فعل‭ ‬المستحيل‬ أو‭ ‬بعبع‭ ‬حق‭ ‬النقض‭ ‬في‭ ‬يد‭ ‬إسرائيل‭ ‬بالتناظر‭ ‬لأمريكا

قرار‭ ‬وقف‭ ‬إطلاق‭ ‬النار في قطاع غزة بين‭ ‬طرفين ‬أحدهما‭ ‬له‭ ‬حق‭ ‬النقض‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن (و لو بصورة غير مباشرة من خلال حليفه و نظيره الولايات المتحدة) أنما هو ‬كفعل‭ ‬المستحيل‭ . ‬ف‬من يملك حق‭ ‬النقض هو المعتدي المتلبس‭ ‬بخرق‭ ‬قوانين‭ ‬الحرب‭.

                    بقلم‭ ‬الدكتور‭ ‬المنجي‭ ‬الكعبي

فمن‭ ‬من‭ ‬أعضاء‭ ‬المجلس‭ ‬لا‭  ‬يعرف‭ ‬أن‭ ‬إسرائيل‭ ‬هي‭ ‬أمريكا‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحرب،‭ ‬أحدهما‭ ‬في‭ ‬لبوس‭ ‬الآخر‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬نقول‭ ‬أن‭ ‬العالم‭ ‬كله‭ ‬أصبح‭ ‬اليوم‭ ‬لا‭ ‬يفرق‭ ‬بين‭ ‬غزة‭ ‬وإسرائيل‭ ‬أو‭ ‬غزة‭ ‬وأمريكا‭ ‬بعد‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬التطابق‭ ‬على‭ ‬مسؤولية‭ ‬من‭ ‬يقع‭ ‬منذ‭ ‬شهور؟‭  ‬فأنت‭ ‬لا‭ ‬تميز‭ ‬بين‭ ‬رئيس‭ ‬حكومة‭  ‬إسرائيل‭ ‬الذي‭ ‬يقول‭ ‬أمامه‭ ‬وزير‭ ‬خارجية‭ ‬أمريكا‭ ‬وقد‭ ‬جاءه‭ ‬مؤيدا‭ ‬في‭ ‬أول‭ ‬الحرب‭” ‬إني‭ ‬يهودي‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬صفتي‭ ‬الرسمية‭”! ‬

فكيف‭ ‬نغفل‭ ‬أننا‭ ‬أمام‭ ‬أول‭ ‬حالة‭ ‬تحصل‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬المنظمة‭ ‬الأممية‭ ‬ومجلس‭ ‬الأمن‭ ‬يستمر‭ ‬فيه‭ ‬النقاش‭ ‬شهورا‭ ‬لإصدار‭ ‬قرار‭ ‬بوقف‭ ‬إطلاق‭ ‬النار‭ ‬تحتمه‭ ‬أكثر‭ ‬ما‭ ‬تحتمه‭ ‬المادة‭ ‬99‭ ‬من‭ ‬صلاحيات‭ ‬الأمين‭ ‬العام‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬للخطورة‭ ‬القصوى‭ ‬على‭ ‬السلام‭ ‬العالمي‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬كبرى‭ ‬من‭ ‬العالم‭ ‬يموت‭ ‬فيها‭ ‬الأحياء‭ ‬بغير‭ ‬حرب‭ ‬إنسانية‭ ‬شرعا‭ ‬وعرفا‭ ‬وقانونا‭ ‬دولياً‭ .‬فلا‭ ‬المساجد‭ ‬والمعابد‭ ‬ولا‭ ‬المستشفيات‭ ‬والملاجئ‭ ‬ولا‭ ‬المدارس‭ ‬احترمت‭ ‬ولا‭ ‬أدنى‭ ‬ضرورات‭ ‬الحياة‭ ‬روعيت‭.‬

فهل‭ ‬فقه‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬لم‭ ‬يعرض‭ ‬لهذه‭ ‬الحالة‭ ‬النادرة‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬حال‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬لها‭ ‬سابقة،‭ ‬أم‭ ‬بقي‭ ‬عاجزا‭ ‬؟

‬موازين‭ ‬قوى‭ ‬وتبادل‭ ‬مصالح وفرض الأمر الواقع

فنحن‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬أزمة‭ ‬قرار‭ ‬بوقف‭ ‬إطلاق‭ ‬النار،‭ ‬بل‭ ‬أقرب‭ ‬إلى‭ ‬أزمة‭ ‬حق‭ ‬النقض‭ ‬يبقى‭ ‬بيد‭ ‬من‭ ‬يملكه‭ ‬وهو‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬تلبس‭ ‬بخرق‭ ‬قوانين‭ ‬الحرب‭.‬

‭ ‬فما‭ ‬العناية‭ ‬لعضو‭ ‬بإقرار‭ ‬السلم‭ ‬لإدانة‭ ‬نفسه‭ ‬بالتبعية‭ ‬لغيره‭ ‬في‭ ‬جريمة‭ ‬الحرب‭ ‬غير‭ ‬الإنسانية‭ ‬كما‭ ‬أصبحت‭ ‬تصفها‭ ‬كل‭ ‬شعوب‭ ‬العالم‭ ‬وحكوماته‭ ‬المنددة‭ ‬بإسرائيل؟

