بالمناسبة: المحامي عماد بن حليمة يعيد نشر مقال له تحت عنوان: “متى يجوز حرمان المحامي من مباشرة مهنته في إطار عقوبة تكميلية؟:

اثار القرار الجناحي الاستئنافي الصادر اخيرا عن محكمة الاستئناف العسكرية بتونس ضد الاستاذ سيف الدين مخلوف و القاضي بعقوبة تكميلية متمثلة في حرمانه من مباشرة مهنة المحاماة مدة خمس سنوات جدلا واسعا من الناحية القانونية الصرفة و شكك الكثير من القانونيين في امكانية الحكم بمثل هذه العقوبة في الوقائع التي كانت معروضة امام المحكمة التي اصدرت الحكم المشار اليه .


تنقسم العقوبات الكلاسيكية الى صنفين و هما العقوبة الاصلية التي يقع تسليطها على الجاني اليا عند ارتكاب جريمة و يمكن ان تكون الاعدام او السجن لمدة معينة او الخطية او العمل لفائدة المصلحة العامة او التعويض الجزائي و هذين العقوبتين الاخيرتين من العقوبات البديلة المستحدثة كما يمكن ان تسلط على الجاني عقوبة تكميلية يمكن ان تكون وجوبية و يفرض النص القانوني الحكم بها الى جانب العقوبة الاصلية و في حالات اخرى تكون اختيارية و تبقى للمحكمة سلطة تقديرية في الحكم بها من عدم ذلك لكن في كل الحالات يجب ان يتضمن النص المنظم للجريمة تنصيصا على الطابع الوجوبي او الاختياري للعقوبة التكميلية و لا يجوز الحكم بها خارج الحالات المنصوص عليها صراحة و لا تسحب على جرائم غير مشمولة بالعقوبات التكميلية .
شهدت المجلة الجزائية بعد وضعها سنة 1913 عدة تنقيحات و منها التنقيح المدخل عليها بموجب القانون عدد 34 لسنة 1964 المؤرخ في 02 جويلية 1964 و ما يهمنا فيه هو الغاء الفصل 5 من المجلة و تعويضه بنص جديد يتضمن تعداد العقوبات الاصلية و التكميلية التي منها تحجير الاقامة و المراقبة الادارية و مصادرة المكاسب و الاقصاء و الحجز الخاص و الحرمان من حمل النياشين و السلاح و الحرمان من حق الانتخاب او الترشح او الاقتراع و نشر مضامين بعض الاحكام و ما يهمنا هو ما جاء بالفقرة 6 من الفصل المذكور وهو الحرمان من مباشرة جملة من الحقوق و الامتيازات و اهمها الوظائف العمومية و بعض المهن مثل محام او مامور عمومي او محلف او طبيب او بيطري او مختصة في التوليد او مدير مؤسسة تربوية او مستخدم بها مهما كانت صفته او مقدم او خبير او عدل او عدل منفذ او شاهد لدى المحاكم .
يوجد نظير قريب جدا من هذه الفقرة بالفقرة ” ب ” من الفصل 63 من مجلة المرافعات و العقوبات العسكرية الذي تضمن تعدادا للعقوبات التكميلية التي تقضي بها المحاكم العسكرية بعضها عقوبات تهم العسكريين و منها الحرمان من الرتبة و الحق في ارتداء اللباس و حمل الشارات و اخرى تهم المدنيين المحالين على المحاكمة امام المحكمة العسكرية وفق معايير الاختصاص الحكمي مثل المحامي و الطبيب و البيطار و المقدم القضائي و الخبير و الشاهد و مدير المؤسسة التربوية لكن مجلة المرافعات و العقوبات العسكرية لم تتضمن عقوبات تكميلية للمدنيين المحالين على المحاكمة من اجل افعال تضمنتها المجلة المذكورة مثل الحط من معنويات الجيش او الدعوة للعصيان و بالتالي فان الحكم من المحاكم العسكرية بالعقوبات التكميلية يكون في الصور التي تتعهد فيها بجرائم حق عام تسمح نصوص تجريمها بتطبيق كل او بعض العقوبات التكميلية المنصوص عليها بالفصل 63 الذكور دون الرجوع للفقرة 6 من الفصل 5 من المجلة الجزائية و الذي مجاله اوسع من جهة نوع العقوبات و الاشخاص المشمولين بها .
الملاحظ ان المهن و الوظائف المذكورة لها قاسم مشترك بينها وهو ضرورة التحلي بواجب الامانة في تنفيذ الالتزام و احترام الاخلاقيات فلا يجوز ان يكون موظفا عموميا او مديرا لمؤسسة تربوية او طبيبا او عدل اشهاد او عدل تنفيذ او بيطريا او محام من ارتكب فعل سرقة او تدليس او غصب متاع الغير او تحيل او خان الامانة وهي افعال موجبة للعزل حسب القوانين الخاصة التي تنظم تلك المهن كما لا يجوز القبول بشهادة من سبق الحكم عليه من اجل الادلاء بشهادة زور.
جاء بالفصل 178 من المجلة الجزائية انه يتحتم الحكم بالعقوبات التكميلية المقررة بالفصل 5 في كل الصور المقررة بذلك القسم الخاص بتجريم مختلف افعال التدليس بفرعيه المادي و المعنوي المرتكبة من الموظفين العموميين و من المامورين العموميين و من مجرد الناس الى جانب مسك و استعمال المدلس و تضمن الفصل 189 من نفس المجلة تنصيصا مطابقا في مجال تدليس العملة و ترويجها .
