بيان حركة النهضة في الذكرى 42 لتأسيسها

بسم الله الرحمن الرحيم
تونس في 6 جوان 2023
يُحيي مناضلو ومناضلات وأنصار وأصدقاء حزب حركة النهضة وكل الديمقراطيين والأوفياء لمبادئ وأهداف ثورة 17 ديسمبر / 14 جانفي من أبناء وبنات شعبنا اليوم 6 جوان 2023 الذكرى الثانية والأربعين لتأسيس الحركة.
وتأتي هذه الذكرى في ظرف استثنائي يمرّ به العالم والإقليم وتمرّ به بلادنا حيث يقبع اليوم عدد من قادة الحركة في السجن يتقدمهم الزعيم المؤسًس الأستاذ راشد الغنوشي، ويتعرّض هو وقادة آخرون من الحركة وجبهة الخلاص الوطني وأحزاب وطنية ومن عموم الطّيف الديمقراطي الوطني وقضاة ونقابيون وإعلاميون وشباب ومدوّنون لملاحقات قضائية ظالمة.
وتأتي ذكرى التأسيس هذه السنة والوضع الدولي يشهد اضطرابات وتحوّلات عميقة وخطيرة بعضها على وقع الصراعات والنزاعات المسلحة خاصة منها حرب روسيا على أوكرانيا التي تطول وتتعقّد وتفتح العلاقات الدولية على مزيد من التوتّر، وبعضها تحت وطأة تداعيات الكوفيد التي حصدت أرواح الملايين وأضعفت اقتصاديات العالم وخاصة منه الدول النامية.
ونحن نقف اليوم على المخاطر العالية المُحْدقة بالعالم، والعلاقات الهشة وغير العادلة التي تحكم التوازنات الدولية حيث أن عددا غير قليل من الدول تواجه صعوبات متنامية في تلبية حاجيات شعوبها ومواطنيها، خاصة منها التي تحكمها الشعبوية مما يجعلها معرّضة لمزيد من الأزمات والاضطرابات.
كما تأتي الذكرى 42 لتأسيس حركة النهضة ومنطقتنا العربية مضطربة ومنقسمة، وبعض الدول تشهد حروبا مدمرة وعدد من الشعوب العربية تفقد استقرارها ويتزايد تخلّفها وفقرها.
وتأتي ذكرى التأسيس هذه السنة مع انقضاء حوالي سنتين على انقلاب 25 جويلية 2021 الذي أصاب الديمقراطية التونسية في مقتل، حيث انطلق تفكيك مؤسسات الدولة بغلق البرلمان ثم باستهداف القضاء وتطويعه ويتواصل التدمير الممنهج للحياة السياسية بلا توقّف ولا يستثني مؤسسة ولاحزبا ولا منظمة ولا ناشطا سياسيا ولا مدنيا.
إنّنا اليوم أمام حصيلة سنتين من الحكم الفردي المطلق الذي انتهى إلى النكوص النهائي عن التجربة الديمقراطية وفرض دستور جديد صيغ بشكل انفرادي وتنصيب برلمان صوّت له 8,8 % من التونسيين فقط وأسّس لحكم تسلّطي لم يجد من وسائل السيطرة إلّا تطويع القضاء واستعمال وسائل الدولة لملاحقة المعارضين والتضييق على الإعلام الحرّ ومحاولة تدجينه والاستهداف المتعمّد للحريات الخاصة والعامة.
وإنّ أسوأ حصائل انقلاب 25 جويلية 2021، هي التي يعيشها التونسيون والتونسيات من ضيق في معيشهم وإزدياد فقرهم وإشراف بلادهم على الانهيار الاقتصادي وإعلان إفلاس دولتهم.
فقد عاشت بلادنا أزمة اقتصادية ومالية قبل 25 جويلية 2021، لكن كان بالإمكان تجاوزها من خلال الحوار الوطني الذي دعت إليه أحزاب ومنظمات وطنية وازنة وكانت فرص التعويل بعد ذلك على دعم شركاء تونس وأصدقائها للتجربة الديمقراطية الناشئة حقيقية، وكانت حظوظ بلادنا في إبرام اتفاق مع صندوق النقد الدولي قائمة وهو الذي كان سيفتح الباب أمام تمويلات واسعة من الشركاء والمانحين الدوليين.
غير أنّ الانحراف عن المسار الديمقراطي وتعطيل مؤسسات الحكم لأشهر طويلة منع تونس من التوصل إلى إبرام الاتفاق مع صندوق النقد الدولي والذي كان منتظرا في خريف 2021.
