تونس : لأن الدستور وثيقة هامة من الضروري إيجاد إجماع حولها

لأن الدستور وثيقة هامة من الضروري إيجاد إجماع حولها. لذلك استوجب مراجعة الدستور المقترح من طرف الرئيس قيس سعيد بغاية الوصول إلى دستور جامع و شامل لكل التونسيين بدون استثناء. لأن المطلوب عند إعداد الدستور هو التفكير في تسيير الشأن العام و بناء نمط اجتماعي ناجح بطبعه دون فرض تعديلات ديماغوجية غريبة وليست من الواقع.

بقلم الكيلاني بن نصر

بعض دول العالم مثل بريطانيا العظمى و العربية السعودية لا تملك دستورا، إذ العبرة بالنسبة لتلك الدول ليست في ما يكتب فى الدساتير لكن في ما يطبق عمليًا على أرض الواقع. و الخطر الذي قد يعطل كتابة دستور جديد لدولة معينة هو وجود نزاع سياسي قائم منذ سنوات وتفشي مفاهيم رفض الآخر ونبذ التعايش بين الأطياف و العائق الثاني هو الدخول في الجزيئات عند كتابة الدستور.

رغم الانتقادات الدستور المقترح يبدو مقبولا

و في تونس ومن خلال قراءة أولية للدستور التونسي الجديد، ورغم بعض الانتقادات وعدم فهم تأويلات في الفصل الخامس من الدستور المقترح، بدا هذا العمل كاملا متكاملا، وقع التأكيد فيه على ما يلزم تونس من قوانين صالحة لأطول مدة في حياة الدولة، و لوحظ أن عددا من النصوص وضع ردا على عيوب دستور 2014 وأخرى عن قصد لاجتناب تفكك الدولة وإبعاد من يعتبرها غنيمة من كبار المسؤولين و كذلك للتوقي من المهازل التي مر بها مجلس الشعب الإخواني و التجاوزات غير المسبوقة مثل استعمال العنف و دخول إرهابيين إلى صحن المجلس أو تدخل نواب المجلس لتسفير إرهابيين إلى تركيا أو سن قوانين تشريعية مقابل رشاوي بملايين الدينارات لفائدة شركات أجنبية أو محلية.

ويبدو أيضا رغم التأكيد على كل ما هو مفصلي و مصيري للدولة في الدستور الجديد، أن تركيبة الدستور الجديد تنم عن الشعور بالمسؤولية والقناعة بما يجب أن ينطوي هذا المشروع وكذلك معرفة ضافية بطقوس الدساتير في العالم ومتطلباتها الموضوعية.

ومن أهم ما جاء به الدستور الجديد مشروع صائب وهو إحداث تمثيل لكل جهات الجمهورية في مجلس النواب، إضافة إلى جهاز فعلي يعمل باستمرار في الجهة أو المنطقة المعنية. و بهذه الطريقة سيكون صوت المواطنين في المناطق النائية مسموعا أكثر. وفي بقية ما جاء في الدستور نجد فيه منوالا مقبولا نصت عليها كل دساتير العالم.

وهناك حسب رأيي بعض الملاحظات و تخص الفصل الخامس من الدستور حيث كتب أن تونس تنتمي إلى الأمة الإسلامية، وكان من المستحسن تلخيص هذا الفصل في كون تونس دولة مسلمة تطبق قيم الدين الإسلامي الحنيف و بس و هذا كاف جدا لتفادي تأويل تبعية تونس لمن فرضوا على سكانها طقوسا ليست من عاداتها مدة 11 سنة من الجمر عاشت فيها تونس فوضى عارمة لم يسبق لها مثيل.

أغلب الدول الإسلامية العصرية لم يعد الإسلام فيها يمثل أولويات الدولة

وفي نفس السياق نقولها بدون خوف او خجل نحن مسلمون من زمان بالدساتير او بدون دساتير وحفاظا على سيادتنا و مكانتنا في العالم يجب أن نتعظ مما يجري اليوم و نفهم كيف يفكر الغرب و لماذا هذا الأخير لا يحترم المسلمين العرب ولماذا أصبحت شعوب معظم دول العالم المتحضر لائكية (علمانية) رغم أن ديانتها مسيحية أو من شريعة اخرى. وحتى في أغلب الدول الإسلامية الآسيوية المتطورة والعصرية لم يعد الإسلام فيها يمثل أولويات الدولة منذ عشرات السنين، في إيران هي قبل كل شيء فارسية، و تركيا هي قبل كل شيء عثمانية تركية، و الشيشان الدولة المسلمة هي قبل كل شيء شيشانية، وكذلك بالنسبة لباكستان.

