و القيم الإنسانية
لن نحسن الظن بالعميد الصادق بلعيد لأنه و رغم التحذيرات العديدة الموجهة إليه خاصة في أن الرئيس سيفرض في النهاية “دستوره” الموجود بمكتبه و أن تجميع هذا اللفيف غير المتجانس بحجة كتابة الدستور ما هو إلا حالة مغالطة مكشوفة فقد أصر الرجل على ركوب قارب مثقوب بحيث ستطارده الانتقادات إلى القبر و لكن الأمل معقود على العميد أمين محفوظ ليتخذ موقفا تاريخيا بالدعوة إلى عدم التصويت على هكذا دستور أعرج لئيم يضرب كل المبادئ و القيم الإنسانية النبيلة التي استشهد من أجلها آلاف الشهداء في هذا الوطن المنكوب برئيس ينزلق كل يوم في تنفيذ مخطط غير معلوم.
لقد تمكن هؤلاء الذين مارسوا النفاق باسم الدين من نهب ثروات الوطن لكن هل يعقل اليوم بعد كل هذه المحن و الاغتيالات و الدماء و الأوجاع الاقتصادية أن ننساق مرة أخرى وراء تاجر شنطة سياسي مجهول الاتجاه و نصوت لدستور قامع للحريات تمت صياغته على مقاس ديكتاتور لا يزال قيد التمرين ؟
كاتب و ناشط سياسي.
شارك رأيك