زلزال في الأرض أم زلزال في العقيدة؟

  منذ أن تناهى إلى مسامعنا خبر الزلزال الذي ضرب تركيا و سوريا و ما خلّفه من ضحايا ودمار في المباني، الذي تقشعرّ له الأنفس و الأبدان شرعت القرائح تلهج بالدّعاء مخافة الموت و مخافة أن يجدوا أنفسهم في وضعيات مماثلة تعبّر عن هول النهايات واستدعاء سريع للعزرائليات.

بقلم ميلاد خالدي

يبدو أنّ العربي لم يتجاوز مرحلة العقل الميتافيزيقي التي تّتسم بتحليل الظواهر الطبيعية بمنطق الخوارق و التفكير المُجرّد و التعليل المُطلق بوجود كائن خارق استثنائي قادر أن يُحدث المُعجزات و يُثير الزوابع و الزلازل و التسوناميات. فهل بالضرورة أن يظلّ الزلزال في الأرض أم عليه أن يمتدّ إلى صفائح التفكير الصدئة؟ ربّما!؟

زلزال في الأرض أم زلزال في العقيدة؟

 المسافة بين الأرض و العقيدة هي ليست ذات المسافة بين الفعل و ردّة الفعل، بين السذاجة و الرجاحة. تفكير ساذج ينحو منحى الانبهار الصبياني الذي يُحرّك السواكن النفسية الميّتة و لواعج العاطفة الجامدة. و عن ھذه المرحلة یقول أوجست كونت: “المیتافیزیقا حاجز مُعطّل ومُوقف للتطور، وأنّ الوقت قد حان للتخلّي عن ھذه… السخافات الصبيانية “. 

رغم أنّ هذه الممارسات الانفعالية التي يمتزج فيها الديني بالغيبي و بالوجداني مازالت مُستمرّة إلى الآن ونحن في عصر البرمجيات و الرقميات لآنّها أسهل خطاب تسكيني يمكن ترويجه. إنّه ذلك الخطاب الذي يصيب المواطن العربي بالراحة و يريحه من عناء التفكير و التساؤل. 

هل إنّ الأمر يعود إلى ظواهر طبيعية جيوفيزيائية أم إلى ابتهالات و شظايا أحاديث و آيات لا تصنع المعنى و لا حتى قادرة أن تُؤدّيه؟

لم يبق بهذا النسق الذهني إلاّ قبائل الباجاو في أندونيسيا أو قبائل الماساي في كينيا التي مازالت تعيش طور الإنسان البدائي الذي ترتعد فرائصه أمام ثوران بركان أو زلزلة أرض أو أزيز رعد، ليجثو على ركبتيه باكيا طالبا من الكائن الأسمى أن يرحمه و يغفر أخطاءه مع أنّ  سجلّ أخطائه فارغ. تقبّل قُرباني يا الذي في السماوات… فأنا خطّاء أثّام…!

الصفائح بين القشرة و المركز…

من المفترض أن يُرافق كُلّ زلزال أو كارثة طبيعية زلزال في المُعتقد و العقيدة و التفكير فالزلازل جاءت للتنفيس عن باطنها المشحون منذ قرون و دهور و كأنها تريد التخلّص من رواسب مكبوتة عالقة و عوالق زائدة عن الحاجة.

نفس الشيء ينطبق على العقل الانساني الذي يجب أن يرُجّ نفسه بين الحين و الحين لو كلّفه الأمر إكراهات و تنازلات ليلفظ رواسب العادات و زوائد التراث المجتمعي الديني الذي يستحضر آية قرآنية لكلّ عمل منطقي بديهي أو جيوفيزيائي. تنحصرُ مُعادلاتها  في المُلاحظة و التجربة و الاستقراء وأخذ العبرة و الاتّعاظ من التجارب السابقة كي لا نسقط على حزام النّار مرّة أخرى.

جميعنا يعلم أنّ الزلازل هي ظاهرة جيولوجية بحتة تُعرف بها دول و قارّات العالم لا سيّما التي تقبع في منطقة حزام النّار و هي معلومة للقاصي و الداني مند عهود و ستبقى هكذا إلى أبد الأبديين.

تحرّك بنية الصفائح التكتونية تحمل في ثناياها رمزية القشرة و المركز، رمزية السطح و العمق أو بمعنى أدقّ رمزية الدنيوي المتحرّك و المُقدّس المعرقل. بنية الصفائح التي تتصادم ليست بالضرورة من أجل التصادم و انّما من أجل  تشكيل عالم جديد مختلف من تضاريس هامّة مختلفة. فالشلاّلات و الينابيع و الأنهار على سطح الأرض هي في جُلّها تبعات الزلازل و آثارها الجانبية.

الشأن نفسه ينطبق على صفائح البشر التي تارة ما تكون لحمية سميكة و تارة نفسية مجتمعية كئيبة متكلسة و تارة أخرى غير قابلة للتصنيف. المُهمّ هنا هو ضرورة توفّر عنصر الحركة و التغيير و القطع و الانتقال من حال إلى حال في الطبيعة البشرية و الجيولوجية، فالقشرة الأرضية مجبولة على تقشير ماضيها وأعبائها كي يتسنّى لها استيعاب كلّ جديد.

كاتب. 

شارك رأيك

Your email address will not be published.