تونس : صندوق النقد الدولي ليس الحل الأمثل و لكن من يملك حلا أخر ؟

دأبت حركة النهضة خلال مسيرتها المعارضة لسياسات الرئيس قيس سعيّد على إثارة الإشكالات التي تعترض تونس دون تقديم الحلول، لأنها ببساطة لا تملك الحلول العملية بل هي عاجزة على إيجادها بعد أن أظهرت إفلاسها السياسي في إدارة البلاد خلال الفترة الماضية.

بقلم فوزي بن يونس بن حديد

انتقدت حركة النهضة موقف رئيس الجمهورية من صندوق النقد الدولي، وحذرت مؤسسة الرئاسة من مغبة رفض عرض الصندوق دون إيجاد بديل كما جاء في بيانها أنها “تحذر من انهيار الأوضاع بالبلاد بسبب خيارات رئيس سلطة الانقلاب (تقصد الرئيس قيس سعيّد) الشعبوية، وأبرزها رفضه التفاوض مع صندوق النقد دون تقديم أي حلول بديلة”.

حركة النهضة لم تقدم هي الأخرى بديلا أو حلولا للمأزق الاقتصادي الذي تختنق به تونس اليوم، ولم تطرح استراتيجية جديدة للتعاون مع السلطة حتى من باب إبداء الرأي في المسألة مما يوحي أن كلامها صدر منها للنقد فحسب وإثارة البلبلة في الأوساط السياسية التونسية، وحتى لو قبل رئيس الجمهورية بشروط صندوق النقد الدولي لقالت كيف يرضخ الرئيس لمثل هذا الصندوق المعروف عنه أنه يفرض شروطا قاسية على الشعب التونسي لا يمكن أن يتحملها بل يزيد من معاناته ويفاقم أزمته التي تتعقد يوما بعد يوم.

إثارة الإشكال دون تقديم الحلول

وقد دأبت حركة النهضة خلال مسيرتها المعارضة لسياسات الرئيس قيس سعيّد على إثارة الإشكال دون تقديم الحلول، لأنها ببساطة لا تملك
الحلول العملية بل عاجزة على إيجادها بعد أن أظهرت إفلاسها السياسي في إدارة البلاد خلال الفترة الماضية، وفي الحقيقة ليس حزب النهضة
وحده الذي لا يملك هذه الحلول بل إن كل الأحزاب السياسية الموجودة على الساحة اليوم غير قادرة على إنقاذ البلاد ولا تقدم أطروحات مهمة
وحلولا عاجلة وناجعة يمكن أن تُخرج تونس من أزمتها، لذلك يكون السكوت من ذهب في هذه المرحلة الحسّاسة، وهذا يعني أنه يجب عليك أن تُقدّم حلّا يفيد البلاد أو تصمت، أما أن تثرثر وتتوسع في النقد دون عمل فأنت كمن يحرث في البحر ولا يجني من وراء ذلك إلا التعب والخسارة والوبال.

وكانت أصوات المعارضة تعلو بين الحين والآخر في وسائل الإعلام المختلفة تطالب الرئيس بحلول عملية وإلا يترك منصبه والخروج من
قصر قرطاج، فهل هي قادرة على ملء هذا الشغور لو حصل مثل هذا السيناريو؟

أحزاب المعارضة تتناحر

لا أعتقد ذلك، بل أكاد أجزم أنها مفلسة ولا تستطيع في ظل التضارب الشديد والتناقض والتعارض الأيديولوجي بين هذه الأحزاب أن تفعل ذلك لأنها تتناحر وتتخاصم منذ مدة غير قليلة على من يسد شواغر المناصب العليا في البلاد حتى إنك ترى خصاما غير معهود بين أحزاب إسلامية بعضها ببعض وأحزاب ليبرالية بعضها ببعض مما يجعل البلاد ساحة للصراع الدائم الذي لا نهاية له إلا بقرارات حاسمة وجازمة وربما صادمة للبعض.

على أن حزب النهضة هذا كان يرفض حتما ودوما شروط صندوق النقد الدولي ويراها من وجهة نظر دينية مُجحفة في حق الشعب التونسي وتثقل كاهل ديون الدولة وترفعها بنسبة الفائض الذي يفرضه البنك المركزي التونسي والإصلاحات القاسية التي يطالب بها الصندوق كرفع الأسعار ورفع الدعم عن المواد الأساسية وعدم رفع الأجور وتسريح الموظفين حتى يحدث التوازن في التوازنات المالية التونسية، لكنها تبدو فعلا شروطا قاسية يرفضها كل وطني يحبّ بلاده ويسعى إلى تخليص شعبه من الأسعار المرتفعة والتضخم المرتفع وتوظيف الشباب لأنهم عماد الوطن، وبهم ترتقي البلاد نحو العلا، لكن هل هناك حلول يمكن أن يتكئ عليها الرئيس في ظل رفضه عرض صندوق النقد الدولي لإقراض تونس. و هنا يكمن الإشكال الجوهري الذي لم تجد له تونس الحل المقبول من طرف كل الأطراف.

فقد تكون لرئيس الجمهورية رؤية للتخلص من سيطرة الصندوق الدولي وفرضه اللامعقول على السياسة النقدية التونسية، وقد تكون هناك دول عربية وإسلامية وغيرها تسعى فعلا لمساعدة تونس للخروج من محنتها، كما صرح بذلك الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، وكما صرح الاتحاد
الأوروبي بضرورة المساعدة المالية لتونس حتى لا ينهار اقتصادها وتصبح كارثة عظيمة للاتحاد الأوروبي الذي يراها الغطاء الآمن لتدفق
جموع المهاجرين الأفارقة نحوها، وقد تكون الدول العربية المنضوية تحت لواء جامعة الدول العربية ومنها دول الخليج التي سبق أن وعدت
بإنقاذ مصر وتركيا وغيرهما.

لكني وفي هذا الإطار أقدم مقترحا لمؤسسة الرئاسة لعله يجدي نفعا في ظل الظروف القاسية التي يعيشها الشعب التونسي، يتمثل في دعوة جميع
التونسيين بالخارج بالمساهمة في إنقاذ تونس كل حسب استطاعته، والاتجاه نحو جمع الأموال من أبناء تونس تبرعات وزكوات وصدقات
ونحن نعيش أجواء رمضان، وتفتح الدولة الباب على مصراعيه لرجال الأعمال التونسيين المقيمين بالخارج والموجودين بالداخل للاستثمار في
البلاد وتحسين ظروف العيش وتسهيل الإجراءات وفق شروط منضبطة يتعارف عليها الجميع، ومن هنا يمكن للدولة أن تبدأ مشوار التحرك من
جديد، ورمي كل المخلفات السياسية وراء ظهورنا ونضع أيدينا بعضها في يد بعض دون إقصاء ولا مشاحنة ولا تباغض بل نكون تونسيين معا
يدا بيد حتى نرى الأمل يسري بين أعيننا.

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.