و طالما أن الهدف من تغيير دستور تونس هو قبل كل شيء الخروج من الخندق التي هي فيه، أصبح من الأجدى التفكير فيما ينفع العباد لا في الماورائيات و مصير الإسلام في العالم . وحتى إن وجب استعمال كلمة الأمة يكون ذلك مثلا في كلمات الأمة العربية الإسلامية. ولقائل أن يقول كلنا شاهدنا بأم أعيننا ما خلفته من دمار الحروب الأهلية في ليبيا و اليمن و العراق و سوريا و الجزائر باسم الدين. فقد كانت داعش تقطع رأس الأب أمام أبنائه و تزج بالحريم في الحين للاشتغال في جهاد النكاح، وكانت هناك قاعة عمليات داعش في إسرائيل و يقع إرسال جرحى داعش للتداوي هناك واخيرا وبعد أن اتضح مما ليس فيه شك، أن الربيع العربي هو مؤامرة غربية ضد العرب باستعمال الدين الإسلامي وبعدما تأكد كل العالم من أن الدين الإسلامي استعمل لتدمير تونس وقتل جنودها و أعوان امنها، بات من الضروري و من باب احترام مئات الآلاف من العرب المسلمين الذين قتلهم الإرهاب أن يحتوي الدستور كل التأكيد على الانتماء لتونس قبل كل شيء و اقلها إلى الأمة العربية الإسلامية.

وفي تعريج قصير على الانتماء العربي الإسلامي فهو الانتماء الأقل خطرا على دول المغرب لأنه لولا اللغة العربية لما انتشر الدين الاسلامي عامة.

ولا ننسى أن لتونس إرثا عن قرطاج و تاريخها وأصلها وعاداتها القديمة و نظامها السياسي و مراجع تاريخية حول دساتير قرطاج ونظامها البرلماني و تطورها في العالم على جميع الأصعدة، من ذلك مثلا أن روما طبقت كل ما كانت تفعله قرطاجنة في نظامها السياسي وحول فصل السلط، وكيفية تنظيم المدينة la cité.

كما احتضنت تونس اقوى الدول العربية الإسلامية في تاريخ الإسلام مثل الدولة الاغلبية و الفاطمية و كانت دول المتوسط ترتعد من تلك الدول التونسية و ساهمت تونس كأكبر دولة في نشر الإسلام في الأندلس و قاومت الردة البربرية عديد المرات و لم يكن من السهل تطويع البربر الأمة العنيدة. و في يومنا هذا لا يعقل أن الدولة التونسية التي ورثت قرطاج تعجز عن اعادة كتابة دستور يكون جامعا وشاملا.

تلافي سوء التفاهم بين رئيس الدولة ولجنة إعداد الدستور

كلنا يتسائل عن أسباب الزوبعة التي بدأت بمجرد نشر دستور تونس الجديد. واللافت للانتباه هو الإحساس وكأن تونس قدرها هكذا، كل مرة تستفيق على هزات متفاوتة الحدة، سببها عدم قراءة المستقبل لتفادي كل تعطيل أو خسارة. صحيح أن ما تعانيه تونس اختلطت فيه المشاكل الاجتماعية و مسؤولية إنقاذ الاقتصاد التونسي الذي تحسن، بالمشاكل السياسية التي تخلقها المعارضة التونسية في الداخل والخارج، زد على ذلك المواقف السلبية جدا الصادرة عن الدول الغربية.

و يمكن القول أنه لا يوجد أدنى شك في أهل العزم كما سماهم المتنبي و أن نتائجهم لا غبار عليها وهي تتبلور منذ 25 جويلية لسبب واحد وهو التشمير على الساعد و التفكير الواقعي و العمل في صمت.

و شخصيا يبدو لي أن سبب الخلاف في مادة الدستور قد يكون التفكير غير الواقعي و اعتبار الدستور بمثابة درون Drone تقع برمجته و هو الذي سيقوم بكل المهام وهو نفس الخطأ الذي ارتكبته النهضة. النهضة لأنها لم تكن تتصور أنها تصبح يوما مسؤولة عن مصير تونس فكتبت دستورا نظريا على قياسها. و اليوم وقع شيء شبيه بذلك و كان بالإمكان تلافي سوء التفاهم بين السيد الرئيس واللجنة التي قامت بإعداد الدستور.

وأعود الآن إلى سوء التفاهم مع اللجنة التي أعدت الدستور و تمنيت لو تلقت شكرا وامتنانا وتقديرا لها بل تقع دعوتها لاستشارتها في بعض النقاط ولما لا في اختصار نص الدستور و الاكتفاء بالأحكام الجوهرية العامة لأن النزول إلى مستوى الجزئيات طريقة غير محمودة وقد تمثل في المستقبل عائقا أمام كل تعديل محتمل في الدستور.

إن اقتراحي هو مراجعة الدستور للاكتفاء بدستور جامع و شامل لكل التونسيين بدون استثناء. لأن المطلوب عند إعداد الدستور هو التفكير في تسيير الشأن العام و بناء نمط اجتماعي ناجح بطبعه دون فرض تعديلات ديماغوجية غريبة وليست من الواقع. و في الأخير يبقى الهدف هو حصانة الدولة و التفكير الدائم في أسباب قوتها و وحدة شعبها و قراءة المستقبل قبل جيل من الزمن على الأقل.

وانشاء الله بالتوفيق و النجاح لتونس و سيادة رئيس الجمهورية، حتى تستعيد بلادنا توازنها في جميع المجالات و ينسى التونسيون الحالة التعيسة التي عاشوها أكثر من 11 سنة.

و عاشت تونس حرة منيعة أبد الدهر .

عقيد من الجيش التونسي مختص في القانون الدولي للنزاعات المسلحة.

شارك رأيك

Your email address will not be published.