إننا اليوم إزاء سياسات أدّت إلى تجاوز نسبة التضخم 10% وذلك لأول مرة منذ 40 سنة، وهو ما يلمسه المواطنون في التهاب الأسعار وغلاء معيشتهم، كما أدّت تلك السياسات إلى تعمّق العجز التجاري الذي بلغ مستوى قياسيا تجاوز 25 مليار دينار في سنة 2022، وإلى تباطؤ النمو الاقتصادي وتتابع تخفيض الوكالات الدولية للتصنيف الائتماني لتونس الذي يوشك على بلوغ أدنى درجاته وهو ما ضرب مصداقية المنظومة المالية للبلاد في الصميم وزاد من احتمال التخلف عن سداد الديون الخارجية لأول مرة في تاريخ تونس.
إننا اليوم أمام سياسات أدّت إلى تنامي نسبة البطالة ولا سيما لدى الشباب من حاملي الشهائد العليا، وانتهت الى العجز عن توريد وتوفير المواد الأساسية من أغذية وأدوية ومحروقات.
لقد كانت بلادنا تعيش أزمة قبل 25 جويلية 2021، لكن الخيارات الفاشلة للسلطة ذهبت بها إلى الكارثة، مع استمرار رئيس الدولة في تقسيم التونسيين وتخوين معارضيه وتهديدهم وملاحقتهم، بينما تتجه الحكومة إلى تنفيذ برنامج رفع الدعم عن المواد الأساسية والتفويت في المؤسسات العمومية دون إطلاع الرأي العام ولا الأطراف السياسية والاجتماعية على الالتزامات والتعهدات المرتبطة بها.
إنّ حركة النهضة التي تُحيي ذكرى انبعاثها الثانية والأربعين، تذكّر بأن لحظة التأسيس في 6 جوان1981 كانت لحظة إمتحان تمثّل في تقديم عرض سياسي جديد لم تعرفه دولة الإستقلال التي أرهقها حكم الحزب الواحد والزعيم الأوحد وعاشت مصادرة الحريات والتضييق على المعارضة بكل حساسياتها.
كما عرفت تونس لحظة تأسيس حركة النهضة (حركة الاتجاه الاسلامي)، أزمة شاملة للحكم عاشها النظام السياسي آنذاك أوصل فيها البلاد إلى تجارب تنموية فاشلة وانتفاضتين اجتماعيتين، وتمرّد فاشل وتصدّع داخلي لنظام تتصارع الأجنحة داخله، ويعيش قطيعة مع انتظارات الشعب والشباب والجهات، وعاجز عن تأمين إنتقال سلمي وديموقراطي للسلطة.
لقد تقدّمت حركة النهضة منذ 42 عاما للشعب التونسي باعتبارها حزبا سياسيا وطنيا وتيارا أصيلا داعما لاستقلال البلاد وسيادتها، ومعزّزا لوحدة المجتمع والدولة وهو ما اجتهدت في تثبيته خلال مسارها السياسي الطويل من خارج السلطة ومن داخلها.
واليوم، وفي ظل اعتقال زعيمها الأستاذ راشد الغنوشي ونائبيه المهندس علي العريض والأستاذ نورالدين البحيري وعدد من قياداتها ومناضليها، تؤكد حركة النهضة أنها حزب قائم على المؤسسات، وأنّ عمل الحزب مستمرّ في ظل الشرعية والقانونية رغم الغلق الظالم لمقرّه المركزي ومقرّاته الجهوية.
إنّ تجاوز حزبنا سنّ الأربعين واستمرار فعله المحوري في الحياة السياسية الوطنية يعود لطبيعة فكره الوسطي والديمقراطي وانتشاره الاجتماعي، كما يعود لتاريخه النضالي وقدرته على التأقلم وقابليته الذاتية للتطور واستعداده الذهني والأخلاقي للمراجعة والنقد وتحمل المسؤولية.
إن حركتنا تتشرّف بمساهمتها طيلة عقد من الزمن في تأسيس الديمقراطية التونسية وتفخر بعشرية الحريات التي تلت ثورة 17 ديسمبر- 14جانفي، عندما كانت بلادنا محلّ احتفاء في المحافل الدولية وكانت توصف بأنها “بلد حرّ”.
إن حركة النهضة تدرك تماما النقص الذي رافق التجربة الديمقراطية كما تدرك حجم الإحباط الذي أصاب شعبنا وشبابنا الذي لم تتحقق آماله في التنمية والشغل والعيش الكريم، ولقد استوعبت الحركة الدرس ولديها كل التواضع لتَحمُّل نصيبها من المسؤولية عن النقائص والإخفاقات، ولديها كل الاستعداد للعمل مع الأطراف الوطنية من أجل مستقبل أفضل لبلادنا.
