أين يحملنا الرئيس قيس سعيد ؟

من المؤكد أن فشل حكومة الأشباح في معالجة الأوضاع في تونس ستجعل الأغلبية تقتنع أن الرئيس قيس سعيد سائر بالبلاد إلى حافة الهاوية و أن جعبته فارغة و غير قادرة على التطور و فهم الواقع و إيجاد الحلول و عندها سيعود الشعار إياه “ديغاج” بقوة تماما كما حصل في أيام الغضب التي تلت سقوط كل الأنظمة الفاقدة للشرعية.

 بقلم أحمد الحباسي

 صراحة لا ندرى أين يحملنا الرئيس قيس سعيد، لا ندرى هل أن السيد الرئيس واع فعلا بما يحدث في البلاد و هل تقوم وزارة الداخلية و الأجهزة الأمنية و العسكرية بواجبها في تقديم التقارير الصحيحة عن حقيقة ما يجرى.

فى الحقيقة ليس نظام الرئيس قيس سعيد من يواجه خطر الانتفاضة الشعبية القادمة لا محالة بل هي مؤسسات الدولة  التي يمكن أن تتفكك. هذه الحقيقة المرة ربما يدركها الرجل جيدا كما يعيها وزير داخليته الذي يقوم بدور وحيد وهو المحافظة قدر المستطاع على حكم الرئيس و ليس على النظام الجمهوري. التعامل الفظ الأخير  للمؤسسة الأمنية مع المتظاهرين في الجنوب التونسي و الذي تزامن مع فعاليات القمة الفرنكوفونية المنعقدة بجزيرة جربة يومي 19 و 20 نوفمبر 2022 يعطى صورة  سلبية واضحة لكل الذين تابعوا هذه الأحداث  الدامية من وسائل الإعلام العالمية عن طبيعة العنف الكامنة داخل عقل السيد وزير الداخلية و كيفية رؤيته لمعالجة الغضب الشعبي و التعامل مع حقوق الإنسان.

حالة مؤكدة من حالة من الفشل و العقم السياسي

ربما استشاط الرئيس غضبا و قام بتوجيه عبارات قاسية شديدة اللهجة متهما المجهول لكن لا أحد يستمع إليه أو يؤمن بأن الرجل يعي فعلا ما يقول. الشعب لا يجب أن يعامله سيادة الرئيس بالتهديدات أو التلميحات أو العكاظيات أو قصص الخيال العلمي لأن مواصلة السير في هذا الاتجاه السقيم هو بمثابة التوقيع على قرار الانتحار السياسي و تلاشى المنظومة المعدومة التي يسعى لإقامتها دون نتيجة تذكر. 

إن التهديدات النارية المختلفة التي تحفل بها خطب الرئيس و آخرها بمناسبة و على هامش القمة المذكورة هي خطب غير مناسبة و لا تصلح لإنقاذ النظام المتهالك الذي يقوده السيد الرئيس بكثير من التلعثم و الارتباك و قلة الخبرة و لعل تكرارها يؤكد حالة من الفشل و العقم السياسي الغير المسبوقة منذ الاستقلال و دليل قاطع آخر على أن الرئيس  لا يدرى أين هو ذاهب  بالبلاد أو ما هي محطة الانطلاق و محطة الوصول و أي وسائل النقل الذهنية قادرة على تبليغه مرحلة الوصول. على كل حال ليس بطريقة القمع و التهديد التي يمارسها السيد وزير الداخلية سيخضع المواطن و يستقيم حال الوطن خاصة بعد أن  بات الرئيس يعيش في عزلة فرضها على نفسه بمعاداته لكل ضمير ناصح أو  فكر أمين.

