تونس : هل يلبي الأمر الرئاسي ما ناضل من أجله حسن المسلمي؟

لاعتناء الدولة بالموضوع  وتركيزها في هذه الفترة على الأمر الرئاسي-الصادر بتاريخ 23 سبتمبر 2023 –  المتعلق بإجراء تدقيق للانتدابات ولمختلف عمليات الإدماج التي تمت منذ 14 جانفي 2011 إلى غاية 25 جويلية 2021  في الإدارة والمرفق العمومي، لا يمكن للواحد منا أن لا يلاحظ ان مختلف الوزارات دخلت – في هذه الفترة – في حركية كبيرة، ترسل المذكرات وتنشأ اللجان، وتأمر بتطبيق أحكام الأمر المذكور والالتزام بآجاله.

بقلم فتحي الهمامي

علاوة على ذلك، استذكرت اليوم – وانا اطلع على الأمر للتعرف على بنوده – فقيد الحركة النقابية في صفاقس النقابي الشهم حسن المسلمي ليس لأنه يمر اليوم – يا للمصادفة – خمس سنوات بالضبط على رحيله – فقد غدرته المنية يوم 4 أكتوبر 2018-، وإنما لانخراط الرجل المبكر – بمعية عدد غير كثير من التونسيين – في النضال ضد الانتدابات المشبوهة أيام انطلاقها. 

التصدي للانتدابات الحزبية المشبوهة

فمن كان يعرفه  عن قرب من الخصوم ومن غير الخصوم، ما خفي عنهم ابدا، ان قضية هجوم الانتدابات المريبة على الإدارة -في عامي 2013 و2014- لم تكن ترهق عقله فقط بل كانت توقظ كيانه وتحرك همته حتى أنه دفع زملائه – بصفته الكاتب العام لنقابتهم – في العمل، – الإدارة الجهوية للتجهيز بصفاقس – إلى الإضراب في سبيل القضية، فنفذوه بنجاح ليتحدوا الأجواء السائدة وقتها في البلاد.    

والمسلمي كان له الاختيار بين ان يستسلم للأمر الواقع أو يسايره ويحاول الاستفادة منه، اختار أن يرفع صوته لمقاومته. ثم ولإصراره على الدفع بالقضية إلى الأمام، واصل الراحل نضاله باستماتة في كل محافل المجتمع المدني الجهوية وخاصة منها النقابية، ليكون من أهم الأصوات في الجهة المناهضة  لتيار حزبي يريد الهيمنة على الإدارة بعد اختراقها، بل لولاه – ولولا غيره من المناضلين- ما كان الاتحاد العام التونسي للشغل يتقدم ليتبنى موقفا صدر عن هيئته الإدارية الوطنية بتاريخ 5 أفريل 2013 دعا فيه إلى التصدي للانتدابات الحزبية المشبوهة، ولما بقيت في الاذهان عمليات تسلل حركة النهضة إلى أجهزة الإدارة بغير وجه حق عالقة إلى الآن.     

إلا ان تلك القوى -في تلك المرحلة- ما كان يمكن لها ان لا تتحرك وأن لا ترد الفعل على حركية المسلمي ورفاقه، إذ استشعرت الخطر على مصالحها، فكادت له كيدا وأحالته على مجلس التأديب -وليس لمرة واحدة وإنما لمرات عدة- لتنزل العقوبات الظالمة بالنقابي المقدام. 

كيف لا والإدارة بدأت تدخل في دائرة تاثير الحاكمة بأمرها حركة النهضة. 

وللجواب عن سؤال العنوان أقول يبدو -للوهلة الأولى- هذا الإجراء الرئاسي الجديد  وكأنه رَجْعا لمواقف تم التعبير عليها وقت الترويكا المشؤومة، او كانها شبه استجابة لصيحات قلق واستهجان أطلقت في ذلك الزمن- ومن بينها صيحات حسن المسلمي-، بما أن لجان التدقيق ستتولى، لتكليفها بتنقية عمليات الانتداب والإدماج من الشوائب، التثبت في  مدى احترامها للشروط القانونية وتلاؤمها مع التشريع الجاري به العمل آنذاك، كما ستتثبّت من صحة الشهائد العلمية المضمنة في ملفات الترشح.

إعلاء مبدأ الشفافية في الإدارة

ثم – ولتصحيح ما هو غير قانوني- ستسحب الإدارات والهياكل المعنية قرارات الإدماج أو الانتداب التي ثبت في شأنها عدم احترام الشروط والإجراءات المحددة في النصوص التشريعية والترتيبية المنطبقة عليها أو التي ثبت اتخاذها بناء على شهائد علمية مزورة.

وهنا ارى ان هذا التدقيق وما سيعقبه – ربما – من عمليات شطب لإجراءات انتداب او إدماج غير قانونية في الإدارة والمرفق العمومي هو في حد ذاته إجراء إيجابي لأنه سينقيهما ولو جزئيا من أثر أفعال الغش واللاقانون، ولهذا أؤكد  انه من الأهمية بمكان لإعلاء مبدأ الشفافية نشر التقرير الختامي  لعملية التدقيق على العموم.

إلا انه علي أن أقول ان  هذا الأمر لا يمس من الإطار القانوني الذي مَكَّنَ من إدماج آلاف المنتفعين بالعفو العام وغيرهم،- وهم خصوصا أعضاء ينتمون إلى حركة النهضة- في الإدارة والمرفق العمومي، وهنا أعني القانون عدد4 لسنة 2012 المؤرخ في 22 جوان 2012.

علاوة على انهم تمتعوا بصيغ انتداب ولا أغرب منها  قررتها فصول الأمر عدد 883 لسنة 2012 المؤرخ في 20 جويلية 2012.

 فأولائك الذين ادمجوا  لم تنطبق عليهم لا صيغ المناظرة الخارجية ولا الداخلية بمعنى أنهم لم ينتدبوا لا بالملفات ولا بالاختبارات (الفصل3)، فلا شرط غير ان تكون متمتعا بالعفو العام.

  ولكن  الأدهى والأمر من ذلك ان  قائمة المدمجين لم تتوقف عليهم بل توسعت إلى غيرهم -وبالقانون كذلك !!-   

فعندما يتعذر إدماج متمتع بالعفو، -يقول الأمر عدد883 – يتم عِنْدَئِذٍ انتداب فرد واحد من أفراد عائلة المنتفع بالعفو العام. ويقصد بأحد أفراد العائلة الأصول أو الفروع أو القرين. وتعتبر حالة تعذر تجاوز السن القصوى أو العجز التام أو الوفاة.

وبناء على ما تقدم يمكنني القول ان القانونين المذكورين أعلاه، -لانتهاكهما الصارخ لحقوق المواطنة والمساواة لجميع شرائح الشعب على راي حسن المسلمي في منشور له فايسبوكي بتاريخ 6 ماي 2014 – ليسا سوى صورة مصغرة لما جرى من تمييز لفائدة البعض بتعلة نضال سبق الثورة، فجعلهم ينقضون على الدولة انقضاضا، ويشرّعون لإحتلال مفاصلها.

وللتاريخ كانت ضربة البداية لذلك الغزو إقرار المرسوم عدد 1 لسنة 2011 المؤرخ في 19 فيفري 2011  المتعلق بالعفو العام والذي مكَّنَ هؤلاء من حقوق مجففة ليس في حق الإدارة والمرفق العمومي فحسب بل في حق البلاد ايضا. 

ناشط حقوقي.

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.