الشباب التونسي في خطر

الشباب التونسي يرى أن التعليم في تونس ليس هو الحل، بل إن الهروب من الواقع هو الحل، فهو لم يعد ينظر إلى الهدف بعيدا بل يراه قريبا ويريد أن يعيش حياته بسرعة ويصل إلى مبتغاه بسرعة وبأقصر الطرق، لا يريد أن ينتظر كما انتظر آباؤه وأمهاته، هو يريد أن يختصر المرحلة ويحرقها، كما يفعل ذلك واقعيا عندما يحرق قلوب عائلاته وهم يغامرون ويتحدون أمواج البحر العاتية في البرد الشديد أو الحر الشديد، من أجل أن يحصلوا على تأشيرة دخول ولو غير قانونية إلى البلدان الأوروبية التي بدورها تعاني اليوم من أزمات متلاحقة نتيجة الحرب الروسية على أوكرانيا والنظام العالم الجديد.


بقلم فوزي بن يونس بن حديد

لم يعد الشباب التونسي يطيق العيش داخل بلده لأسباب يراها منطقية، ويرى أنها تجبره على الخروج من تونس بحثا عن الحياة الهادئة المطمئنة والمقابل المادي المجزي الذي يكفيه هو وعائلته من العوز والفقر والبطالة التي كانت تخنقه وهو في بلده.

الشباب التونسي يرى أن التعليم في تونس ليس هو الحل، بل إن الهروب من الواقع هو الحل، فهو لم يعد ينظر إلى الهدف بعيدا بل يراه قريبا ويريد أن يعيش حياته بسرعة ويصل إلى مبتغاه بسرعة وبأقصر الطرق، لا يريد أن ينتظر كما انتظر آباؤه وأمهاته، هو يريد أن يختصر المرحلة ويحرقها، كما يفعل ذلك واقعيا عندما يحرق قلوب عائلاته وهم يغامرون ويتحدون أمواج البحر العاتية في البرد الشديد أو الحر الشديد، من أجل أن يحصلوا على تأشيرة دخول ولو غير قانونية إلى البلدان الأوروبية التي بدورها تعاني اليوم من أزمات متلاحقة نتيجة الحرب الروسية على أوكرانيا والنظام العالم الجديد.

البحث عن الفتات الأوروبي ولو من وراء البحار

يعيش الشباب التونسي فراغًا روحيًّا كبيرًا لذلك نجده يتنصل من جميع المسؤوليات ويُوقِع نفسه في الإحراجات مع أقربائه ووطنه ومجتمعه، عافَ العيش داخل وطن لا يوفر له أسباب الراحة والوظيفة والسكن الملائم، لا تهمه القيم والمبادئ والأخلاق فهي ليست من أولى أولوياته، بل أضحت المادة هي الوجهة الأولى، وبدونها لا يستطيع أن يحيى ولو فعل ما فعل.

سيطرت عليه هذه الفكرة وبات متسولا في كل مكان يبحث عن مكان آمن تاركا هُويته وتراثه وتعليمه وانتماءه ووطنيته، لم يعد يهمّه كل ذلك، بل صار يبحث عن الفتات الأوروبي ولو من وراء البحار، فعندما يشاهد ما يعيشه المهاجر في بلده من ترف تستاء نفسه وتدعوه إلى الهجرة بأي ثمن لأنه لا يستطيع أن يحقق مبتغاه ولو ظل سنوات وسنوات، فعمره يمضي بسرعة وبدا الشيب يهزّ لحيته وشعره وأصبح الزواج من المُستحيلات بعد أن كان من المُمكنات، والزوجة المنتظرة تشترط مهرًا وبيتًا ومصاريف تثقل كاهله كل يوم، والأبناء المنتظرون يريدون العيش مثل أقرانهم الآخرين غير محرومين من الضروريات والكماليات، والأسعار ملتهبة والوظائف منعدمة والرواتب هزيلة.

فالشباب التونسي اليوم صاحب الشهادة أو بدونها لم يعد يقتنع بالعيش داخل تونس، ضاقت به الدنيا من كل مكان، حتى لم يعد يرى النور إلا في الخارج عبر البحار والمحيطات، وهو شأن كل شاب عربي تعرّضت بلاده للفوضى وسخرية الديمقراطية التي ما فتئ الغرب يغرسها في عقول وقلوب السياسيين وكأنها المخرج الوحيد مما نحن فيه. غير أن الشباب التونسي لم يقتنع بالديمقراطية التي أتت لأنها لم تحقق له شيئا على الأرض، ولم تصنع أجيالا صالحين، ولم ترسّخ مفهوم العدل بين المواطنين، ولم تُطوّر الواقع الاقتصادي والاجتماعي المتردي والمُشين، ولم توجد الحلول المناسبة للمشاكل المتراكمة، ولم توفر الخدمات الأساسية للضرورات المجتمعية، بل عمّقت الجروح وشتتت العائلات ومزقت العلاقات، وأهلكت الشباب والشابات، ودفعت الجميع للهروب.

كيف الخروج من حالة اليأس والقنوط والكبت والضياع ؟

هرب الشباب بحرًا وجوًّا وبرًّا من تونس، وبدأت البلاد تشهد تصحّرا كبيرا وهجرة غير مسبوقة، لها تأثيراتها الكبيرة على البلاد حاضرا ومستقبلا، لجأت الكثير من العائلات إلى بيع أراضيها وما تملك من عقارات من أجل أن يخرج أبناؤها من حالة اليأس والقنوط والكبت والضياع إلى حالة من الاستقرار والهدوء، هناك حيث لا تضيع الحقوق وهناك حيث حقوق الإنسان.

هرب الشباب من تونس لأن حقوقه قد ضاعت، ولأنه يرى أن البلاد صارت فوضى عارمة تسبب فيها السياسيون والأحزاب المتناثرة التي مازالت ترتع وتركض وراء مسمى أجوف اسمه الديمقراطية أو اسمه المسار الديمقراطي، فالسياسيون في واد والشباب في واد آخر لا يلتقيان، وقد يشكل ذلك أو حتمًا خطرا كبيرا محدقا في البلاد يمكن أن تتحول إلى انتكاسات بالجملة ما لم يستيقظ أصحاب القرار والنفوذ والمال وذلك بأن يحتووا أبناء تونس ويشملوهم بالرعاية التامة للخروج من المأزق الروحي والفكري والمادي.

الشباب التونسي في خطر، وهذا يعني أن البلاد كلّها في خطر، وهذا يعني فوضى بلا حدود، وهذا يعني نهاية الدولة إذا لم تقم من سُباتها وتخطو خُطوات عملاقة نحو الأمام لمصلحة تونس والشباب، فهم عماد البلاد وقُوّتها وعزّتها، وبهم تنهض ويشتدّ عودها وتزدهر، وبدونهم تظلّ بلدًا فاقدًا للأهلية.

شارك رأيك

Your email address will not be published.