تونس : المعارضة ترفع صوتها والرئيس قيس سعيد لا يبالي بالانتقادات

تعارضت الآراء حول نتيجة الاستفتاء الدستوري الذي جرى في تونس يوم الخامس والعشرين من جويلية بين موافق بشدّة ومعارض بشدّة وبين من لا يبالي بما حدث، لكن هناك كما يبدو هجومٌ شرس من المعارضة وبعض القنوات الفضائية العربية والأجنبية على ما حدث باعتباره تمديدا لحالة الهيستيريا التي يعيشها رئيس الجمهورية التونسية السيد قيس سعيد كما يروجّ لذلك الكثير منهم.


بقلم فوزي بن يونس بن حديد

لكن هذه المعارضة لا تملك في الحقيقة إلا الثرثرة في وسائل الإعلام المختلفة، واتخذت من الحديث عن غياب الديمقراطية في تونس شمّاعة لإسقاط مشروع رئيس الجمهورية مهما كلّفها الثمن، والدليل أنها لا تملك مشروعًا توافقيًّا يمكن أن يطيح بمشروع مؤسسة الرئاسة، ولا تملك القوة والكاريزما اللازمتين لتمرير ما تعتقده من ديمقراطية، لذلك هي تترنح بوجوه باهتة لا تملك رصيدا شعبيًّا كافيًا لتغيير موجة أحدثها رئيس الجمهورية وهو يواصل مسيره ويشق طريقه نحو الإصلاح السياسي في تونس حسب رأيه.

ديمقراطية الفوضى الخلاقة

ورغم الانتقاد الأمريكي الشديد الذي حدث على لسان وزير الخارجية الأمريكي انتوني بلينكن من أن الديمقراطية في تونس تتراجع بشدة، فإن الرئيس قيس سعيد يبدو أنه لا يبالي ويستمر في مشروعه وكأن لم يكن لأنه يعلم يقينا أن أمريكا التي تتشدّق بالديمقراطية وتنتقد الدول بتراجع الديمقراطية فيها تمارس هي نفسها الديكتاتورية بعينها مع شعبها فلماذا لا يرى بلينكن ما حدث في بلاده إبان الانتخابات الرئاسية الأخيرة وما حدث من شرخ كبير في العملية الديمقراطية التي تشنّف بها أمريكا آذاننا وهي الدولة الامبريالية الاستعمارية التي تتدخّل في شؤون الدول الأخرى دون استئذان وتسمع لأصوات لها حاجة في نفس يعقوب.

ما حدث في تونس يمكن أن يحدث في أي دولة، ونقولها حقيقة سئمنا من الحديث عن الديمقراطية المزيّفة التي أنهكت الدول العربية جميعها ومنها تونس، بل أصبحت هذه البلدان بفضل هذه الديمقراطية تعيش الفوضى الخلاقة التي أرست قواعدها الولايات المتحدة الأمريكية بالتعاون مع أزلام الداخل لتسويق الأحلام المزيفة ونشر القطيعة بين أبناء البلد الواحد.

أهمية التحوّل إلى نظام جديد

فالاستفتاء في جوهره مهم جدا، لأنه يحكي مستقبل بلاد عانت من ويلات الصراعات الحزبية بعد انهيار نظام بن علي، وعانت من حكومات لا تصمد إلا قليلا أنهكت ميزانية الدولة وجعلتها تغرق في بحر من الديون الثقيلة، وأثرت على شبابها الذي هاجر إلى أوروبا وعرّض نفسه للموت من أجل الحصول على الكرامة والعزة التي لم يجدها في بلده الأم، نتيجة تغوّل السياسيين وأصحاب الأموال والنفوذ الذين لا يهمهم إلا مصالحهم الشخصية، فتحوّل البلاد إلى نظام جديد في هذه المرحلة مهم جدا وضروري وملحّ لتغيير نهج السياسة في تونس.

فالشعب التونسي منقسم اليوم، ولكن قد يتحد غدا إذا رأى منافع التحوّل إلى نظام رئاسي يعيش الشعب في ظلّه وينعم بالاستقرار والأمن، وبعد الاستقرار السياسي ونشر الأمن في كل ربوع البلاد، تتجه الدولة إلى الإنعاش الاقتصادي وهو ممكن رغم الصعوبات الجمة والتركة الثقيلة جدا، وهذا لن يحدث إلا إذا فهم التونسيون جميعا التركيبة الجديدة للدولة العصرية حيث السلطة للشعب لا للحزب وحيث النظام رئاسي، يكون فيه رئيس الجمهورية المسؤول الأول في الدولة، يعيّن الحكومة وتكون تحت المراقبة الدورية، مع ضرورة إكمال المشهد السياسي بانتخاب مجلس النواب ومجلس الأقاليم، تكون مهمة الأول تشريعية بينما يختص الثاني بالأمور المحلية.

فلا يمكن أن نعيش الديمقراطية في تونس إلا بالتوافق بين الشركاء السياسيين والرجوع عن الزندقة السياسية التي تمارسها بعض الأحزاب وبعض السياسيين الذين لا همّ لهم إلا اعتلاء عرش الحكم والتسلط على الناس بأفكارهم المنحلة التي لا خير وراءها بل عانى منها الشعب التونسي طوال عقد من الزمان وما زال يعاني منها إلى اليوم لإصرارهم على ما اعتقدوه ديمقراطية وهو في حقيقة الأمر ما هو إلا سراب يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا.

شارك رأيك

Your email address will not be published.