نهاية إسرائيل – و إن طالت مأساة فلسطين – مسألة وقت؟!

ليس غريبا، في ضوء تهميش القانون الدولي، واستمرار الاحتلال في ارتكاب جرائمه في غزّة، أن تعود إلى السطح جدلية انهيار دولة إسرائيل واحتمال عدم بلوغها سنّ الثمانين. نبوءة تناولتها أدبيات عديدة سابقا، وأحياها الرجل الملثّم “أبو عبيدة” على هامش طوفان الأقصى. هناك تمسّك لدى الرأي العام العربي والإسلامي بالنص القرآني، ومحاولة الاقتناع من خلال ما يقبله العقل بلَعنة العقد الثامن على إسرائيل.

بقلم العقيد محسن بن عيسى


لعنة العقد الثامن

يشير المؤرخون الإسرائيليون أنّ اليهود أقاموا في فلسطين وعلى مدار التاريخ كِيانين سياسيين مستقلّين، وكلا الكيانين تهاوى وآل إلى السقوط في العقد الثامن من عمره.

الكيان الأول “مملكة إسرائيل الموحدة” 1011 ق م والتي استمرّت أقلّ من ثمانين سنة تحت حكم الملكين: داود وسليمان عليهما السلام. بدأت في بداية العقد الثامن بوادر الانشقاق بها بعد وفاة النبي سليمان عليه السلام، و أدّى ذلك الى انقسامها إلى مملكتين مملكة إسرائيل في الشمال وعاصمتها “السامرة” والتي حطّمها الآشوريون سنة 722 ق م، ومملكة يهوذا وعاصمتها “أورشليم” والتي دمّرها “بختنصر او نبخذ نصر” سنة 587 ق م.

الكيان الثاني يعرف بـ “مملكة الحشمو نائيم” والتي شهدت بدورها حالات فوضى في العقد الثامن من عمرها وقضت عليها الإمبراطورية الرومانية.

هناك اعتقاد لدى اليهود أنّ قيام دولة بني إسرائيل اقترن ببداية دورة “مذنّب هالي” وأنها ستنتهي بنهايتها. ولما كانت دورة المذنّب تستمر 76 سنة، وقيام إسرائيل يعود الى سنة 1948 فان انهيار الكيان أصبح على الأبواب وفقا لهذا الاعتقاد.

فكرة نهاية إسرائيل متجذّرة لدى التيارات “اليهودية” المنادية بأنّ الصهيونية ماتت مع قيام مشروع “الدولة”، وأنّ وجودها على الشكل الذي قامت عليه هو جريمة أخلاقية وقانونية وسياسية، تتنافى مع المعتقدات التوراتية.

الشعور بعدم الثقة بمستقبل إسرائيل قائم أيضا لدى رموز الدولة الصهيونية، في تصريحات موشيه ديان منذ 1954، وإيهود باراك، ونفتالي بينيت، وبنيامين نتنياهو حتى سنة 2023. قراءات أخرى تعزز هذا الاعتقاد لشخصيات فكرية وسياسية مثل المؤرخ “بيني موريس” و “أفراهام بورغ” رئيس الكنيست سابقا وغيرهم.

يدرك هؤلاء جميعا أنّ كيانهم المصطنع ينتمي إلى الجيوب الاستعمارية الاستيطانية وأنّ مصيرهم الزوال مثل استعمار الجزائر وجنوب إفريقيا وفيتنام.

إسرائيل و “وَعدُ الآخرة”

يعلّمنا التاريخ أنّ الدول تزدهر وتنهار وتختفي، وفي بعض الأحيان تزول سريعا. تنبّه الباحثون إلى أثر القرآن في حياة الأمم والشعوب، وحاولوا عبر تفاسير كثيرة الكشف عن هذا الأثر. اختلفت زوايا الرؤيا وتعدّدت النظريات المفسّرة، فأدقّ القراءات ما تعلّق بالغيبيات ومعرفة المستقبل وما هو مُقدَّر في المدى القريب والبعيد.

