أحلام مستغانمي فوق مجدكم الشخصيّ : تونس تشهد بأنها إبنتها وهؤلاء… خسروها!

المُبدِعُون في العالم العربيّ يُعدّون على رؤوس الأصَابع… هكذا قال نزار قبّاني في “الكتابة عمل انقلابيّ”، إنّهم نقطة ضوء بين الأجيال والنَّذير الأوّل الّذي لا يكونُ معنيًّا إلاَّ بإنقاذِ الآخرين وبمآسيهم. من هؤلاء الكبار السّيدة الأديبة أحلام مستغانمي الأديبة الّتي دافعت عن أصغر التّفاصيل الّتي تعني عالمنا العَربيّ، مُعيدةً توثيقها في كتب بإمكانها أنْ تتحدّث -ببوح لا يخفت- عن ذاكرات أوطان كثيرة مُثقلة من الجُرح إلى الجُرح، ومع أنّها واحدة من المُبدعين الكبار القلائل، يُحاول البعض أنْ يغتنمَ أيّ هفوة لها ليصنع منها شهرة له وصيْتًا افتراضيًّا، حتّى إنْ تعلّق الأمر بمترٍ من القُماش!

بقلم محمد الخزامي 

أخجلني جدًا كتونسيّ أنْ تتعرّض السّيدة أحلام إلى هجمة افتراضيّة مُمنهجة من تونسيين نسوا قبل كل شيء أنها قد كتبتْ عن تونس قبل كثر وكانت من الأوائل الذين يكتبون عنها في كلّ الحوادث الّتي تقع قبل كبار السياسين والإعلاميين أنفسهم، نسوا حديثها عن الشّهيد شكري بلعيد قبل سنوات، ودعمها لإرادة الشعب التونسي، ونسوا أنها كانت المرأة المبدعة الوحيدة التي لم تمد يدها لتصافح أصحاب أنظمة تونسيّة سابقة، لثقتها أنّ حسابات التاريخ تكبر مع العمر، نسوا حثّها ودعوتها الجهات المسؤولة لإخماد حريق سابق، فأحلام لفرط حبّها لتونس تُعد تونسيّة، وأيضا بشهادة أول يدين أنجبتاها؛ يدَا الدكتورة التونسيّة توحيدة بن الشيخ.

فقهاء الشأن الافتراضيّ و”شرطة الموضة”

لكن ذاكرة البعض نست كل ذلك دفعة واحدة، وراحُوا يتهمونها بالسّطو على تراث تونسيّ لمجرّد نشرها لصورة فتاة من إحدى الحسابات الجزائريّة ظنًّا منها أنّها تعود إلى تراث جزائري و دون أن تنتبه إلى أنّ الصورة تعود في الأصل إلى صفحة معنية بحياكة الملابس التونسيّة.
وهكذا اختلف حولها في الحال فقهاء الشأن الافتراضيّ و”شرطة الموضة”، وصفحات الانفلونسر اللواتي تركن مبيعاتهن الافتراضيّة المعروضة لللايكات ورحنَ ينظمن حملة سخيفة متهمين كاتبة كأحلام مستغانمي بالسّطو على التراث التونسيّ!

في فوضى الانترنت يمكن لأيّ متصفح أن يخطئ في مصادر بعض الصّور، حتى أنّ الأمر بات صعبًا على الصحفيين اليوم فكيف عن الباقين؟ (نحن ننقل آلاف الصور اليومية على الانترنت مغلوطة النسبة دون أن نعي)، وكم تناقل البعض صور حروب وفظائع يتضح لاحقا أنها قديمة أو أنها مجرد شائعة أو لا تدور في البلد الذي رُوج على أنّها تجري فيه.

أما عندما يخطئ شخص معروف ولا سيما كاتبة تضم 14 مليون متابع، في نقل أصل صورة  يصبح اسمها فداء للكل في وسائل” التناقل” الافتراضي!

