مواكبة الذكرى ال15 لوفاة سمير العيادي في بيت الرواية، الناصر التومي يكتب تحت عنوان: “الفارس الذي ترجل”

في بيت الرواية بمدينة الثقافة بتونس العاصمة، تم الإعلان عن مواكبة للذكرى الخامسة عشر لرحيل المبدع سمير العيادي و ذلك يوم الأربعاء 31 ماي 2023 بداية من الساعة الثانية مساءا.

بالمناسبة، نشر الروائي الناصر التومي ما يلي: “سمـير الـعيادي الـفارس الــذي تـرجّــل

“خلال العقود الأربعة التي مرت كان الأديب سمير العيادي أشهر من نار على علم ، قاص وكاتب مسرحي، وممثل، ومخرج مسرحي، ومعد برامج ثقافية بالإذاعة والتلفزة التونسية، وكاتب سيناريو، وممثل بالمسلسلات التلفزيونية، ويكتب المقالة الصحفية باللغتين العربية والفرنسية.
كنت دوما منبهرا بفصاحته أثناء محاوراته بالملتقيات الأدبية، أو عند تقديمه للبرامج الثقافية، ممتلكا ثقافة عميقة، مما يدل عن طلاعه الواسع على كامل الفنون الأدبية وتاريخها.
قرأت مجموعاته القصصية، صخب الصمت، وزمن الزخارف، وكذلك يقتلون الأمل، والسيد س، وهو من الكتاب القلائل الذين أعدت قراءة أعمالهم لما تحتويه من لغة مشرقة، وذكاء وقاد في التعامل مع الأحداث والشخصيات، ومراوغات فنية عجيبة دون تصنع أو تكلف، فلا هو بالمتقعر ولا بالمسف. قصص متجذرة، وشخوص ينبضون الواقع الراهن حلوه ومره، متمكن من عناصر فن القصة القصيرة إلى حد الإعجاز. عندها تعلم أنك أمام كاتب فنان لا ينطلق من فراغ، وإنما من ثراء فكري، وثقافة موسوعية، ومتمكن عن دراية لتجارب الأوائل التقليديين، وكذلك المجددين، وإن اختار منذ البداية السباحة مع الأخيرين، رافعا شعار القطع مع السائد، والبحث دوما على المضامين المسكوت عنها، والأشكال الغير متداولة، لذلك عد من جماعة حركة الطليعة، بل أحد أهم فرسانها.
لم يكن يرضيه الاشتغال على صعيد القصة القصيرة لا غير، بل شغف بالمسرح، فكتب مسرحيات، أخرجت من قبل أهم الفرق المسرحية، ونال جائزة أبو القاسم الشابي للبنك التونسي عن مسرحيته عليسة التي عرضت في افتتاح مهرجان قرطاج. وإن هجر الركح المسرحي فقد وجد غايته في أدوار بالمسلسلات التلفزيونية، مما عوض ولهه بالركح.
لقد فقدت الساحة الثقافية بالبلاد أحد أهم عناصرها الفاعلة على أصعدة عدة، فهو الفنان المتكامل، حيث تريده تجده، يستفيد من شبكة اتصالات هائلة بالمثقفين بالبلاد وخارجها، سواء من العرب أو الأجانب شرقا وغربا، من أدباء، ومفكرين، ومسرحيين، وسينمائيين، وصحفيين، وغيرهم كثر.
اضطلع في السنوات الأخيرة بالإشراف والإعداد لملتقى شيخ الأدباء ببلادنا، محمد العروسي المطوي، الذي يقام بالمطوية، وأمنيته أن يجعله في مستوى دولي ليكون في حجم مكانة المطوي المؤرخ والمحقق والروائي والشاعر.
سمير العيادي شعلة من نشاط لا تنطفئ مادام على قيد الحياة، ما دام فيه عرق نابض، فمشاريعه الثقافية لا تنتهي، أحلامه كبيرة، لا يتسعها الزمن وإن امتد، لكن المرض الرابض في ثنايا قلبه كان يحدّ من اندفاعاته، لكنه ما إن يتعافي حتى يخوض من جديد في عمل بدأه من قبل، أو آخر لا يزال مشروعا. ولعل تركيزه في السنوات الأخيرة على التأليف المسرحي، والإخراج، ما جعله يبذل مجهودات مضاعفة، حالت دونه والراحة التامة الضرورية التي تتطلبها حالته الصحية الجديدة القديمة، التي تستلزم عملية جراحية، لكنه يتهرب تارة، ويؤجل أخرى، إلى أن أجهد، فتعكرت صحته أكثر. وكان لزاما عليه توفير مبلغا ماليا مرتفعا لإجراء العملية، بينما لم يتحصل وقد فارق سنواته الستين على تقاعد لا يضمن له حدا أدنى من العيش الكريم، مما اضطر النادي الثقافي أبو القاسم الشابي إلى أن يكاتب السيد وزير الثقافة والمحافظة على التراث قصد إسعافه بتكاليف إجراء العملية، بما أن سمير العيادي انتخب كاتبا العام للنادي في دورته الأخيرة. ولقد حز في نفسه وتألم كثيرا أن يحال على التقاعد وهو المستشار لدى وزارة الثقافة والمحافظة على التراث بجراية تقاعد هزيلة في مستوى تقاعد عملة الحضائر.
ولد سمير العيادي بالمطوية سنة 1947، حل مع أهله إلى العاصمة وعمرة ثلاث سنوات، تعلم بالمدرسة الابتدائية بحي الزياتين، ثم بالمعهد الثانوي بباردو، وأحرز على شهادة الباكالوريا سنة 1966، وواصل دراسته بكلية الآداب في السنة الموالية.
انقطع عن التعليم والتحق بوزارة الشؤون الثقافية، وعمل فيها سنة 1969 منشطا لنادي المسرح في دار الثقافة ابن خلدون، ونشط بنفس الدار النادي الأدبي، وأصدر له مجلة ثقافة. اضطلع بمسؤولية إدارة دار الثقافة لابن رشيق، ثم دار الثقافة ابن خلدون، ثم مدير مهرجان قرطاج الدولي، فمستشارا بوزارة الشؤون الثقافية بداية من سنة 1985.
تقلد سمير العيادي مهاما بهيئة المديرة لاتحاد الكتاب التونسيين، وأشرف على مجلة المسار زمنا، كما إنه عضو نادي القصة بداية من تأسيسه خلال الستينات.
إضافة لمجموعاته القصصية المذكورة أول هذا، أصدر عدة مسرحيات منها عطشان يا صبايا وسندباد وعليسة التي فازت بجائزة أبو القاسم الشابي للبنك التونسي، كما اقتبس عديد المسرحيات عرض بعضها على الركح، كما كتبت عنه دراسات عديدة، وأعدت عن مدونته القصصية عديد الأطروحات الجامعية. لكن رغم ذلك نرى أنه لم يحظ بما يستحقه من الدراسات والبحوث المعمقة في ما أبدعه سواء في مجال القصة القصيرة أو في المسرح.
برحيل القاص والمسرحي سمير العيادي، تفقد الساحة الثقافية أهم رموزها.”.

شارك رأيك

Your email address will not be published.