معضلة أفارقة جنوب الصحراء في تونس

قضية تكاثر عدد أفارقة جنوب الصحراء في تونس شأن خطير جدا علي بلادنا… فهو يمس أمننا القومي حاضرا ومستقبلا؛ وسيساهم بقوة في تحديد و ربما أيضا توتير العلاقات مع جيرانها في الفضاء المغاربي (الجزائر، ليبيا، المغرب، مصر و السودان) ومع الدول الأفريقية و دول جنوب أوروبا ( و بالخصوص إيطاليا وفرنسا) وغيرها من البلدان الغربية.

بقلم رؤوف الشطي

طوعا او كرها سيحتل هذا الشأن المرتبة الأولي في سلم أولويات الدولة والبلاد للسنوات المقبلة وسيقض مضجعها وستكون له انعكاسات جوهرية علي تماسكها الداخلي وعلي نسيجها الاجتماعي واستقرارها السياسي وصحتها الاقتصادية والمالية والبلاد ليست قط في حاجة الى مثل هذه المشاكل…

ليس للدولة خيار آخر غير الانكباب منذ الآن بعقلانية وصرامة ودون عاطفيات علي دراسة هذا الملف القنبلة الموقوتة من كل النواحي واتخاذ القرارات الكبري الضرورية والمتزنة بخصوصه… أخذا في الاعتبار مصالحنا الوطنية والدولية الآنية وكذلك علي المدى المتوسط والبعيد.

خطورة الملف :

هذا الملف خطير لأنه سيؤثر بعمق وبقوة علي مجري وتطور عديد الملفات المحورية في البلاد : السلم الاجتماعية، الاستقرار، مستوى المعيشة، الخدمات الاجتماعية، التربية، الصحة، النقل، الشباب، الشغل … ملف الهجرة سيزيد الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الصعبة مزيدا من التعقيد…

وهو خطير لأن هؤلاء الأفارقة سيشكلون عاجلا او آجلا قوة داخلية ضاربة في البلاد، سيكونون أولا فيما بينهم قوة ذاتية فاعلة، و سيتنظمون ويطالبون الدولة بتوفير الإقامة و كل الخدمات الأساسية لهم ولأبنائهم : السكن، الصحة، الشغل، الدراسة، وذلك طبقا للمعاهدات الدولية ولقوانين الهجرة واللجوء.

الأوضاع المعيشية للمهاجرين الأفارقة صعبة وقد يشوب علاقاتهم بالشعب التونسي خلافات ستطرح بقوة في خانة حقوق الإنسان وستستغل من طرف منظمات المجتمع المدني الداخلية الممولة اساسا من الخارج والجمعيات الحقوقية الدولية وكذلك من قبل الدول الغربية … كأداة للإساءة الى الدولة والشعب التونسيين باظهارهما لا يحترمان حقوق الإنسان وباالزعم ان الشعب التونسي عنصري وكذلك لتبرير التدخل في شؤوننا والضغط علينا سياسيا و إضعاف مكانتنا دوليا.

لأن الأعداد الكبيرة من المهاجرين الأفارقة سوف تزيد الأوضاع تفاقما في كل القطاعات، بعد عشرية الدمار النهضوية الإسلاماوية التي ضربت البلاد ووضعتها في قاع القاع وجعلت منها بلدا متسولا لا حول له ولا قوة على الساحة الإقليمية والدولية…

أخذ الموضوع علي محمل الجد بعيدا عن الشعبوية

لن كل المؤشرات تؤكد ان هذه الأوضاع تنذر بغليان داخلي كبير وحتى بانفجارات اجتماعية وباحتكاكات غير محسوبة العواقب بين التونسين وأفارقة جنوب الصحراء وقد بدءنا نراها في صفاقس وفي بعض الأحياء في العاصمة.

