فجر هذا اليوم 10 جويلية 2022، تجدد إحداث الضجيج من أحد الجوامع هنا بريف سيدي بوعلي. حيث التوقيت توقيت فجر و مازالت السماء بنجومها مرصعة و السكون يلف الدنيا، تقوم الأبواق هكذا بلا سبب وجيه و ينطلق بث أدعية مسجلة بأصوات عالية طبعا في استخفاف تام براحة الإنسان و حاجته الطبيعية للنوم و الهدوء و لاسترسال النوم و عدم تقطعه.
بقلم سهام ابن عبيد
و هذا ليس بأمر جديد، فلقد أخذوا في تكرار هذه الممارسات منذ مدة طويلة. و لم يواجهوا بحزم و بقوة لا من السلط التي هي مشاركة في هذا، و لا من المجتمع الذي هو متواطئ و منافق. فتمادوا. و ليست بعض أصوات هنا و هناك ترفض و تنتقد بمشكلة قلقا كبيرا أو خوفا لهم.
أين صحة التونسي في هذا ؟ في مهب الريح. نقطع عنه النوم و نوقظه بالجلبة و الأبواق و مضخمات الصوت تدفع إلى جسده و إلى عقله بدرجات خيالية من الدسبال.
ثم نتحدث عن نسب عالمية لمرض ارتفاع ضغط الدم و لمرض السكري و للأمراض النفسية و العصبية و تلك المنجرة عن ظغوط نفسية و عصبية. و نتحدث عن تردي لنوعية الحياة و لرغبة التونسي في الحياة و العمل و البقاء في بلاده.
لا يجب أن نبحث كثيرا.
يديرون الشأن العام بفكرهم المتخلف و المتحجر
طبعا، يحدث كل هذا لأن كل من هو جاهل أو محدود الذكاء و الفهم و العلم و كل من هو متغلف بغلاف ديني “مزيف”، كلهم تم استقطابهم و تمكينهم من مواقع و سلط. نجدهم على المنابر و الجوامع، نجدهم في الخطب، نجدهم في الإدارات و المؤسسات. ها هم في البريد و المستشفيات، يطبقون نظام فصل بين الجنسين و يتفانون فيه و في التحقير من المرأة و الفتاة خاصة تلك المتعلمة ذات الشخصية و التي رفض و تنتقد.
نجدهم في المدارس و المعاهد يدمغجون عقول الطفولة و الشبيبة. يفسخون عنهم حس العقل و التساؤل و التفكير. و ينزعون عنهم كل اختلاف و كل ذاتية و كل شخصية خاصة. و يحشون ما تبقى من متسع في عقولهم الطرية بالأفكار التي تصغر المرأة على حساب الرجل و الذكر و التي تضع الجسد و الرغبات موضع الاتهام و الحرام و المساءلة و الغلق.
نجدهم في مراكز السلطة، في البلديات و المعتمديات، يديرون الشأن العام بفكرهم المتخلف و المتحجر. نجدهم في مراكز الأمن، يطبقون القانون بزوايا نظر ذاتية. في كل مكان.
ينظرون للرجعية، يطبقون القشور من الدين، ما ضعف و ما ليس لنا به حاجة و ما لا يعدو أن يكون قراءات ذاتية تكرر عن و عن و عن و تعود لشيوخ الظلامية و اللافكر.
اقصاء العقل و اقصاء الحرية الإنسانية الفردية
لننظر عن قرب و نتفحص هذا المجتمع التونسي الهجين ماذا أصبح : أعمت الأفكار الدينية المسقطة العقل السوي. تجدهم عائلات و أولياء، تربوا على الحرية و عدم المساس بالشخص الفرد حتى و إن كان طفلا و خاصة إن كان طفلا. يتغيرون تحت تأثيرات الأطروحات و الأفكار السامة. لتصبح فكرة القيام للصلاة و إيقاظ ذاك الطفل أو الشاب من نومه الذي هو أهم شيء على الإطلاق لصحته لنموه و اتزانه، و قطع نومه و دفعه للصلاة.
سيطرت هذه الأفكار السطحية و الممارسات الغبية تماما على عقول الكثيرين. و هناك من يجود، فيوقظ الطفل المسكين ليقرأ قرأنا و ليستمع لقرآن او دعاء أو ما شابه.