معظم المفكرين انكبوا على ما جاء بسورة الإسراء من زاوية التعرف على المراحل الزمنية لتاريخ اليهود. والتي يبدو أنها تنقسم إلى خمس مراحل وفقا لما جاء في الآيات (4، 5، 6، 7، 8) وتبدأ من زمن موسى عليه السلام لتنتهي بنهاية دولة إسرائيل والنهاية الحتمية للصهيونيين. كثير من الأحداث تتخلل هذه المراحل، وتركّز الاهتمام خصوصا على المرحلة الرابعة (في الآية 7)، والمتعلقة “بوعد الآخرة.” : ﴿فَإذا جاءَ وعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكم ولِيَدْخُلُوا المَسْجِدَ كَما دَخَلُوهُ أوَّلَ مَرَّةٍ ولِيُتَبِّرُوا ما عَلَوْا تَتْبِيرًا﴾

هناك قطعٌ باليقين لدى الكثير من المرجعيات الدينية أنّ الكيان الإسرائيلي يقع تحت قول الله في هذه الآية، والجولة القائمة او القادمة هي للمسلمين الذين سيدخلون المسجد كما دخلوه أول مرّة، وسيقضون على قوات الاحتلال ولن تقوم للكيان الصهيوني له قائمة إلى يوم القيامة.

من الإشارات الإلهية البارزة أيضا، أنّ نهاية إسرائيل تكون بعد “جمع الشتات”، ويعني ذلك ما حدث منذ منتصف النصف الثاني من القرن العشرين من هجرة اليهود لفيفًا، أي جماعات لتكوين “إسرائيل” والاستقرار فيها، وهو أحد شروط ومواصفات تحقّق الوعد.

نحن على مشارف “وعد الآخرة” وهو تاريخ وقوع العقوبة بعد حصول الإفساد الثاني، والذي يقوم به الصهاينة. فمنذ عقود والإسرائيليون يعيثون في الأرض فسادا، قتلوا الأطفال والشيوخ والنساء، وهدموا المنازل والمساجد، وهتكوا الحرمات واغتصبوا الحريات، وسيطروا على الثروات، وامسكوا بزمام الاقتصاد والإعلام عالميا لتوجيهها وفقا لمصالحهم. إسرائيل هي منبع الفتن وبؤرة الفساد والإفساد المبثوثة عبر التاريخ.

قدّم البعض تاريخا لهذا الموعد المرتقب والذي بحسب أحدث التفاسير سيكون خلال السنوات القليلة القادمة.

بصمات بداية الانهيار

نحن على ما يبدو على مشارف المرحلة الأخيرة من مراحل الصراع بين المسلمين (الفلسطينيين) وبني إسرائيل. ومن العناوين البارزة والتي تحمل بصمات بداية الانهيار “حرب غزّة” الجارية والتي تدفع إلى الاعتقاد بأنّ هناك حالة إنهاك حقيقية لدى الجيش الإسرائيلي وسقوط اسطورة “الجيش الذي لا يقهر”. هناك مظاهر إحباط من الصمود الفلسطيني، صمود شبيه بما حققته المقاومة والشعب في فيتنام والتي لم تهزم الجيش الأمريكي لعُدّته وعتاده وإنما أرهقته لدرجة اليأس، وهو ما فعله المجاهدون والشعب بالجزائر على مدى ثماني سنوات في حرب التحرير من الاستعمار الفرنسي.

ستتجاوز غزة المأساة، وسيتوحّد الشعب الفلسطيني، وسينتصر بعد هذا النضال الشاق والمُظفّر. الصورة قاتمة لدى العدو لتزايد الشرخ العميق في المجتمع بسبب تشدّد القوى اليمينية، وتطور الفاشية، وممارسة سياسة “الأبرتهايد” العنصرية. الوضع يتفاقم لاختلال التوازن بين الكنيسيت والحكومة والمنظومة القضائية في دولة دون دستور. يتعمّق التشكيك اليهودي بجدوى استمرار المشروع الصهيوني وتشكّل الهجرة العكسية الجارية للإسرائيليين عموده الفقري.

قد لا تُؤخذ التنبّؤات على محمل الجد في الأوساط السياسية والفكرية، ولكن الكثير من المفسرين والمؤرخين يرجّحون أن الدولة الصهيونية دخلت مرحلة بدء العدّ العكسي إلى الزوال، سواء على قاعدة لعنة القرن الثامن أو أسرار القرآن وبراهينه.

ضابط متقاعد من سلك الحرس الوطني.

                                                       

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.