الشركة التونسية للسكر: اجراءات إنقاذ أم خطة إصلاح ؟

في التقرير التالي يحلل مرصد رقابة الوضع الحالي للشركة التونسية للسكر و المصاعب التي تواجهها في علاقة بأزمة مادة السكر التي تعيشها تونس منذ أشهر عديدة علة مستوى الانتاج و التوريد و التوزيع. (الرئيس قيس سعيد في حديث مع عمال الشركة التونسية للسكر بباجة).

 أكّد رئيس الجمهورية بمناسبة استقباله لوزيرة التجارة وتنمية الصادرات والرئيس المدير العام للشركة التونسية للسكر على ضرورة “اتخاذ اجراءات عاجلة لإنقاذ الشركة التونسية للسكر”. ولم يقدم بلاغ الرئاسة أي معطيات حول وضعية الشركة ودواعي التعجيل بالإنقاذ .

مرصد رقابة، الذي يعمل منذ فترة على انجاز دراسة معمقة بخصوص منظومة السكر في تونس، يؤكد أنه من غير الواقعي الحديث عن إجراءات عاجلة للإنقاذ، في ظل غياب تشخيص دقيق تكون مخرجاته ذات جدوى، وذلك بسبب عدم توفر التقارير المالية وتقارير النشاط الموثوقة، باعتبار أن آخر تقارير تمت المصادقة عليها هي تلك المتعلقة بسنة 2019، وذلك خلال اجتماع مجلس إدارة الشركة في جوان 2023. ولم يتم الى حد هذا التاريخ تعيين مراقب حسابات للسنوات 2020 و2021 و2022. وهذا مؤشر يعكس سوء حوكمة الشركة ضمن مؤشرات عديدة أخرى.

وزادت حدة الأزمة بعد القرار الوزاري في 2009 بحصر نشاط الشركة التونسية للسكر على تكرير السكر الخام لفائدة الديوان التونسي للتجارة الذي يقوم باستيراد السكر الخام وترويج السكر الأبيض بعد تكريره من طرف الشركة مقابل منحة تكرير يقع ضبطها استنادا الى عديد المؤشرات. وبلغت قيمتها سنة 2019 ما قدره 211 دينار للطن. وبالتالي أصبحت الشركة مجرد مناول للديوان التونسي للتجارة و99٪؜ من مداخيلها متأتية من هذا النشاط. وقد كان القرار في الحقيقة يرمي آنذاك إلى تمييز شركة سكر تونس للمدعو بلحسن الطرابلسي حال دخولها طور الإنتاج وشركة جينيور لصاحيها حمادي الكعلي.

ويفنّد مرصد رقابة ما يتم تداوله بأن الشركة كانت تسجل أرباحا قبل الثورة. حيث بلغت الخسائر المتراكمة موفّى سنة 2010 ما قيمته 31.6 مليون دينار. وسجلت الشركة خسائر خلال سنوات 2006 و2008 و2009 و2010 على التوالي 17.5 م د و7.2 م د و 5م د و8.2 م د.

خسائر متراكمة 46.5 مليون دينار

وشهدت السنوات الماضية تدهور وضع الشركة لتبلغ الخسائر المتراكمة 46.5 مليون دينار موفى سنة 2019، ما جعل الأموال الذاتية والوضعية المحاسبية الصافية سلبية في حدود 21.5 م د. أي أن الشركة في وضعية إفلاس.

ولا شك أن استمرار نشاط الشركة راجع أساسا الى مواصلة دعم الدولة عبر إسناد قروض خزينة. وعبر زيادة المديونية، وعدم سداد أقساط القروض التي حل أجلها. حيث فاقت الديون القصيرة المدى 50 م د منها 22.3 م د أقساط وفوائض قروض لم يقع سدادها بالإضافة الى مكشوف بنكي في حدود 3.2 مليون دينار.

كما تعمقت ديون الشركة تجاه المزودين وبلغت 21.80 م.د. حيث بلغت مستحقات الشركة الوطنية لتوزيع البترول في موفي 2019 ما قدره 15 م د. وتجاوزت مستحقات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي 2 مليون دينار. في حين بلغت قيمة القروض الطويلة المدى 6 م د.

مؤشرات النشاط التي جمعناها من مختلف التقارير للسنوات من 2010 إلى 2019، تؤكد الطبيعة الهيكلية للأزمة. حيث من الواضح أن الطاقة القصوى لإنتاج السكر الأبيض المكرر لا تتجاوز 160 ألف طن سنويا في أقصى الحالات (حسب وزارة التجارة ). وكانت قد اقتربت منها نسبيا سنتي 2015 و2016 قبل أن تتراجع من جديد. هذه الطاقة الإنتاجية تمثل ما يقارب 35% من حاجة السوق المحلية للسكر الأبيض. وحتى لو بلغت الشركة طاقتها القصوى للإنتاج ستحقق في النهاية خسائر قدرها المرصد بقيمة 5 مليون دينار.

من ناحية أخرى، ورغم استثمار الشركة في انشاء وحدة لتعليب السكر تم تمويلها بواسطة قروض بنكية ومؤسسات الإيجار المالي، إلا انه ومنذ دخول الوحدة طور التشغيل بداية من جويلية 2017، كانت نتائجها سلبية لتزيد في تعميق الخسائر لعدة أسباب داخلية وخارجية.

كما إنّ تحسن نتائج سنوات 2017 و2018 رغم تدني مؤشرات النشاط راجع بالأساس الى مداخيل استثنائية متأتية من تعويض شركات التأمين.

عديد التجاوزات والعمليات غير المرخصة

وشهدت أعباء الاستغلال ارتفاعا كبيرا خلال السنوات الفارطة نتيجة ارتفاع أهم المستهلكات الخاصة بالإنتاج (فيول ثقيل، فحم حجري، حجر كلسي…) من ناحية. وارتفاع في الكميات المستهلكة غير المبررة، من ناحية أخرى. وهو ما قد يخفي عديد التجاوزات والعمليات غير المرخصة.

ولا شك أن سوء الحوكمة وضعف التسيير واستفحال الفساد من أهم أسباب الأوضاع الكارثية التي آلت اليها الشركة، والتي سنفصلها في تقريرنا المتعلق ب “منظومة السكر في تونس”، الذي يشمل كل جوانب التصرف في الشراءات والصفقات والتصرف في الموارد البشرية. بالإضافة لعقود المناولة بين الديوان التونسي للتجارة ومختلف الفاعلين المعنيين بتكرير السكر وتعليبه. وكذلك منظومة اللفت السكري التي تم إحياؤها في 2012, ويهيمن عليها المدعو حمادي الكعلي نائب رئيس اتحاد الصناعة والتجارة المستفيد الوحيد من مختلف المنح التي رصدتها الدولة تحت هذا العنوان، رغم أن حصة شركة جينور في الاستهلاك الوطني من مادة السكر لا تتجاوز 1 بالمائة. وهو محل شكاية جزائية أودعها مرصد رقابة في التلاعب بالمال العام.

مرصد رقابة يؤكد أنه لا يمكن إصلاح الشركة التونسية للسكر في ظل تحكم الديوان التونسي للتجارة في منظومة السكر وفي ظل طرق التصرف والتسيير الحالية للشركة. وإن كان المقصود ب”الإجراءات العاجلة” تطهير الوضعية المالية للشركة عبر تكفل الدولة بديونها، فهي بمثابة تبييض للفساد والفشل.

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.