إنّ الأمل في استعادة الديمقراطية والبناء التشاركي لمستقبل تونس لا ينقطع. وحركة النهضة تؤكد أن أولويتها وطنية وأنها تعمل ضمن جبهة الخلاص الوطني ومع كل الشركاء من أجل استئناف الحياة الديمقراطية وتأمين عوامل استقرارها للنهضة الحقيقية الاقتصادية والحضارية ولا تعمل مطلقا من أجل العودة إلى ما قبل 25 جويلية.
ورغم أنّ انقلاب 25 جويلية 2021 كان زلزالا سياسيا وصدمة للقوى الديمقراطية فإنّ النخب الوطنية لم تفقد بوصلتها وهي بصدد تطوير مواقفها وأدائها السياسي الذي يتّجه نحو مزيد من التنسيق بهدف استعادة الديمقراطية الفعّالة وغير الإقصائية.
وفي هذا الإطار فإنّ جبهة الخلاص الوطني تمثّل إطارا متقدّما للعمل المشترك وهي طرف وطني وشريك موثوق للنضال السلمي والمدني من أجل الوصول إلى حوار وطني ينقذ بلادنا من الانهيار الاقتصادي والاجتماعي ويحفظ وحدتنا الوطنية وسلمنا الأهلي.
إنّنا نُحْيي ذكرى تأسيس حركتنا مستشعرين الوفاء للشهداء الذين بذلوا دماءهم الزكية في سبيل الحرّيّة والكرامة والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، ومتوجّهين بخالص التحيات لجرحى الثورة وضحايا الاستبداد ومتقدّمين بالتهنئة لرئيس الحركة المعتقَل ولنائبيه وبقية القيادات المعتقلين ولكل أبناء حركة النهضة وبناتها الذين سبقوا عند التأسيس والذين لحقوا بالانخراط والنضال زمن الديمقراطية وأزمنة الاستبداد.
وإذ تتوافق الذكرى 42 للتأسيس مع الأجل الذي كان محدّدا لعقد المؤتمر الحادي عشر للحركة، فإنّ الإجراءات الانتقامية الظالمة التي اتخذتها السلطة في حقّ زعيم الحركة الأستاذ راشد الغنوشي وعدد من قياداتها وفي حقّ مقرّات الحزب تتسبّب اليوم في إعاقة عمل الحركة ومؤسساتها، كما تعطّل دورها باعتبارها حزبا وطنيا يساهم في ترشيد العمل السياسي في بلادنا وتمنع عقد المؤتمر الحادي عشر الذي نعتبره استحقاقا وطنيا.
وستظلّ حركة النهضة على التزامها من أجل تطوير الحزب وتجديده والقيام بالمراجعات الضرورية والتقييم والنقد الذاتي بما يستجيب لتطلعات أبناء الحركة وبناتها وبما يساهم في بناء وطن يتّسع للجميع، ولكلّ الأطراف فيه دور ومكان ومكانة.
ونحن نُحيي ذكرى التأسيس، فإنّنا نحَيّي كل المنظمات والشخصيات والمحامين، فرسان العدالة، المدافعين عن الديمقراطية وحقوق الإنسان في بلادنا. كما نحيّي القضاة المدافعين عن استقلاليتهم والصامدين أمام تصميم السلطة على تركيعهم.
ونجدّد في حركة النهضة المطالبة بإطلاق سراح كل المعتقلين السياسيين الذين تلفّقُ لهم التهم وتنصب لهم المكائد، ونؤكد التزامنا بالنضال من أجل إخراجهم من سجونهم ورفع المظالم عنهم، كما نطالب بتمكيننا من مقرّنا المركزي ومقراتنا الجهوية ورفع القرار الجائر بمنعنا من الاجتماع فيها، ونجدّد دعوتنا القوى السياسية والاجتماعية والمدنية من أجل مزيد التنسيق لوضع حدّ للأزمة الخانقة التي تردّت فيها بلادنا بهدف استئناف المسار الديمقراطي الذي لا نرى ملجأ غيره يحمي بلادنا من مزيد التقدّم في الطريق الخاطىء.
المجد للشهداء
العزة والمناعة لتونس
عن المكتب التنفيذي لحزب حركة النهضة
الدكتور منذر ونيسي

شارك رأيك

Your email address will not be published.