المثير للسُّخرية والغضب في آن أنّ مطلقي الحملة من الصفحات التونسية لم يتوقّفوا عند أمتار القماش، بل تحللت “خيوطه” لتُصنعَ منه قضيّة على المقاس، واجدين في ذلك طريقًا قصيرًا إلى الشهرة باسم الدفاع عن التراث.

أفمن أجل مجد شخصي مؤقت نخسر كاتبا سخّر كل وقته للكتابة عن أوطاننا ! 

روائية لا تفصل إلا الكلمات

ما نعرفه جميعا هو أن أحلام مستغانمي لا تفصّلُ إلّا الكلمات، وهي وحدها الّتي تعرف كيف تصنع منها ثوب رواية أو جمل تتجمّل ببريق خاطفٍ، فما حاجتها إلى مُفاصلة ثوب أو “سرقته” كما يكتب؟ إنّها لا تُخيط إلا من نسيج اللغة ما يعجزُ عن صناعته كبار المصمّمين.

أأحلام في حاجة إلى أخذ صورة كتلك أصلاً ؟ كلّ ما فعلته أنّها حاولت دعم ذاكرة تراثية خاصة، ولم تكن على علم أنّها مأخوذة عنْ صفحةٍ تونسيّة ما، أليسَ من المُعِيب إذن أنْ تُحاسَب وكأنّها من سرقت التُّراث برمته وهي التي ارتدتْ أثوابا مغاربية تراثيّة في كبرى المحافل؟

صفحات كثيرة كتبت ونقدت وأعطتْ القضيّة أكثر من حجمها لحدّ أنَّ البعض ذهب إلى حدّ إمهال الكاتبة 24 ساعة قبل مقاضاتها رسميًّا إن لم تقمْ بمحو الصورة،  وذلك استعانة بمحامٍ وجد هو الآخر فرصة ذهبيّة في ذلك لتلميع اسمه على حسابها والظُّهور بمظهر المدافع عن التُّراث جاهلاً في النهاية أنّ تراث المغرب العربي ككل  هو تراث مشترك، ومن المضحك أنْ نظلّ ننسبه إلى هذا وذاك، إنّه هوية مشتركة بدليل أنّه يستهلم من نفسه ليمدَّ أذواقًا جديدة وأفكارا عصريّة أكثر، وأثناء انشغالنا بمحاربة بعضنا البعض على أسمال الأقمشة تمزّقت قضايانا الأهمّ وأصبحنا عاجزين عن تغطية هواننا.

أحلام مستغانمي تستحقُّ منّا اعتذارًا رسميّا، بقدر حبّها لتونس… اعتذارًا كبيرًا لأنّ لاَ خيرَ في أمّةٍ تجرؤ على المَساس بكبارها القلائل والتنكيل بهم بدل محاربة من سرقها حقًّا وأخذ أمتارا من أراضيها وأحلامها، ولا خير في أمة تخوّن كاتبًا قضى عمره وقوفًا ورافضًا الجلوس على المبادئ كما تقول أحلام.

أذكر أنّها في إحدى منشوراتها وهي تدخل عالم الانترنت قد قالت بما معناه مرة “إنني لا أزال في روضة التكنولوجيا”، أيّ أن معرفتها بوسائل التّواصل مُتواضعة إلى حدّ ما فكيف في إمكانها أنْ تصبح مُدققة أزياء !

ما جرى كان مُعيبًا جدًا وآلمني أكثر كتونسيّ لا سيما أنّ أحلام مستغانمي التزمتْ الصَّمت لئلا تتحوّل صفحتها إلى مجالٍ للفِتن وفرصة لتعشش الكراهيّة والعِدائيّة في قلوب البعض أكثر وفي وقتٍ صعب يمرّ به عالمنا العربيّ ككل!

كاتب تونسي.

شارك رأيك

Your email address will not be published.