تونس من التوزير إلى النظام الأسير… أو سياسة عود الثقاب

ما الفائدة التي يمكن أن نرجوها من التحويرات الوزارية والسلطة في تونس تُمارس المقولة التونسية “شاشية هذا على رأس هذا”، تغيير في الأسماء و الأشكال دون الذهاب إلى عمق الأشياء من طرح برامج و بدائل و حلول و اقتراحات عملية ناجزة؟ في هذه الحالة، يظلّ التوزير تزويرا لسياسة الدولة العامّة ولمطالب الشعب الأبله.

بقلم ميلاد خالدي

ما فتئت سياسات الحُكّام في تونس و لا سيّما منذ 12 سنة تسارع في إجراء التحوير الوزاري لا لشيء إلاّ لنفخ الغبار على الجفون و محاولة إسكات الأصوات العالية المسبّبة لطنين في الأذن اليسرى لتغطية قصورهم و خورهم. في الأثناء تجرّنا مقولة شكيب أرسلان “ليفكّر الوطني في الأجيال القادمة أمّا السياسي فيفكّر في الانتخابات القادمة “، فما فائدة أن تقوم بتحوير وزاري و أنت في نفس الوقت تُمارس المقولة التونسية “شاشية هذا على رأس هذا”، تغيير في الأسماء و الأشكال دون الذهاب إلى عمق الأشياء من طرح برامج و بدائل و حلول و اقتراحات عملية ناجزة.

النظام الآسر و الأسير…

هل المشكل يكمن في المترشّح الذي تأتيه التسمية على طبق من ورق الغّار أم على طبق من عوسج أم إنّ الأمر يتجاوز المترشّح إلى صاحب البدعة الذي يُرشّح من لا برنامج له أو مُخطّط عملي يستحقّ الذكر. من يأسر نفسه يُؤسر، ومن يجلب القيد يُقيّد به… إنّه النظام الآسر و الأسير…

سياسة عود الثقاب في قلب الماء لم تعد تنفع. لا نريد شُعلة مُتّقدة تستغرق ثوان ثمّ تنطفئ، تبهرنا قليلا ثمّ تُخيّب أمالنا، تُوهمنا بالتغيير ثمّ تغيب نحو الأسفل بتعلّة من يطيل النظر في النّار يفقد البصر. سوف لن نُطيل النظر، سوف نغضّ الطرف، سوف نقول إنّ القشرة أهمّ من  الجوهر والأديم أرفع من الباطن. إنّه ذلك التحوير الوزاري الذي يُبهجنا بوهجه للحظات لنكتشف بعد حين أنّه كسابقيه، عود ثقاب في لجّة الماء. ننتظر منه الكثير لكن هناك من يُحبطنا في وسط الطريق ليقول لنا لا جديد يُذكر، فالشمس أوّلها شُعلة و أخرها نجم آفل يأكل نفسه بنفسه حين يبلغ يستنفذ جميع قُواه.

التوزير ووزر الحقيبة…

يبدو أنّ كلّ وزير مُنصّب جديد لا يُركّز على ثقل البرنامج الذي يُقدّمه أو دسامة المشروع المعروض بقدر ما يكون تركيزه على ثقل الحقيبة من إداريات و وثائق و أختام وحبر هندي و صيني. يُقال أنّ من   يُدرك الشكليات و البروتكولات قبل أيّ شيء آخر هو أخطر عنصر في المجموعة لأنّه قادر أن يُغرق البلاد في وحل البيروقراطية و يُطيل أمدها تحت عجلة الخطاب السافر الممجوج من قبيل “لعنة سوف” سوف نقوم، سوف نُدرك، سوف نؤسّس، ‘سوف ينفضح أمرنا’.

الأسئلة التي تطرح نفسها: هل إنّ وزير التربية الجديد محمد على البوغديري الذي وقع تعيينه خلفا لفتحي السلاوتي مختلف و صاحب رؤية لإصلاح  المنظومة التعليمية أم أنّه بيدق في رقعة شطرنج أكبر، ينتظر أصابع القَصر كي تُحوّله من كيان جامد إلى كيان شبه سائل إذا لم نقل بالكيان المائع؟

يظلّ التوزير تزويرا لسياسة الدولة العامّة ولمطالب الشعب الأبله. فطالما أنّ هناك تصميم ما بأنّ المنظومة لن تتغيّر ولا تنتظرها أن تتغيّر، نقتصر على إثارة زوبعة في كفّ اليد اليمنى لأنّنا تعوّدنا التحرّك على الأطراف، فالمركز لا يمثّلنا و لا يستحقّ الاكتشاف. بما أنّ النظام أسير المنظومة الحُكمية والادارية  و التسييرية فلن يتبدّل شيء و لن تتوقّع أمرا  خارج حلقة  البؤس الجامد. النظام الٍأسير هو الاحتفاظ بنفس اللاعبين دون تغيير خطّة اللعب، حتى لو جلبنا مهارات و كفاءات العالم بأسره في كل المجالات فسنظل نراوح مكاننا  لأنّنا لا نريد التغيير و لا ننتظر نتائج مختلفة.  أفضل تغيير هو تغيير من يرفض التغيير و يقاومه و يقتصر على القشور بدل إحداث ‘النشور’.

كاتب.

شارك رأيك

Your email address will not be published.