المعتقل محمد ريان الحمزاوي يكتب: “صرخة من زنزانتي- سجن المرناقية

“17 ديسمبر …حدث تاريخي جاء ليفتح افاقا جديدة خاصة للشباب.. الشباب الذي شعر ان البعض من أحلامه يمكن ان تتحقق، وان يساهم فعليا في العمل والانجاز لتونس الجديدة، المعتزة بمكاسبها الحضارية..

“عمل وانجاز في إطار دولة العدل والقانون والمؤسسات التي تضمن فعليا الحقوق الفردية والجماعية…
كنت من بين هؤلاء الشباب.. في العشرينات من عمري، وسليل عائلة وطنية تؤمن بسيادة الدولة والقانون والتضامن والاعتدال …

“خرجت من عالم أحلام الشباب الى عالم الواقع وقررت المساهمة في تجسيم كل هذه القيم، وترشحت على رأس قائمة مستقلة في الانتخابات البلدية لسنة 2018، دون سند حزبي او غيره…فازت قائمتنا، والحمد الله، ليقع انتخابي رئيس لبلدية “الزهراء”، مدينتي…
تخليت بإرادة مني عن امتيازات السيارة والراتب وغيرها من الامتيازات…سخرت كل وقتي تطوعا للعمل البلدي لأثبتت انه بالإمكان المساهمة في خدمة الناس بجدية وتحسين محيطهم المعيشي…وان الإرادة واصرار الشباب قادران على هزم الصعوبات اليومية …رغم محدودية الإمكانيات…
“خمس سنوات تقريبا مرت …والله يعلم كم كانت التضحيات جسيمة…خاصة تضحيات عائلتي واطفالي الصغار …
لكن تشجيع ودعم مواطني متساكني مدينتي، خاصة، كان لي أحسن دافع للمواصلة في العمل..
“وفجأة…سحبت داخل ثقب اسود. لأقحم ظلما وسط قضية لا علم لي بها، لا من بعيد ولا من قريب.. لا بوقائعها ولا بأطرافها …
والادهى والامر ان الأفعال المنسوبة لي تتناقض جوهريا مع قناعاتي وقيمي واهدافي في الحياة وتاريخ عائلتي..
شاء القدر ان أكون ضحية ….. ليلقى بي هكذا وسط زنزانة موحشة.. دون ذنب اقترفته، (معاذ الله).. بعيدا عن عائلتي واطفالي الصغار ومدينتي …
كنت اعتقد جازما، في البداية، انني كنت ضحية خطأ اجرائي وقضائي سيتم التفطن اليه سريعا. بسبب وشاية تنم عن كيد وحسد مرضي بسبب نجاحي كشاب على رأس بلدية “الزهراء”.. الا انني تيقنت بعد ستة أشهر من الاعتقال الظالم، وبملف فارغ فيما يخصني، انه يجب على قبول الواقع…
ان الشعور بالقهر يشتد ويتضاعف خاصة عندما تكون بريئا …وتحس بالظلم في كل لحظة تعيشها وسط ظلام وبرودة وعزلة الزنزانة …دون التقدم في الابحاث، على الأقل، باعتبار ذلك حق أساسي وجوهري من حقوق البشر…
خرجت من مرحلة أحلام الشباب للمساهمة كرئيس لبلدية “الزهراء” في اصلاح أوضاع مدينتي وخدمة الناس والصالح العام …ليرجعني القدر الى مرحلة ان تكون احلامي الجديدة تتمثل فقط في استرجاع حريتي لأكون وسط عائلتي واطفالي الصغار…الذين اضعتهم اثناء عهدتي في رئاسة البلدية.. والان وراء القضبان ظلما..
أتوجه برسالتي لكل من يهمه الامر.. لمذا كتب علينا، كل مرة، إعادة انتاج التضحية بالأبرياء …وقتل إرادة الشرفاء من الشباب الذين اقتنعوا ان واجبهم يدعوهم للانخراط في الشأن العام للمساهمة في الإصلاح، كل من موقعه، خدمة لتونس التي نشترك في حبها؟
ظلم كل بريء هو ادانة لإنسانية الانسان وقيمه النبيلة التي اكتسبها بعد كل هذه القرون من التراكم القانوني والحقوقي..
كم من بريء سحق لنكتشف بعد فوات الأوان ادلة براءته …
هل كان علينا الرجوع الى رسالة الخليفة الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه لوالي القضاء في الكوفة والبصرة الصحابي الجليل أبو موسى الاشعري؟
هل كان علينا انتظار صرخة جديدة مثل تلك الصرخة التي أطلقها الاديب العالمي اميل زولا (Emile Zola) في رسالته الإنسانية الخالدة ” أنى اتهم…” J’ACCUSE …دفاعا عن انسان(درايفوس) اتهم باطلا، وثبتت، بعد فوات الأوان، براءته …؟
هل كان علينا أيضا التذكير بالمأساة التاريخية لمحاكمة سكو و فنزتي (Sacco et Vanzetti) في الولايات المتحدة الامريكية الذين أعدما باطلا، ليقع إعادة الاعتبار لهما نصف قرن بعد وفاتهما؟
هل كان علينا أخيرا استعادة كلمات لازالت حية ومتجددة، وتلخص أيضا حالتي والتي تقول “ان كل التفسيرات في العالم لن تبرر ان شرف انسان قد تم تسليمه من قبل متهميه، على حساب خرق مزدوج للقوانين الأساسية لجمهوريتنا، تلك التي تحمي كرامة وحرية كل واحد منا… “
أتوجه الى السيد رئيس الجمهورية بنداء، بعيدا عن التدخل في عمل القضاء، بل باعتباره رئيس الدولة والضامن للدستور والقانون.. لأقول ان شابا تونسيا صالحا واب لأطفال صغار، وبرا بوالديه، يقبع في السجن ظلما وزورا، منذ ستة أشهر، بسبب ملف فارغ الا من وشاية كيدية مشينة وحاقدة وخيالية تم التراجع فيها.
أخيرا وليس اخرا شكرا من القلب لكل من وقف وتعاطف معي وقال بخصوصي كلمة خير…
والسلام

  • المعتقل محمد ريان الحمزاوي

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.