من سينقذ تونس من الانهيار و الفوضى و ربما الحرب الأهلية ؟

 لم يعد مقبولا أن يعطى الشعب في تونس الوقت للوقت حتى تتغير الأحوال إلى الأحسن خاصة أن سياسة حكومة نجلاء بودن و رؤية الرئيس قيس سعيد قد أثبتت فشلها بالطول و العرض و لذلك  لم يكن مفاجأة أن ترتفع كثير من الأصوات منادية بتدخل الجيش لحماية الشعب من سلطة باتت تمثل خطرا على السلم الاجتماعية تحت كل العناوين. وهو أمر غريب و خاصة في تونس حيث ظل الجيش دوما يتجنب التدخل في المسائل السياسية. وهو موقف مشرف و ينم عن حكمة كبيرة لا نجدها عند بقية الجيوش في عالمنا العربي. و لكن إلى متى سيظل الوضع يذهب من سوء إلى أسوأ ؟

بقلم أحمد الحباسي

 ساء الوضع في تونس حدّ التعفن و بات واضحا أن الرئيس قيس سعيد قد فشل حتى في إدارة الفشل بل تعدّى ذلك ليصبح الشخص الذي يمثل الخطر الداهم وهو المصطلح الذي برر به محاولته الانقلابية على القسم الذي أدّاه كرئيس للدولة متعهدا بحماية الوطن و المواطن ليصبح اليوم مصدرا للخطر و أحد العوامل الأساسية في الأزمة الخانقة التي تمر بها البلاد منذ تاريخ توليه للسلطة في عام 2019.

لقد بات مهمّا أن نعرف كيف وصل الرجل للسلطة و من أدار تلك الحبكة الانتخابية التي جعلته يتربع على كرسي الرئاسة وهو الفاقد للتاريخ السياسي و لكل مقومات القيادة الرشيدة الذي تتطلبها المرحلة و كما لا يزال البعض يبحثون ماذا حصل من ألغاز و أسرار أثناء مراحل التدافع الاجتماعي الذي أدى إلى رحيل نظام الرئيس زين العابدين بن علي فلا بد أن يفتح ملف كيفية انتخاب الرئيس قيس سعيد و وصوله السهل إلى دفة الحكم.

الغموض القاتل الذي يتسبب في ارتفاع منسوب الحيرة لدى المواطنين

 لماذا ظهرت و تعالت كثير من الأصوات  سواء على مستوى المواطنين أو المنظمات القومية أو مؤسسات المجتمع المدني لتطالب الرئيس بفتح حوار و التعبير بصورة واضحة أنه لا يزال متقيدا بالقسم الرئاسي و أنه لا يسعى فعلا لتجميع السلطات  لضرب المؤسسات و التعدي على حرية التعبير إضافة إلى التمسك بمكتسبات الدولة التونسية و على رأسها مجلة الأحوال الشخصية و الحق في التعليم و الصحة؟

 ما الذي يحدث في ذهن الرئيس و هل من حقه أن يخفى كما يفعل منذ انتخابه على الشعب خارطة طريقه و محتوى رؤيته السياسية و الاجتماعية و عليه أن يجيب بصراحة عن السؤال الذي يتعاظم كل يوم : ماذا يحدث في قصر قرطاج و من يقرر و من يقف وراء هذا الغموض القاتل الذي يتسبب في ارتفاع منسوب الحيرة في أذهان المواطنين.

 سؤال مهم آخر: لماذا لم يغيّر الرئيس طاقم الحكومة الذي أثبت فشلا غير مسبوق في معالجة أبسط المشاكل و بات مع طاقم الولاة المعينين أخيرا من الرئيس مثالا واضحا لفشل ما يسمى “بمشروع الرئيس” الذي فشل في تفسيره و تسويقه بعض حاشيته المحسوبين عليه مثل رياض جراد و أحمد شفتر و قيس القروي و نجيب الدزيري و العميد السابق إبراهيم بودربالة و زهير المغزاوي و عماد الحمامي و عبيد البريكي وهي شخوص فاشلة  تعيش على الطمع السياسي. 

الرئيس سعيد يزيد من عزلة تونس دوليا و إقليميا

أيضا يجب مساءلة الرئيس عن أسباب رؤيته الدبلوماسية العقيمة التي أدت إلى تنامي عزلة تونس دوليا و إقليميا بحيث انعدمت الاستثمارات و تصاعدت  لغة الحذر و التخوف المعلن من هذه السياسة العرجاء و آخر الأمثلة هذه القطيعة المكلفة مع المغرب بسبب رعونة التصرف و سوء التقدير.

لم يعد مقبولا أن يعطى الشعب الوقت للوقت حتى تتغير الأحوال إلى الأحسن خاصة أن سياسة الحكومة و رؤية الرئيس قد أثبتت فشلها بالطول و العرض و لذلك لم يكن سرا أو مفاجأة أن ترتفع كثير من الأصوات منادية بتدخل الجيش لحماية الشعب من السلطة المغرضة و التي باتت تمثل خطرا على السلم الاجتماعية تحت كل العناوين و أبرزها ملف ضحايا النزوح البحري الجماعي لمئات المهمشين و العاطلين عن العمل الذي فقدوا الأمل نهائيا في حصول التغيير المنتظر. 

ليس سرا أيضا أن المخابرات العسكرية  تملك من الحقائق و الأسرار و الملفات ما يجعل المؤسسة العسكرية تدرك حجم التحديات و الأخطار الداخلية و الخارجية التي ستهز البلاد في حال تصاعد و انتشار الغضب الشعبي الذي  شاهد الجميع عينة منه في عدة مناطق من الجمهورية و آخرها بولاية مدنين و الذي قابله والى المكان بتصرف أرعن و غير مناسب مما زاد في منسوب الاحتقان و خلف كثيرا من النار تحت الرماد.

إن الالتجاء إلى الجيش لإنقاذ البلاد و العباد ليس خيارا سلبيا أو مكروها في حد ذاته لأن المؤسسة العسكرية مؤسسة ولاؤها الوحيد للشعب و حين تتعاظم الهجرة السرية بهذا الشكل المفزع و تصم الحكومة أذنيها عن رؤية هذا الواقع و تصر على إنكاره و التلكؤ في معالجته أو التخفيض على الأقل من حدته بتقديم بعض الحلول العاجلة و تسطير رؤية آجلة قادرة على التفاعل مع الأزمة  فعلى هذه المؤسسة التعاطي بواقعية و نجاعة مع الوضع لتجنب الانهيار و حلول الفوضى و ربما الحرب الأهلية وهي الأخطار الجدية التي لا يزال الرئيس مصرا على إنكارها رغم كل التحذيرات و الشواهد.

إن هذا الشعب ليس من أنصار الانقلابات المدنية أو العسكرية و لكن من الثابت أن هناك رابطة معنوية و وجدانية تجمعه مع المؤسسة العسكرية التي طالما قدمت الأدلة على كونها ستكون سندا و عونا له و ليس عليه. لذلك فالأمل معقود اليوم عليها كي تساهم في إنقاذ ما يمكن إنقاذه لإعادة الاستقرار في النفوس بعد أن دمّرت كل الأنفاس المنادية بالتغيير و الإصلاح و رفع المعاناة.

كاتب و ناشط سياسي.

شارك رأيك

Your email address will not be published.