الى جانب الحكم الحتمي بالعقوبة التكميلية في الصورتين المذكورتين هناك فصول اخرى صلب المجلة الجزائية و خارجها تترك للمحكمة حرية التقدير في تسليط العقوبة التكميلية من ذلك مثلا ان الفصل 200 من ذات المجلة اعطى للحاكم امكانية تطبيق كل او بعض العقوبات التكميلية المنصوص عليها بالفصل 5 بخصوص الجرائم المنصوص عليها بالقسم التاسع عشر الخاص بتجريم افعال الافتعال و استعمال رخص السفر و غيرها من المكاتيب و منها ما جرمه الفصل 197 وهو الادلاء بشهادة طبية على سبيل المجاملة من طرف من يمارس مهنة طبية او شبه طبية و في هذه الصورة يستقيم الحكم بعقوبة تكميلية وهي الايقاف عن المباشرة لمدة معينة و كذلك ما نص عليه الفصل 285 من ذات المجلة الذي خول للمحكمة تطبيق العقوبات التكميلية المنصوص عليها بالفصل 5 في جرائم الغصب و المساومة موضوع الفصلين 283 و 284 من المجلة الجزائية .
يبقى ان نوضح امرا مهما وهو المجال المسموح به للمحكمة في تطبيق العقوبات التكميلية سواء تعلق الامر بالحالة الوجوبية او بالحالة الاختيارية بما يعني هل ان المحكمة تطبق كل العقوبات التكميلية المنصوص عليعا بالفصل 5 صبرة واحدة ضد شخص واحد ام انها تطبق البعض منها فقط و في هذه الصورة كيف يمكن التمييز بين العقوبات و افراد كل حالة بعقوبة معينة احتراما لمبدا الملائمة في تطبيق العقوبات حتى لا يفتح طريق الاعتباط و التعسف في تطبيق احدى العقوبات المعددة بالفصل 5 المشار اليه وهي متنوعة .
بقطع النظر عن النقاش الذي يمكن ان يطرح بخصوص القول بامكانية مواصلة تطبيق الفقرة 6 من الفصل 5 من المجلة الجزائية بعد صدور قوانين خاصة تنظم الدخول و الممارسة و التاديب لمهن الطبيب و البيطري و العدل و عدل التنفيذ و عدل الاشهاد و المؤتمن العدلي و المحامي وهو ما يجعل النص الخاص يقدم عن النص العام فانه من الضروري التاكيد على ان العقوبة التكميلية للمحامي يجب ان تكون من اجل جريمة مخلة بشرف مهنة المحاماة كالتحيل و خيانة الامانة و التدليس و الغصب دون جرائم اخرى تضمنت امكانية تطبيق العقوبات التكميلية لكنها لا تتعلق بنشاط الطبيب او المحامي او غيرهم من الاشخاص الذين يمارسون المهن المنصوص عليها بالفقرة 6 من الفصل 5 من المجلة الجزائية .
جاء بالفصل 130 من المجلة الجزائية مثلا انه يسوغ الحكم بالعقوبات التكميلية المقررة بالفصل 5 في كل الحالات المنصوص عليها بهذا القسم و المقصود بذلك الجرائم المرتكبة ضد الموظفين العموميين و اشباههم موضوع الفصول من 125 الى 129 من نفس المجلة و المشتملة على هضم جانب موظف عمومي بالقول او بالاشارة او بالتهديد او الاعتداء عليه بالعنف الخفيف او الشديد او نسبة امور غير قانونية له او كذلك هتك علم الدولة التونسية او دولة اجنبية بالقول او بالكتابة او بالاشارة .
اذا ما طبقنا الفصل 130 المذكور دون تخصيص و تفريد تصبح المشادة الكلامية الحاصلة بين موظف عمومي او شبهه من ناحية و محام او طبيب او غيره من اصحاب المهن المعددة صلب الفصل 5 من ناحية اخرى كافية لحرمان المخالف من مباشرة مهنته لمدة معينة و هذا لعمري فهم خاطىء و مجانب للصواب و خاليا من الذوق في تطبيق القانون و تصبح العقوبة التكميلية اشد ايلاما من العقوبة الاصلية فيمكن ان يحكم على طبيب مثلا بالخطية من اجل هضم جانب موظف بالقول مع عقوبة تكميلية وهي الحرمان من ممارسة مهنة الطب مدة خمس سنوات .
المختصر المفيد ان العقوبة التكميلية كما يدل عليها اسمها يجب ان تكون متجانسة مع طبيعة الفعل الاصلي و لا يمكن ان تبق يد المحكمة مطلوقة في اختيار العقوبة التكميلية بصورة اعتباطية بعيدا عن مراد واضعي القانون و احترام مبدا شرعية الجرائم و العقوبات و لا بد في هذا المستوى من الرجوع الى الاعمال التحضيرية و مداولات مجلس النواب بتاريخ 30 جوان 1964 لفهم المغزى من تغيير الفصل 5 من المجلة الجزائية و للاسف لم يتسن لي ذلك عند كتابة هذا المقال لانه تم حجب الموقع الالكتروني لمجلس النواب .
الاستاذ عماد بن حليمة 19 جوان 2022

شارك رأيك

Your email address will not be published.