الموضوع إذن خطير جدا وهو يحتم علي الدولة مباشرته منذ الآن بجدية وصرامة, ة في هذا الصدد هناك عدة اسئلة تطرح:

هل تم تحديد رسمي لعدد هؤلاء الأفارقة و أماكن انتشارهم وإقامتهم في البلاد التونسية ؟

هل ان تواجدهم هو نتاج مبادرات فردية ام أعمال إجرامية تدخل في خانة المتاجرة بالبشر ومن هي المنظمات والأطراف المستفيدة من ذالك ؟

هل ان تواجدهم امر محكم مدبر بطريقة او بأخرى لتونس من قبل أطراف خارجبة نافذة في إطار سياسة تقاسم أعباء الهجرة بين دول الشمال ودول الجنوب واستغلال وهن الدولة التونسية بعد عشر سنوات من إدخالها في “الفوضي الخلاقة” وإرساء حكم الإسلاماوين وما تسبب فيه من كوارث لا تحصي ولا تعد طالت جميع القطاعات وأدت إلى انهيار معنوي ومادي لشعب بأكمله ؟

من هي الأطراف التي تدفع الي هجرة هؤلاء الأفارقة إلى البلاد التونسية؟

هل لدول الجوار دور في الموضوع وان كان كذلك لماذا ومن هي هذه الدول وكيف يتم ذلك و كيف التعامل معها ؟

امام هذه الأوضاع التي باتت لا تطاق ماذا يجب أن تفعل الدولة لحماية نفسها وشعبها وحدودها ومصالحها؟

في اعتقادنا لا مفر اليوم للدولة والمجموعة الوطنية من التجند وأخذ الموضوع علي محمل الجد بعيدا عن الشعبوية والكلام الفارغ ووضع حاضر البلاد ومستقبللها في الميزان وذلك :

– بتوخي خطاب عقلاني صارم وسياسات موحدة يتم التشديد فيها علي ان الموضوع لا يمت باي صلة إلى حقوق الإنسان وان تونس غير قادرة لا اليوم ولا غدا علي توطين هؤلاء الأفارقة ولا غيرهم وليس عندها ما تقدمه لهم لحفظ كرامتهم الإنسانية خصوصا وانه ليس لها موارد لتامين حتي الحاجات الأساسية الدنيا لمواطنيها… كما يعلم العالم بأسره ذلك.

لا مستقبل للأفارقة إلا ببناء أوطانهم…

– بإقناع الدول الأفريقية انه ليس لتونس أي إشكال مع هذه الدول وهي تحترمها وتجلها وتحرص على احترام الكرامة الإنسانية لكل الأفراد ومن هذا المنطلق فهي لا تريد ان تهان كرامة الأفارقة أو أن يتم استغلالهم بأي صورة كانت داخل او خارج أراضيها باعتبار انه ليس لديها ما توفره لهم لحفظ كرامتهم وتامين ظروف العيش الكريم لهم.

– بالحرص علي السيادة الوطنبة وإرساء التأشيرة مع كل الدول الأفريقية وتكثيف المراقبة على الحدود و بالخصوص الامتناع عن إمضاء أي وثيقة رسمية مع الخارج حول هذا الموضوع وعدم الرضوخ للضغوط الخارجية من أين كان مأتاها ورفض سياسة مقايضة تواجد أفارقة جنوب الصحراء في تونس باي إعانات او قروض مسهلة من الاتحاد الأوربي او من المنظمات المالية الدولية والإقليمية…

– التشدبد على ان تونس لا تتحمل أي مسؤولية في السياسات الخاطئة للغرب في أفريقيا ولا فيما حدث في ليبيا من فوضى عارمة إلى الآن بعد تدخل حلف الناتو وانهيار نظام القذافي الشيء الذي فتح ليبيا الي كل التدخلات الأجنبية وأسهم بقوة في إرساء عدم الاستقرار فيها … والتأكيد للغرب ان تونس لن تكون البوابة او الحارس الخلفي لحدود أوروبا الجنوبية وان حل الموضوع يتطلب تعاونا دوليا صادقا ومجديا وفعالا في اطار التعامل الندي مع الدول الأفريقية لمساعدتها ماديا ومعنويا وعلميا حتى تتمكن من إقناع أبنائها انه لا مستقبل لهم إلا ببناء أوطانهم…

علي الدولة التونسية التحرك بقوة في هذا الإطار حتي لا تصبح تونس جمهورية الموز وتدخل في متاهات خطيرة ستؤدي حتما بالبلاد إلى فقدان شخصيتها وذوبان هويتها ومزيد انخرام أحوالها وهذا ما لا نرضاه أبدا لبلادنا…

سفيرسابق.

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.