تونس : نعم للدستور… نعم للتغيير… رغم التحفظات

ما المانع أن نجرب الجديد لكن بتؤدة وبتحرٍّ كبير حتى لا نقع في مطبات وقعنا فيها سابقا، وما المانع أن نقول نعم للدستور الجديد حتى وإن كانت لدينا ملحوظات فالتغيير ممكن في كل الأحوال، لأن السلطة للشعب ومن الشعب، ولا مجال للتحايل على الشعب إن كان الهدف هو تحقيق مطالب الشعب.

بقلم فوزي بن يونس بن حديد

قرُب موعد الاستفتاء على الدستور الجديد الذي وافق عليه رئيس الجمهورية التونسية بعد سجال كبير حول بنوده ومواده، ونقاش كبير وحاد بين الأحزاب والمنظمات حول مدى جدّية الدستور وتطبيقه على أرض الواقع ومدى ما يحمله من انطباع سيء لدى كثير من المنتمين للأحزاب السياسية والمنظمات المدنية التي تخشى جميعها العودة إلى الدكتاتورية وسُلطة الرئيس الواحد أو الحزب الواحد، فهذا الخوف المتنامي عند هؤلاء هو الذي أجّج الخلاف بين الموافقين والمعارضين وبات على أشدّه.

النخبة و فوبيا الرئيس

وبات في حكم المؤكد إجراء الاستفتاء رغم المعارضة الشديدة التي أبدتها حركة النهضة ومن والاها، وللشعب التونسي كلمة فيه بين السلب والإيجاب، بين أن يقبله فتحدث جمهورية جديدة مختلفة عن سابقاتها التي آثرت النظام البرلماني ولم ينجح طيلة السنوات العشر الماضية، واختار أن ينتقل إلى نظام رئاسي جديد يتمتع فيه رئيس الجمهورية بصلاحيات واسعة تخول له أن يعين مجلس الوزراء ويتابع أعمالهم ويكون

المسؤول الأول عن الدولة بينما يبقى مجلس النواب للتشريع، وبين من يرفضه جملة وتفصيلا لأنه يرى فيه الاستبداد والديكتاتورية وسلطة الفرد الواحد وهو السبب الرئيس الذي جعل هذا الفريق يتوجس منه خيفة لأنه في الأساس يعاني من فوبيا الرئيس بعد أن رأى ما رأى في عهدي بوقيبة وبن علي. وفي حقيقة الأمر يأتي الاستفتاء بعد أن ملّ التونسيون من حديث السياسيين في الفترة الماضية ومن خصوماتهم التي وصلت حدّا لا يطاق، فكان لا بد من التدخل السريع لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وتغيير وجهة البلاد إلى نظام جديد يكون مختلفا اختلافا كليا عن سابقه يمتاز بالتجديد والقابلية للتفعيل والتغيير وقتما وجد الشعب التونسي أنه لا يحقق مطالبهم ولا ينظر في مشاكلهم، أو أنه غير قادر على تغيير أوضاعهم في فترة وجيزة، ومن هنا كان الحرص من مؤسسة الرئاسة على تمرير هذا الدستور الجديد ليرى التونسيون أن البلاد تغيرت وأن نظام الأحزاب قد ولّى إلى حين.

مراجعة الدستور مرة أخرى بعد تشكيل مجلس النواب

كما أن الحق ينبغي أن يُقال، وهو أنه ينبغي مراجعة الدستور مرة أخرى بعد تشكيل مجلس النواب ومراجعة فصوله فصلا فصلا، وإبداء
الملحوظات والتغييرات ورفعها لرئيس الجمهورية واللجنة المكلفة بصياغة الدستور لمراجعتها والنظر فيها وإبداء المشورة ليتحقق التكامل
وتنمحي الصورة الكئيبة التي رسمها البعض في أذهاننا من أن رئيس الجمهورية رئيس منقلب مستبد ديكتاتوري مريض لا يعرف ماذا يفعل وليست لديه الخبرة الكافية لإدارة الأمور وغيرها من الاتهامات التي دأب الآخرون على إلقائها لأنهم يشعرون بالقهر مما يقوم به الرئيس في الفترة الحالية، ولم يقدروا على المواجهة والمماحكة.

ورغم كل ذلك ما المانع أن يشهد الشعب التونسي عهدا جديدا ونظاما جديدا مختلفا عن النظام الذي كان سائدا خلال السنوات العشر الماضية،
وعن النظام الذي كان قبلئذ في عهدي بورقيبة وبن علي، يكون نظاما رئاسيا ديمقراطيا على طراز كثير من الأنظمة الديمقراطية في العالم
كالنظام الفرنسي أو النظام الأمريكي أو حتى النظام التركي الذي انتقل من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي بعد أن رأى أن النظام البرلماني يعيق كثيرا من التشريعات ويؤخرها بلا مبرر، بينما الشعب يرى ضرورة التسريع في اتخاذ القرار حتى لا تتأخر مصالحه وتتراكم مشاكله كما حدث للشعب التونسي إبان السنوت العشر الماضية.

ما المانع أن نجرب الجديد لكن بتؤدة وبتحرٍّ كبير حتى لا نقع في مطبات وقعنا فيها سابقا، وما المانع أن نقول نعم للدستور الجديد حتى وإن كانت
لدينا ملحوظات فالتغيير ممكن في كل الأحوال، لأن السلطة للشعب ومن الشعب، ولا مجال للتحايل على الشعب إن كان الهدف هو تحقيق مطالب
الشعب، وبالتالي لا غرو أن نرى من الشعب التونسي من يرنو إلى واقع مختلف عن الواقع المرير الذي عاشته تونس، وأن يرى نوابا يبحثون في سبل الارتقاء بالمعيشة نحو الأفضل، ولا غرو أيضا أن نرى في الجهة المقابلة من لا يكتفي بالمعارضة بل يسعى إلى تخريب الاستفتاء بكل الطرق.

شارك رأيك

Your email address will not be published.