فليخجل‭ ‬العالم‭ ‬عن‭ ‬الكشف‭ ‬عن‭ ‬وجهه‭ ‬أمام‭ ‬أمواتٍ‭ ‬أحياء‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬والضفة‭ ‬لأنها‭ ‬وصمة‭ ‬عار‭ ‬في‭ ‬جبين‭ ‬هذا‭ ‬الفيتو‭ ‬الأمريكي‭ ‬أو‭ ‬البريطاني‭ ‬أو‭ ‬غيره‭.‬ لكي‭ ‬لا‭ ‬يورث‭ ‬هذا‭ ‬الموقف‭ ‬أممهم‭ ‬عداوة‭ ‬جميع‭ ‬العرب‭ ‬وجميع‭ ‬المسلمين‭ ‬وأصحاب‭ ‬الديانات‭ ‬الأخرى‭ ‬وأحرار‭ ‬العالم‭ ‬كعداوتهم‭ ‬لإسرائيل‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬يرمز‭ ‬إليه‭ ‬كيانها‭ ‬من‭ ‬صهيونية‭ ‬وعنصرية‭ ‬واستعمار،‭ ‬ومحارق‭ ‬بشرية‭ ‬إرضاء‭ ‬لشهواتهم‭ ‬غير‭ ‬المحدودة‭.‬

وآخرها‭ ‬قبل‭ ‬أمس‭ ‬بتوريط‭ ‬رئيس‭ ‬فرنسا‭ ‬في‭ ‬إيقاد‭ ‬شمعة‭ ‬عيدهم‭ ‬الحالي‭ ‬كخازوق‭ ‬لموقفه‭ ‬القاضي‭ ‬على‭ ‬إسرائيل‭ ‬بوقف‭ ‬إطلاق‭ ‬النار،‭ ‬فردّه‭ ‬عليهم‭ ‬بأدب‭ ‬مكتفيا‭ ‬باستضافتهم‭ ‬في‭ ‬قصره‭ ‬الرسمي‭ ‬احتراما‭ ‬لدستور‭ ‬بلاده‭ ‬من‭ ‬العبث‭ ‬به‭ ‬بأيدي‭ ‬المتطرفين‭ ‬منهم‭ ‬ضد‭ ‬المسلمين‭ ‬من‭ ‬مواطنيه‭.‬

لا‭ ‬سبيل‭ ‬لإسقاط‭ ‬عضوية‭ ‬دولة‭ ‬من‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬أو‭ ‬سحب‭ ‬حق‭ ‬النقض‭ ‬منها‭ ‬بمجلس‭ ‬الأمن‭ ‬لأنها‭ ‬بهذا‭ ‬الحق‭ ‬نفسه‭ ‬تعترض‭ ‬عليه‭ ‬وتلغيه،‭ ‬وكذلك‭ ‬حق‭ ‬تسليط‭ ‬العقوبات‭ ‬عليها‭ ‬ولو‭ ‬بإجماع‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭.‬

إسرائيل تملك حق النقض الأمريكي

لأنه‭ ‬حق‭ ‬شرع‭ ‬بدون‭ ‬تشريع‭ ‬رسمي‭ ‬وإنما‭ ‬بالتوافق‭ ‬بين‭ ‬موازين‭ ‬القوى‭ ‬وتبادل‭ ‬المصالح،‭ ‬فبقي‭ ‬كالمثل‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬ترك‭ ‬الحبل‭ ‬على‭ ‬الغارب‭.‬

وليس‭ ‬كقسم‭ ‬أبقراط‭ ‬بالحق‭ ‬في‭ ‬عدم‭ ‬الإذاية‭ ‬ولا‭ ‬بالأهمية‭ ‬في‭ ‬تحري‭ ‬غريزة‭ ‬الحرب‭.‬

وبعد‭ ‬لماذا‭ ‬لم‭ ‬يمكن‭ ‬التوصل‭ ‬إلى‭ ‬اتفاق‭ ‬جماعي‭ ‬‏داخل‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬يمنع‭ ‬استخدام‭ ‬حق‭ ‬الفيتو‭ ‬في‭ ‬حالات‭ ‬معينة‭ ‬لتجنب‭ ‬ارتكاب‭ ‬فضائع‭ ‬أو‭ ‬إنهائها‭ ‬حسب‭ ‬المبادرة‭ ‬التي‭ ‬تقدمت‭ ‬بها‭ ‬فرنسا‭ ‬والمكسيك‭ ‬منذ‭ ‬عشر‭ ‬سنوات‭ ‬ووافقت‭ ‬عليها‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مائة‭ ‬دولةً‭ ‬؟

ومن‭ ‬هنا‭ ‬نكتشف‭ ‬أن‭ ‬إسرائيل‭ ‬لها‭ ‬حق‭ ‬النقض‭ ‬بالتناظر‭ ‬أو‭ ‬بالتطابق‭ ‬مع‭ ‬مصالحها‭ ‬هي‭ ‬وأمريكا‭ ‬في‭ ‬عدم‭ ‬تطبيق‭ ‬التزاماتهما‭ ‬مع‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬وعدم‭ ‬احترامهما‭ ‬لكل‭ ‬القرارات‭ ‬التي‭ ‬تعترض‭ ‬عليها‭  ‬أو‭ ‬ترفضها‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬استخدام‭ ‬حق‭ ‬النقض‭ ‬بمجلس‭ ‬الأمن‭.‬‏ فكأنها‭ ‬أي‭ ‬إسرائيل‭ ‬استرقت‭ ‬دون‭ ‬بقية‭ ‬الأعضاء‭ ‬في‭ ‬المنظمة‭ ‬الدولية‭ ‬حق‭ ‬النقض‭!‬

فلينظر‭ ‬العالم‭ ‬في‭ ‬مرآة‭ ‬غزة‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬من‭ ‬فضائع‭ ‬أم‭ ‬تعمى‭ ‬عنها‭ ‬عين‭ ‬حق‭ ‬عدم‭ ‬الإذاية‭ ‬وتحري‭ ‬غريزة‭ ‬الحرب‭ ‬كما‭ ‬قال‭ ‬الآخر‭.‬

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.