لم يكن ربيعا عربيا بل كان كابوسا جثم على النفوس

تعززت المكتبة السياسية في تونس هذه الايام بكتاب جديد للكاتب والصحفي محمود حرشاني مدير ورئيس تحرير موقع الثقافيه التونسية يحمل عنوان “ربيع بلا زهور” جاء في نحو تسعين صفحة من القطع المتوسط وصدر عن منشورات الثقافيه التونسية وهو الكتاب الاول في هذه السلسلة التي تهدف الى نشر الكتاب الثقافي في حجم الجيب.

بقلم اسامة محمود حرشاني *

منذ البداية يحيلنا عنوان الكتاب على ما اصطلح عليه بثورات الربيع العربي وخصوصا ما عرف بالربيع العربي في تونس الذي عقب انتفاضة 17 ديسمبر 2010 التي انطلقت من مدينة سيدي بوزيد مسقط راس الكاتب والتي يقول عنها انها أحداث لم تسلم من التهويل بهدف إثارة الناس وتأجيج غضبهم. شأنها في ذلك شأن الساعات الأخيره من يوم 14 جانفي 2011 والذي ما زال يكتنفه الكثير من الغموض وإجلاء الحقيقة وهو أمر موكول إلى المؤرخين عندما تهدأ العواطف الجياشة. وتعود فيه الكلمة إلى الحقيقة دون سواها.

يتضمن الكتاب حوالي 25 مقالا سبق للكاتب أن نشرها بصحف ومواقع إخبارية تونسية وعربيه مثل جريدة الصباح التونسية وأنباء تونس والثقافيه التونسية ورأي اليوم الدولية وموقع قناة الميادين ومقالات تنشر لأول مره في الكتاب.

أخطبوط كاد يعصف بكل مكتسبات الدولة الوطنية

ويقول المؤلف في مقدمة الكتاب إنه عاد لجمع هذه المقالات ونشرها مجمعه في كتاب في توفير سند مكتوب لإثراء المكتبة السياسية في تونس والتي تحتاج اليوم إلى أكثر من كتاب لتوثيق ما مرت به تونس من أحداث في العشر سنوات الأخيره للأجيال القادمة. مضيفا قوله “لقد توخيت الصدق والتزمت بالموضوعيه والحياد ما استطعت للكتابة عن أحداث مفصلية عرفتها تونس خلال العشر سنوات الأخيره في ظل حكم الإخوان وهيمنة الإسلام السياسي وما اصطلح عليه  وهما وبهتانا بالربيع العربي والذي لم يكن إلا كابوسا جثم على قلوب وأنفاس غالبية التونسيين ماعدا المستفيدين منه والذين روجوا له حتى تستمر  منافعهم منه”.

يتوقف الكتاب عند جملة من الأحداث التي شهدتها تونس في ظل هيمنة حكم الإسلام السياسي والذي كان مثلما يقول المؤلف أشبه بالأخطبوط الذي يمد أصابعه في كل اتجاه ليسيطر عليه وكاد يعصف بكل مكتسبات الدولة الوطنية لو لم تبق الإداره التونسية صامده تقاوم هذا المد الغريب رغم ان أصابع الأخطبوط قد طالتها وحاولت السيطره عليها مرارا وتكرارا.

ويرى المولف ان هذه العشرية شهدت أحداثا جساما هي في الأصل غريبة عن الجسم التونسي مثل أحداث الإرهاب واغتيال الشخصيات السياسية وتدجين الأعلام وترويضه وتفشي وعوده أمراض وأوبئه خالها التونسيون قد ولت بلا رجعة نتيجة جهود دولة الاستقلال الى جانب تراجع مؤشرات التعليم وجودته وتنامي الهجره غير النظاميه بعد انسداد كل الآفاق أمام شباب علق آمالا كبيره على ثوره لم تجقق له شيئا من أحلامه فخير الهجرة الى خارج البلد بظرق نظاميه وغير نظامية.

يتعرض صاحب الكتاب الى جولات الحوار الوطني للخروج من الأزمات السياسية التي تردت فيها تونس ويؤكد انه يحسب للحوار الوطني الذي قاده الرباعي المتكون من اتحاد الشغل وعمادة المحامين والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان واتحاد الصناعة والتجارة انه أخرج تونس من أكبر أزمة سياسية تعرضت لها في تاريخها وكادت تعصف بكل المكتسبات وتؤشر إلى حرب أهلية كانت تطل براسها.

حركة النهضة تتحكم بمفاصل الدولة

ويشير المؤلف الى ان حركة النهضة وأتباعها كانت متحكمة في مفاصل الدولة بشكل لافت حنى ان كل رؤساء الحكومات لم يسلم أحدا منهم من هيمنة النهضه باستثناء السيد الحبيب الصيد ولكنه دفع الفاتورة غاليا بإقصائه بطريقة مهينة بعد تحالف الباجي قائد السبسي مع قادة حركة النهضة لأنهم كانوا يعدون  لاستقدام يوسف الشاهد الذي انقلب في ما بعد على الباجي قائد السبسي وارتمى في أحضان النهضة مثله مثل هشام المشيشي وإلياس الفخفاخ الذي أثارت له جركة النهضة فيما بعد قضية تضارب مصالح بهدف السيطرة عليه وإخراجه من الحكم لأنه لم يبد ما تطلبه النهضة من المرونه والمنافع لها ولأنصارها.

كما يتحدث المؤلف عن اتفاق الشيخين فائد السبسي و الغنوشي في باريس عام 2013 والذي كان اتفاقا مغشوشا شعاره “غطي علي وانغطي عليك” سرعان ما انكشف زيفه.

ويرى المؤلف ان هيمنة ما يعرف بالإسلام السياسي قضت على مكتسبات كثيره في تونس مثل القضاء على الصحافة الجهويه وتطويع الإعلام والهيمنة على وسائل الأعلام الوطنية وإقصاء الكفاءات. كما تحدث في أحد مقالات الكتاب عن تفشي ظاهره العنف المادي واللامادي في الخطاب السياسي المعتمد في تونس بهدف الترويع.

ويتحدث صاحب الكتاب عن فشل كل محاولات الحوار الوطني الأخرى نتيجه تمترس كل طرف بموقعه وغياب خصلة التواضع لدى جل السياسيين وتصلب المواقف وادعاء الحقيقة مما ولد لدى كل التونسيين صعوبات في عيشهم اليومي وخلق أزمات تزويد للأسواق بالمواد الغذائية الأساسية تزامنا مع تواصل الأزمة السياسية.

وعلاوة على المقالات السياسية تضمن الكتاب مقالات في الشأن الثقافي مثل المقال المتعلق بمجلة الفكر وصاحبها المرحوم محمد مزالي والدور الذي لعبته في الحياة الثقافيه على امتداد ثلاثين سنة كما خصص المؤلف فصلا للحديث عن الراحل علي البقلوطي عميد الصحافة الجهوية في تونس مستعيدا عديد الذكريات والمحطات الي جمعتهما معا كما تحدث المؤلف عن مشاركة الرئيس قيس سعيد في قمة أمريكا أفريقيا والصعوبات التي تعترض الأحزاب السياسية اليوم في تونس متسائلا أي مستقبل للأحزاب في ظل خيارات الرئيس سعيد الذي يرفض التعامل معها ولا يرى لها اصلا موقعا في خياراته السياسية؟

* كاتب المقال هو ابن مؤلف الكتاب وهو مدون وسكرتير تحرير موقع الثقافيه التونسية.

شارك رأيك

Your email address will not be published.