طبعا، لا يهم المغزى و المعنى الحقيقي و مدى استطاعة الشخص أو الطفل القيام بهكذا طقوس و مدى انتفاعه الحقيقي من هذا كله. المهم فقط الشكليات. هذه هي العقليات السائدة : اقصاء العقل، اقصاء الحرية الإنسانية الفردية، منع الفرد و الطفل و الشاب من الاختيار و من التصرف بحرية و حسب رغبته و حاجته الجسدية و الطبيعية.
يحيلني هذا لما اكتشفه الرأي العام من ممارسات في محتشد الرقاب أين كانت تمارس على الأطفال تربية متشددة صارمة مانعة لكل حرية و فردية و للشخصية الذاتية للإنسان و للطفل في طور التشكل.
تونس كلها ‘محتشد الرقاب’. لا تختلف كثيرا عنه
في الحقيقة، تونس كلها ‘محتشد الرقاب’. لا تختلف كثيرا عنه. تسيطر على مجتمعها و عائلاته فكر التزمت و إلغاء الفرد و رأيه و شخصيته و اختلافه. و هذه العقلية و الممارسة تمارس قهرا على الطفل لعجزه أمامها و ضعفه، و عجزه عن الرفض و التحرر. و هذا القهر الذي يعيشه الكثيرون بيننا ليس إلا طاقة سلبية كبرى تعتمل داخليا، تسبب كل أنواع الأمراض و العلل و تنبىء بالأسوأ.
و هي ممارسات أخذنا عددا منها من دول المشرق و المنطقة العربية. أين تركزت أنظمة سياسية دينية ترهب المواطن و تحرمه كل حرية و كل حق. و ترغمه على نمط حياة و سلوكات و ممارسات و تجبره على تقبل أي شيء مهما كان و مهما كانت مضاره او عدم جدواه.
فنحن نرى و نشاهد كل تلك الاحتفائيات و الاحتفاليات و التمجيد لفكر حماس و حزب الله و غيرهما من التيارات التي تحكمت بالشعوب. فكر و ممارسات تشكل عقلا و شخصية و عقلية عامة أساسها الموت و “الاستشهاد” و نبذ الحياة. يربى فيها الطفل منذ أن يفتح عيناه على الموت و الرغبة فيه، يصورونه لهم جميلا رائعا منية لهم مبتغى. في حين يربى الطفل في أصقاع الأرض على حب الحياة و الرغبة فيها و على النشاط و الحرية و الإبداع و الفن و الرياضة و الفرح، الخ. و يغرسون في العقول منذ تشكلها فكر الظلام و نبذ الألوان و تحريم كل شيء جميل و حصر الأنثى في زاوية هي سجن لها و للمجتمع و للذكر على حد السواء.
أحياء كاملة ترزح تحت كميات صوتية رهيبة تصم الآذان و العقول
لكم أن تجولوا في البلاد، تونس، يوم الجمعة لتكتشفوا حجم الكارثة، أحياء كاملة ترزح تحت كميات صوتية رهيبة تصم الآذان و العقول. و تحتها و بها يتربى أطفالنا ضعفاء مقموعين مدمرين صحيا، تتسرب لعقولهم و أجسادهم الصغيرة هالات من الأصوات المضخمة.
أتكلم مثلا هنا عن وسط مدينة تونس و محيط ساحة برشلونة، عن محيط جامع الفتح بالقرب من محطة الجمهورية أو الباساج،أتحدث عن شارع الاستقلال بباردو، اتحدث عن كل هذه الأحياء التي ترزح تحت الأبواق تصم الآذان. و نمر و ننزعج و ربما نضع أصابعنا في آذاننا..و ننهي شؤوننا جريا و نبتعد. لكن لا أحد مسؤول يقف ليتساءل ما ذنب هؤلاء من هم بالجوار، ما ذنب الطفولة و كبار السن و المرضى و غيرهم و غيرهم ؟!!!
و حتى هذه التسجيلات لقرآن أو أدعية التي توضع بالفجر، فمنطقتي ليست الوحيدة. كثيرة هي الجوامع التي تبث و لا تكترث لنا و للمتساكنين قربها. و أخرى و أخرى..كل يبث كما يشتهي و يرغب، متى حلا له.
أعيدها و أقول، هذا هو الجهل المقدس. و كلنا ندفع الثمن من صحتنا و صحتا العقلية و صحة آذاننا و صحة أطفالنا، اليوم و في المستقبل.
مواطنة.
شارك رأيك