هل تونس فعلا بلد الشتائم ؟

لن تتعافى تونس إلا أذا توقف العنف اللفظي و يبرأ الوطن من هذه الأمراض وتتم معالجة الجوانب الأخلاقية والسلوكية عموما في كل تجليات الحياة العامة و خاصة في المجالين السياسي و الإعلامي لأنهما مرآة البلاد الأولي. نتحدث دوما عن دولة القانون فلما لا نتحدث أيضا عن دولة الأخلاق ؟

بقلم محسن بن عيسى

أجد نفسي أحيانا مضطرّا لسماع أحاديث وتعليقات صادمة، وأتفاجأ بفقدان المتحدثين الى أبسط القيم التي أفرزتها المعايير الحضارية والثقافية عندنا. واللافت للنظر أيضا هو سقوط اللغة وجرأتها حيث تميل نحو المباشرة والايحاءات والكلام البذيء أيضا. لفتتني في هذه اللغة انعكاس أمراض الحقد والكره والحسد والعداوة فيها، وغرق المواطن العادي والمثقف في نوازعها. لن يتعافى الوطن ويتوقف العنف اللفظي حتى يبرأ من هذه الأمراض وتتم معالجة الجوانب الأخلاقية والسلوكية عموما.

الكلام مثل الرصاص

تكلمت الألسنة ما تكلمت، على إيقاع زمن يراوح بين التراجع والتقهقر وضياع الكثير بين الأماكن المفتوحة والمغلقة. ضياع في الشارع وأركان المقاهي والصالونات والموائد ومراسم المآتم والدفن. لقد أصبح حديث البعض ظلا مشوّها للتونسي والتونسيات وشبيها بالرصاص المؤلم الذي يصيب هنا وهناك ويدخل البيوت بدون استئذان.

هناك مفاهيم سادت وتسود ينبغي تصحيحها، نحن نعيش حالة افساد لقداسات الأوطان والأديان والمبادئ والعواطف في طباع بعض الناس. هناك حالة تفشّي لظاهرة البذاءة والرداءة في اتجاه السيطرة الدائمة والمستمرّة عبر فئة تتصدر المجالس وتتحكم في الفضاء العام. هل تونس فعلا “بلد الشتائم”؟ قد يتراءى للبعض أنّ هذا الطرح قد أصبح من المواضيع المتكررة، ولكن تراجع الأخلاق في تقديري هو أكبر وأخطر من أي تهديد أمني نتوقعه أو نتصوره.

عانت البلاد من نكبات كبرى وما عانت إلا بسبب سقوط الأخلاق. أتأمل أحيانا في العديد من الوجوه كيف سقط بعضها وكيف انحرف. لقد لعبت أسلحة الاتهامات ونشر الاشاعات وتشويه السمعة وتقصي عيوب الناس دورا أساسيا في التحولات المؤسفة للأحداث.

أين مراكمة القيم والأخلاق؟

صحيح أنّ بيرم التونسي كان له استنكار لِما عاينه لدينا سنة 1934، وسبق أن دوّن رأيه لتوصيف مدينة تونس في مقال بعنوان “بلد الشتائم”. ولكن الأمر يبقى نسبيا، فاللغة السائدة هي بكل صراحة امتداد للغة الشارع وليس لحضارتنا ومراكمة القيم والآداب والأخلاق لدينا.

أعرف شخصيات عليا متضلعة في هذه اللغة المنحرفة بالرغم من مدارسها المختلفة ومراكز السيادة التي شغروها. لا أتحدث عن العامة ففيها الوجه وفيها القناع حيث ما ذهبتَ وحيث ما جال نظرك. أشاطر الرأي بأنّ هناك عرعرة إدارية وسياسية واجتماعية، ولكن لا يمكن بأي حال أن نعمّم الأشياء ونتكلم هذيانا ونقيم الدنيا ونقعدها بالسباب والشتائم المقذعة.

الجدير بالذكر هنا، أنّ القانون يمثل الرافعة المجتمعية الأولى والتي دونها لا تستقيم الأمور، فيما تمثل الأخلاق والقيم الوازع والرادع النابع من الذات وهي الرافعة الثانية التي تعمل من تلقاء نفسها. تحدثنا عن دولة القانون فلنتحدث عن دولة الأخلاق والقيم وقوتها.

ضابط متقاعد من سلك الحرس الوطني.

                                                         

شارك رأيك

Your email address will not be published.