تونس : هل هي بوادر ثورة ثانية ؟

ماذا يحدث في كثير من الأحياء الشعبية في تونس طيلة الليالي و الأيام الماضية؟ فى نظر كثير من المتابعين أن ما يحدث هي بوادر انتفاضة شعبية ربما تكون غير مؤطرة و لكن من المؤكد أن هناك كثير من المال الفاسد يدفع في الزواريب و تحت الطاولة و هناك تحريض و محاولة إعطاء هذه الغزوات الليلية طابع السلمية. (الصورة من الأرشيف).

  بقلم أحمد الحباسي

الواضح أن ما يحدث في حي التضامن مثلا و هو مساحة انتخابية يفخر الرئيس قيس سعيد بانتسابه إليها دليل على تراجع شعبيته و إفلاس شعاراته و ما يطرحه من حلول عقيمة لا يصدقها أحد. 

الواضح أيضا أن هؤلاء المتظاهرين لا ينتمون لأحزاب و لا  يريدون من هذه الانتفاضات الليلية بالذات إلا نهب المحلات العامة و الخاصة في  تصرف يرونه منطقيا و مقبولا  كشكل من أشكال “توزيع الثروة” في حين يرى البعض الآخر أنه شكل من أشكال البلطجة الذي يستغله البعض للسطو المقصود في غياب تام لهيبة الدولة و إعلان واضح عن إفلاس المعالجة الأمنية.

جائزة نوبل للانتفاضات الشعبية

 لعله من اللؤم و الخبث أن تحاول حركة النهضة و جبهة  الخلاص مثلا  توصيف هذه المظاهرات على كونها  تعبير شعبي سلمي مناهض لسياسة الرئيس – مع أن الجميع يؤكدون أن هذا الأخير لا يملك سياسة أو رؤية – و يطالبون باحترام الإرادة الشعبية التي تطالبه بالرحيل و يكادون تقديم جائزة نوبل للانتفاضات الشعبية عربون تقدير لهؤلاء الشباب الفاقد للأمل الذي تناست حركة النهضة و بعض الوزراء المنتسبين لجبهة الخلاص أنهم أول من همشوه و تغافلوا عن مطالبه و نادوا بمحاكمته عند قيامه فى عهدهم ببعض المظاهرات التي استهدفت مقرات حركة النهضة في اتهام مباشر لقيادات هذه الحركة بأنهم سبب البلاء.

من الواضح أن المؤسسة الأمنية ليس بمقدورها معالجة جذور الأزمة المشتعلة كما أنها لا تملك القوة اللازمة  لفرض هيبة الدولة و لا يمكن لوزير جاء به الرئيس لغايات معينة أن يتحول بقدرة قادر إلى ضابط عمليات قادر على ضبط الأمور و إيقاف و محاسبة هذه العصابات الليلية المنفلتة.

أيضا لا يجب أن ننسى أن كثيرا من القيادات الأمنية تعمل بلا رؤيته في كيفية معالجة الأوضاع بعد أن تحوّلت الوزارة إلى مطبخ  تدار فيه المخططات المشبوهة ضد بعض معارضي الرئيس.

هل يتحمل رئيس الدولة مسؤولية فشل حكومة تصريف الأعمال التي تقف على رأسها سيدة فاشلة أسمها نجلاء بودن و ما هي حدود مسؤولية الرئيس و حكومته و من بينهم وزير داخليته في ما حصل  لمئات الغرقى من الحارقين و ملايين المواطنين الذين باتوا يعيشون على ما يجدونه في أكوام الزبالة؟  ماذا أنجز الرئيس للمواطن العاطل عن العمل في الأحياء الشعبية التي تحولت مع الوقت إلى قنبلة  قريبة الانفجار؟ لماذا عجزت حكومة الفشل عن وضع حدّ لمعضلة احتكار السلع و لماذا لا تقدم الحكومة كبار المحتكرين إلى القضاء و لماذا لم يفتح تحقيق مستقل في خصوص كيفية تسريب آلاف الأطنان من السلع المفقودة إلى مخازن المحتكرين؟ ما حقيقة ما يشاع عن وجود مافيا احتكار تتعاون مع عدة كوادر أمنية و فى عدة مناطق بالبلاد و هل هناك من يقبل بأن وزارة الداخلية ليست على علم بقائمة مخازن الاحتكار و كميات السلع التى توجد بها و هل أن بعض الأحياء قد تحولت إلى حي يشبه حي “الباطنية ” المعروف في مصر الذي يحتله تجار المخدرات و ممنوع على قوات الأمن دخوله؟

ربما هناك أموال و أيادي خفية و لعبة قذرة يراد منها إشعال البلاد و الإيحاء بقدوم ثورة الجياع  لكن السؤال المطروح  لماذا تحاول حكومة الفشل الرئاسي تمرير الوقت و إتباع سياسة اتصالية صامتة مع الإيحاء و الغمز عبر بعض غلمانها مثل رياض جراد و نجيب الدزيري بأن هذه المظاهرات وراءها مندسون و خلايا أجنبية  لتتخذ من هذه المبررات ذريعة واهية لتبرير فشلها و خيبتها فى معالجة الأزمة الاقتصادية و الظروف المعيشية التي تعيشها الأغلبية.

صحيح أن حركة النهضة و ربيبتها جبهة الخلاص من مصلحتهما قيام مثل هذه الزوابع الشعبية و صحيح أنها قد فتحت خزائن أموالها التي نهبتها بعد عشر سنوات من وجودها في سدة الحكم  لتمويل مثل هذه الانتفاضات الليلية المتنقلة لكن الحكومة تعلم أيضا و الجميع يعلمون أيضا  بأن هياكل المعارضة المتشتتة هشة و ضعيفة  تواجه  تحديا و اختبارا صعبا في عدم قدرتها على تحريك الشارع بصورة فاعلة و ضمان استمرارية ذلك الحراك لحين إسقاط الحكومة و لذلك يتساءل المتابعون بشغف إلى متى ستستمر هذه المسرحية؟

متى سيفهم الرئيس أنه يمشى على رمال متحركة و أن ضغينة القلوب قادرة في لحظة غفلة على زعزعة البناء و أسقاطه على رؤوس التونسيين جميعهم.

كاتب و ناشط سياسي.

شارك رأيك

Your email address will not be published.