السيد الرئيس حاليا و على وجه التحديد في موقف و  وضع لا يحسد عليه، تبدو محاولاته المتكررة من أجل قمع الأصوات المعارضة و آخرها بإصدار المرسوم سيء الذكر عدد 54 لسنة 2022 المتعلق بما يسمى “بمكافحة ” الجرائم المتصلة بالمعلومات و الاتصال أشبه بمواجهة دون كيشوت بسيفه الأخرق لطواحين الريح في الرواية الاسبانية الشهيرة خاصة و أنه ذهب بعيدا في  تخيلاته بحيث يعتقد و يريد أن يعتقد الجميع بأن  سقوط منظومة 25 جويلية 2021 تعنى سقوطه و المس من مقدس من المقدسات.

“حرب القائد النظيف على الأغلبية الفاسدة”

لقد بات الرئيس في حرب مقدسة مع الجميع و بات يرفع نفس الشعار التعيس الذي رفعه الرئيس جورج بوش الابن بعد أحدات 11 سبتمبر 2001 “من ليس معنا فهو ضدنا” متجاهلا أنه في واد و الأغلبية في واد آخر. 

إن استمرار المظاهرات و الإشارات و المؤشرات و التقارير الدولية التي تؤكد سوء و تردي الأوضاع في تونس بدل أن  تدفع الرئيس إلى طرح الأسئلة المناسبة حول حقيقة الأسباب و المسببات و طرق المعالجة لا يزال يقاوم المنطق بحرب هلامية عنوانها “حرب القائد النظيف على الأغلبية الفاسدة”.

إلى أين يقودنا الرئيس قيس سعيد ؟ هذا هو السؤال الحائر الذي يتكرر على كل لسان لكن النظام لا يرد على هذا السؤال بما يقنع و يؤكد أنه على الطريق الصحيح لذلك يرتفع منسوب الغضب الشعبي  بشكل يومي و تزداد الحيرة في النفوس و بالمقابل لا يجد النظام مواجهة هذا الكابوس إلا بالقبضة الأمنية العنيفة التي باتت تثير انتباه و مخاوف الدول الأجنبية و المنظمات الدولية لحقوق الإنسان.

نظام الرئيس قيس سعيد كعادته يبدى امتعاضه الصريح و استياءه الواضح من هذه المواقف الدولية التي تدينه و تؤيد المتظاهرين لكنه بات يدرك مع الوقت أنه بات معزولا و موصوفا بالعنف و سوء التعامل مع حقوق الإنسان و حرية التعبير و أن استمراره في هذا النهج ستترتب عنه عقوبات دولية و ربما هناك تلميحات بإجراءات أبعد من العقوبات.

مرسوم “ممنوع المعارضة و النقد”

إن فكرة من ليس معي فهو ضدي فكرة تحتمل كثيرا من الخطأ لان الأجدر للرئيس أن يتعامل مع المواطنين و مع المجتمع الدولي بفكر متفتح و خطاب جامع و ليس بفكر المصالح و الغنيمة السياسية الانتهازية لذلك نقول أن مرسوم “ممنوع المعارضة و النقد” لن يفيد بل سينقلب كالسحر على الساحر و عندها سينفض مجلس “الهمزة اللمزة” المتكون من السيد رياض جراد و نجيب الدزيرى و بقية عصابة الإعلام المغرض إياه.

ربما سيسجل الرئيس بعض النقاط السياسية كما سجلها ليلة 25 جويلية 2021 أو بمناسبة إعداد دستوره الأعرج أو تنظيم الاستفتاء المقدوح في شفافيته أو في إجراء الانتخابات التشريعية القادمة رغم كل صيحات الاعتراض و الاستنكار و ربما ستظل العصا الأمنية الغليظة سيدة الموقف  لترهيب و كتم أصوات المعارضة لكن من المؤكد أن فشل حكومة الأشباح في معالجة الأوضاع ستجعل الأغلبية تقتنع أن الرئيس قيس سعيد  سائر بالبلاد إلى حافة الهاوية و أن جعبته فارغة و غير قادرة على التطور و فهم الواقع و إيجاد الحلول و عندها سيعود الشعار إياه “ديغاج” بقوة تماما كما حصل في أيام الغضب التي تلت سقوط كل الأنظمة الفاقدة للشرعية.

كاتب و ناشط سياسي.

شارك رأيك

Your email address will not be published.