تونس : متى تهتم الدولة بقضية تسليم رخص تاكسي للإرهابيين ؟

قضية إسناد رخص تاكسي لأشخاص مصنفين إرهابيين من طرف موظفي دولة سامين لم تأخد حقها من التحقيق و البحث من طرف أجهزة الدولة و كأن متواطئين يعملون على طمس الحقائق و منع ظهور الحقائق التي ستكشف تغلعلا لأطراف خطيرة كثيرة في هذه الأجهزة…

بقلم أحمد الحباسي

حسب ما صرح به السيد زبير التركي رئيس المنظمة التونسية للتنمية و مكافحة الفساد ولاية بن عروس أسندت حوالي 16 رخصة تاكسي لأشخاص مصنفين إرهابيين مؤكدا أن السيد والى المكان يرفض بشدة فتح تحقيق جدي في هذا الملف بدون مبرر رغم كافة التدخلات و النداءات الموجهة إليه من عديد الإطراف المهتمة بمتابعة الموضوع.

المثير أن أحد المبلغات عن هذا الملف قد تعرضت إلى عديد الضغوط و المضايقات لدفعها للصمت وهو ما يؤكد أن كل تحرك أو تشهير أو محاولة فتح هذا الملف يجني على صاحبه كثير من الويلات خاصة أن الأمر يتعلق بعلاقة أطرف معينة و معروفة بموضوع تغلغل الإرهاب و العناصر الإرهابية داخل  كافة مفاصل الدولة.

بطبيعة الحال لا يختلف فتح ملف رخص التاكسي لأشخاص مصنفين لدى وزارة الداخلية بالإرهابيين عن فتح ملف ما يسمى بالمدارس القرآنية أو ملف تمويل بعض الدكاكين الإعلامية التي تحدث عنها  الكثيرون و من بينهم السيد محمد عبّو وفى آخر إطلالاته الإعلامية  في حكومة السيد  إلياس الفخفاخ.

بين إطلاق الشعارات و حقيقة الميدان

حين جاءت حكومة السيدة نجلاء بودن ربما هناك من ظنّ بها خيرا و ذهبت أحلامه إلى حدّ التصور العبثي بأنها ستتجرأ على فتح الملفات الحارقة و بالذات الملفات المتعلقة بالإرهاب الذي ذهب ضحيته المئات من المواطنين التونسيين و في كل المواقع المدنية و العسكرية و لكن شيئا من كل ذلك لم يحصل بحيث بدت هذه الحكومة كأنها منعزلة أو معزولة عن الواقع و لا تمثل إلا نفسها أو من أشرف على تسميتها. 

يتحدث البعض أن هناك فارقا و بونا شاسعا بين إطلاق الشعارات في الهواء و بين  حقيقة الميدان و الرئيس قيس سعيد قد أثبت فشله و قلة حنكته و ضعف خبرته حتى فى تطبيق الوعود الانتخابية التي رفعها من باب الشعبوية المفرطة و محاولة دغدغة عواطف آلاف الشباب العاطلين عن العمل و المثير أن الرئيس يعتقد عبثا أنه الرئيس المناسب في الوقت و المكان المناسب و أن الشعب له أن يفخر بما تحقق من  “إنجازات” هلامية لا تتعدى بعض الخطب النارية المثيرة للسخرية.

حين صعدت حركة النهضة للحكم كان همها الأول هو التغلغل داخل كل مفاصل الدولة وهذا أكيد لكن كان هناك تركيز على مجال النقل الفردي و لذلك سعت حكومة السيد حمادي الجبالي و حكومة السيد علي العريض إلى تمكين عدد كبير من المصنفين كإرهابيين من رخص تاكسي فردي و جماعي باعتبار التاكسي وسيلة ميسرة لمعرفة نبض الشارع و حركة اتجاه “الريح” و جمع أكثر ما يمكن من المعلومات.

ما نقوله تؤكده الأبحاث في ملف الإرهابي مصطفى خذر و ذلك التسريب الشهير لحواره مع أحد سواق التاكسي الفردي و تبادله بعض المعلومات الخطيرة. لذلك لا بدّ من طرح الأسئلة حول ملف رخص التاكسي و لماذا يتم التعامل معه كملف عادي و كحوادث عابرة و ليس كملف أمن دولة بالغ الحساسية و الخطورة.

أيضا لا بد من حملة إقالات واسعة تهم عدة كوادر أمنية و إدارية بما فيها بعض الولاة الذين تساهلوا أو تواطؤوا عند معالجة الملفات و تسليم الرخص.

 لعل ملف التسريب المتعلق بحرق أرشيف رخص التاكسي داخل ولاية بن عروس و الذي يعود إلى شهر مارس 2020 قد تم التعتيم عليه عمدا حتى لا تنكشف كثير من الخيوط و الأسرا لكن من المؤكد – إن ثبت وجود الملف و ثبت إتلافه – أن المتعاملين مع هذا الملف داخل كامل تراب الجمهورية قد باتوا أكثر حذرا و عملوا كل ما في وسعهم لمحور آثار جرائمهم مستغلين سياسة الأيادي المرتعشة لحكومة السيدة نجلاء بودن.

في هذا السياق  لا بد لوزارة الداخلية أن تتحرك سريعا لمعالجة هذه الثغرة الأمنية التي تسبب فيها  مشروع حركة النهضة لضرب الاستقرار في تونس و تسهيل عملية الانقلاب المسلح على مؤسسات الدولة بغاية الاستيلاء على السلطة في الوقت المناسب.

بطبيعة الحال لم تترك حركة النهضة الحكم إلا بعد أن أضرت بالأمن القومي و الأمن الاقتصادي ومكنت عديد الإطراف خارجيا من بعض أسرار الدولة متعاونة مع هيئة الحقيقة و الكرامة ومع الرئيس المؤقت السابق المنصف المرزوقي و بعض طاقمه الرئاسي و الحزبي إضافة طبعا إلى تهاون و خيانة  بعض وزراء الداخلية السابقين.

رصاصة طائشة أو حادث مرور مفتعل

لا يمكن تناول ملف رخص التاكسي الممنوحة لأشخاص مسجلين على قائمة الإرهاب دون الترحم على روح الشهيد النقيب بالحرس الوطني محسن  بن محمد العديلى الذي تم اغتياله بمنزله غدرا و بطريقة بشعة تم تصويرها على كونها عملية انتحار قبل ساعات من استعداده للإدلاء بشهادته في قضية إسناد رخص التاكسي. 

إن عملية الانتحار المشبوهة لا يمكن أن تحجب الحقيقة القائلة بأن المتورطون في القضية ليسوا مستعدين للتساهل مع كل من يقترب من قريب أو بعيد من هذا الملف الحارق لذلك يتجنب الجميع النبش في الموضوع من باب تجنب التعرض إلى رصاصة طائشة أو حادث مرور مفتعل أو ” انتحار” مشبوه و للجهاز العسكري السري لحركة النهضة سوابق معروفة في هذا المجال.

فى الحقيقة لا تختلف خطورة ملف رخص التاكسي عن  ملف قرار وزير الفلاحة السابق محمد بن سالم المتعلق بإعفاء حراس الغابات من وظائفهم و ما  ظهر لاحقا من تبعات ذلك القرار على الأمن القومي في علاقة بملف الإرهاب و نضوب مصدر من المصادر المهمة للمعلومات  كان بقاؤه كفيلا بتجنيب البلاد عدة تفجيرات و عمليات إرهابية.

كاتب و ناشط سياسي.

شارك رأيك

Your email address will not be published.